Thursday 10 July 2025
اقتصاد

بعد استقالة السلطات.. فراقشية العطلة يتاجرون بعرق المغاربة!

بعد استقالة السلطات.. فراقشية العطلة يتاجرون بعرق المغاربة! كاريكاتور تعبيري لفراقشية‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية
يدخل‭ ‬المغاربة،‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬صيف،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ساخنة‭ ‬مع‭ ‬الغلاء،‭ ‬وكأن‭ ‬العطلة‭ ‬لم‭ ‬تُخلق‭ ‬للاستجمام‭ ‬بل‭ ‬لاختبار‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬حسابات‭ ‬المضاربين‭ ‬الموسميين‭ ‬الذين‭ ‬يهتبلون‭ ‬الفرصة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الربح‭ ‬السريع،‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬عرق‭ ‬المصطافين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬اقتطاع‭ ‬أيام‭ ‬معدودة‭ ‬لشحن‭ ‬طاقتهم‭. ‬فما‭ ‬إن‭ ‬ترتفع‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الجو‭ ‬حتى‭ ‬تبدأ‭ ‬الأسعار‭ ‬بالتصاعد‭ ‬في‭ ‬الفنادق‭ ‬والمطاعم‭ ‬والشقق‭ ‬والمقاهي‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل‭ ‬ومواقف‭ ‬السيارات،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الشواطئ‭ ‬يتم‭ ‬احتلالها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أشخاص‭ ‬مسخرين‭ ‬لكراء‭ ‬الشمسيات‭ ‬والكراسي‭ ‬والطاولات،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الفُوَط‭ ‬وملابس‭ ‬السباحة‭ ‬والألواح‭ ‬والدراجات‭ ‬المائية‭. ‬
 
مبدئيا،‭ ‬يُفترض،‭ ‬كما‭ ‬يجري‭ ‬العمل‭ ‬بذلك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلدان،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الصيف‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمواطن‭ ‬المغربي‭ ‬(الموظف‭ ‬والعامل،‭ ‬وكل‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود)،‭ ‬فرصة‭ ‬للانعتاق‭ ‬من‭ ‬مشاق‭ ‬الضغط‭ ‬المهني،‭ ‬ولحظةً‭ ‬للتمدد‭ ‬خارج‭ ‬الروتين‭ ‬اليومي‭ ‬الثقيل،‭ ‬وانفلاتا‭ ‬جماعيا‭ ‬من‭ ‬جدران‭ ‬المدينة‭ ‬المكتظة،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬انتبهت‭ ‬إليه‭ ‬المجتمعات‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬العطلة‭ ‬آليةً‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬وتجديد‭ ‬الطاقات‭ ‬وشحذ‭ ‬الهمم،‭ ‬وترميم‭ ‬الأعطاب‭ ‬النفسية،‭ ‬واستعادة‭ ‬الكفاءة‭ ‬الحيوية‭ ‬للفرد‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬ببلادنا‭ ‬يُقدّم‭ ‬صورة‭ ‬معاكسة‭ ‬تمامًا؛‭ ‬فالصيف‭ ‬هنا‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬موعدٍ‭ ‬ثابت‭ ‬مع‭ ‬"فراقشية‭ ‬العطل"‭ ‬الذين‭ ‬يتقنون‭ ‬اصطياد‭ ‬اللحظات‭ ‬الجماعية‭ ‬للفرح،‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬للربح‭ ‬السريع،‭ ‬دون‭ ‬وزاع‭ ‬أخلاقي‭ ‬أو‭ ‬رقابة‭ ‬مؤسساتية‭ ‬فعّالة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬رادع‭ ‬قانوني‭ ‬يدفع‭ ‬عن‭ ‬ذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬أطماع‭ ‬هؤلاء؛‭ ‬حيث‭ ‬تتحول‭ ‬وجهات‭ ‬الاصطياف‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬للاشتباك‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭.‬
 
إن‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬الاصطياف‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬ارتفاع‭ ‬عادي‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬بفعل‭ ‬زيادة‭ ‬الطلب‭ ‬(ذروة‭ ‬الموسم)،‭ ‬بل‭ ‬ظاهرة‭ ‬متكررة‭ ‬تنذر‭ ‬بوجود‭ ‬خلل‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬تنظيم‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية،‭ ‬وغياب‭ ‬دور‭ ‬فعال‭ ‬للسلطات‭ ‬العمومية‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬المستهلك‭ ‬وضبط‭ ‬السوق‭. ‬ويتجلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الارتفاع‭ ‬المهول‭ ‬لأسعار‭ ‬كراء‭ ‬الشقق‭ ‬والفنادق‭ ‬والإقامات‭ ‬والمطاعم،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الساحلية‭ ‬والسياحية‭ ‬مثل‭ ‬(أكادير،‭ ‬تاغازوت،‭ ‬طنجة،‭ ‬أصيلة،‭ ‬تطوان،‭ ‬الصويرة،‭ ‬مراكش،‭ ‬السعيدية،‭ ‬إفران،‭ ‬الواليدية،‭ ‬الحسيمة،‭ ‬مرتيل،‭ ‬مير‭ ‬اللفت،‭ ‬الداخلة‭.. ‬إلخ)‭. ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬الصغرى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقصدها‭ ‬الأسر‭ ‬الفقيرة‭ ‬مثل‭ ‬الجديدة‭ ‬باتت‭ ‬تعرف‭ ‬ارتفاعا‭ ‬ملحوظا‭ ‬في‭ ‬الأسعار،‭ ‬إذ‭ ‬بادر‭ ‬"الفراقشية"‭ ‬إلى‭ ‬استحلاب‭ ‬جيوب‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬فجأةً‭ ‬مضطرين‭ ‬إلى‭ ‬أداء‭ ‬ضعف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معتاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خدمة‭ ‬أساسية،‭ ‬كالإقامة‭ ‬أو‭ ‬الأكل‭ ‬أو‭ ‬النقل‭. ‬بل‭ ‬الأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأسعار،‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬سقف‭ ‬محدد،‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لأي‭ ‬معيار‭ ‬قانوني،‭ ‬ولا‭ ‬تُحدد‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ضوابط‭ ‬واضحة،‭ ‬بل‭ ‬تعطي‭ ‬مؤشرًا‭ ‬واضحًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬محاصرًا‭ ‬بين‭ ‬رغبة‭ ‬ملحة‭ ‬في‭ ‬الاستجمام‭ ‬والراحة‭ ‬التي‭ ‬يتيحه‭ ‬له‭ ‬فصل‭ ‬الصيف،‭ ‬وبين‭ ‬واقع‭ ‬اقتصادي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الاصطياف‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬السياحية‭ ‬عبئًا‭ ‬ثقيلًا‭ ‬على‭ ‬ميزانيته،‭ ‬بل‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬لها،‭ ‬لأن‭ ‬العطلة‭ ‬مرتبطة‭ ‬أيضا‭ ‬بالدخول‭ ‬المدرسي‭ ‬وما‭ ‬يستتبعه‭ ‬من‭ ‬مصاريف‭ ‬قاهرة‭. ‬فالملاحظ‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬كراء‭ ‬الشقق‭ ‬المفروشة‭ ‬ترتفع‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬الموسم‭ ‬الصيفي‭ ‬أحيانًا‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬السنة،‭ ‬حيث‭ ‬تتحول‭ ‬شقة‭ ‬كانت‭ ‬تكلف‭ ‬400‭ ‬درهم‭ ‬لليلة‭ ‬إلى‭ ‬1200‭ ‬أو‭ ‬1500‭ ‬درهم،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬يصل‭ ‬هذا‭ ‬السعر‭ ‬إلى‭ ‬2000‭ ‬درهم‭ ‬لشقة‭ ‬عادية‭. ‬أما‭ ‬أسعار‭ ‬الفنادق‭ ‬فغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تخضع‭ ‬لأسعار‭ ‬موسمية‭ ‬غير‭ ‬شفافة،‭ ‬لا‭ ‬يضبطها‭ ‬أي‭ ‬معيار‭ ‬رسمي‭ ‬يمكن‭ ‬للمواطنين‭ ‬الرجوع‭ ‬إليه،‭ ‬بل‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬الفندق‭ ‬نفسه‭ ‬يحدد‭ ‬حجز‭ ‬الغرفة‭ ‬بسعر‭ ‬أعلى‭ ‬للمواطن‭ ‬المغربي‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسعر‭ ‬المخصص‭ ‬للسائح‭ ‬الأجنبي‭ ‬(هناك‭ ‬تخفيضات‭ ‬مخصصة‭ ‬للأجانب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفنادق‭ ‬والمنتجعات)!
 
فهل‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك،‭ ‬بأن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الموجهة‭ ‬للسياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬مازال‭ ‬دون‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب،‭ ‬وأن‭ ‬التركيز‭ ‬الكبير‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬السياحة‭ ‬الخارجية،‭ ‬أم‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬الأمر‭ ‬امتداد‭ ‬لبنية‭ ‬اقتصادية‭ ‬تخلق‭ ‬مناسبات‭ ‬موسمية‭ ‬لنهب‭ ‬المواطن،‭ ‬وتُرسّخ‭ ‬«تطبيعًا‭ ‬جماعيًا‭ ‬مع‭ ‬الغلاء»؟
 
والحق‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تعرضنا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬«الوطن‭ ‬الآن»،‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬فقط‭ ‬بفصل‭ ‬الصيف،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬دورة‭ ‬زمنية‭ ‬موسمية‭ ‬خانقة‭ ‬مستدامة،‭ ‬تبدأ‭ ‬مع‭ ‬رسوم‭ ‬التسجيل‭ ‬والدخول‭ ‬المدرسي،‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬رمضان،‭ ‬وتمر‭ ‬بعيد‭ ‬الأضحى‭ ‬وعاشوراء،‭ ‬لتنتهي‭ ‬بالعطلة‭ ‬الصيفية،‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬اقتصادية‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬فيها‭ ‬تطور‭ ‬"استنزاف‭ ‬الجيوب"‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬ومن‭ ‬قطاع‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭. ‬والأنكى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬العمومية‭ ‬الموكول‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المراقب‭ ‬والضامن‭ ‬لحقوق‭ ‬المستهلك‭ ‬تبدو‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي،‭ ‬بل‭ ‬أحيانا‭ ‬كثيرة‭ ‬يقدمها‭ ‬الواقع‭ ‬بوصفها‭ ‬متواطئة‭ ‬مع‭ ‬«الفراقشية»‭. ‬إذ‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬آليات‭ ‬رقابية‭ ‬صارمة‭ ‬تُلزم‭ ‬الملاك‭ ‬وأصحاب‭ ‬المطاعم‭ ‬والفنادق‭ ‬و«السناكات»‭ ‬والمسابح‭ ‬بحدود‭ ‬واضحة‭ ‬للأسعار‭ ‬وجودة‭ ‬الخدمات،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الإكراهات‭ ‬القانونية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬الكراء‭ ‬العشوائي‭ ‬للشقق‭ ‬المفروشة،‭ ‬التي‭ ‬تستغل‭ ‬بشكل‭ ‬موسمي‭ ‬للمضاربة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المواطن‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المستوى،‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الحلول‭ ‬الفعالة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬لتنظيم‭ ‬السوق‭ ‬وضبط‭ ‬الأسعار‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬الذروة‭. ‬ففي‭ ‬فرنسا،‭ ‬التي‭ ‬تعودنا‭ ‬أن‭ ‬نضرب‭ ‬بها‭ ‬المثال،‭ ‬توجد‭ ‬آليات‭ ‬لتحديد‭ ‬سقوف‭ ‬أسعار‭ ‬الفنادق‭ ‬والشقق‭ ‬المفروشة‭ ‬في‭ ‬المواسم‭ ‬السياحية،‭ ‬مع‭ ‬رقابة‭ ‬دورية‭ ‬تضمن‭ ‬حقوق‭ ‬المستهلكين‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬إسبانيا،‭ ‬القريبة‭ ‬منا،‭ ‬فتعمل‭ ‬الحكومة‭ ‬مع‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬لضبط‭ ‬كراء‭ ‬الشقق‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬مرخصة،‭ ‬وتفرض‭ ‬غرامات‭ ‬مالية‭ ‬على‭ ‬المخالفين‭. ‬
 
لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬السياحة‭ ‬الصيفية‭ ‬عندنا‭ ‬مناسبة‭ ‬مفضّلة‭ ‬عند‭ ‬شبكات‭ ‬الغش‭ ‬والاحتيال؛‭ ‬ففضلا‭ ‬عن‭ ‬الخدمات‭ ‬المتدنية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُطابق‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬معايير‭ ‬الجودة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬محدودية‭ ‬العرض‭ ‬السياحي‭ ‬الداخلي،‭ ‬وتركيزه‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬محدودة،‭ ‬فإن‭ ‬خريطة‭ ‬السياحة‭ ‬المغربية‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬متوازنة‭ ‬مجاليًا،‭ ‬إذ‭ ‬تستمر‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والبنيات‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬التراكم‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬مدن‭ ‬مثل‭ ‬مراكش‭ ‬وأكادير‭ ‬وطنجة،‭ ‬بينما‭ ‬تُترك‭ ‬مناطق‭ ‬جبلية‭ ‬وواحية‭ ‬وداخلية‭ ‬مهمّشة،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مؤهلات‭ ‬طبيعية‭ ‬وثقافية‭ ‬هائلة‭. ‬والنتيجة‭ ‬أن‭ ‬الضغط‭ ‬يتركّز‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬معدودة،‭ ‬ما‭ ‬يُفاقم‭ ‬الغلاء،‭ ‬ويُضعف‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬التنويع،‭ ‬ويُسهم‭ ‬في‭ ‬إفراغ‭ ‬التجربة‭ ‬السياحية‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬المواطناتي‭ ‬العادل‭.‬
 
في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عطلة‭ ‬كحق‭ ‬اجتماعي،‭ ‬بل‭ ‬كترف‭ ‬طبقي‭ ‬حُجب‭ ‬عن‭ ‬الأغلبية‭. ‬إذ‭ ‬تحوّلت‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬للاستجمام‭ ‬إلى‭ ‬رفاهية‭ ‬مؤقتة‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يستطيعون‭ ‬دفع‭ ‬أموال‭ ‬باهظة،‭ ‬بينما‭ ‬تُستثنى‭ ‬شرائح‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬ويُرمى‭ ‬بها‭  ‬نحو‭ ‬الهامش،‭ ‬مما‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬حمايتها‭ ‬أو‭ ‬توفير‭ ‬مساحة‭ ‬للاستجمام‭ ‬بأسعار‭ ‬تراعي‭ ‬فائض‭ ‬دخلها‭.‬
 
في‭ ‬هذا‭ ‬المستوى،‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية،‭ ‬حكومية‭ ‬أو‭ ‬محلية،‭ ‬أن‭ ‬تسارع‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للسياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬عبر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬الممكنة،‭ ‬من‭ ‬قبيل:
 
أولا‭:‬‭ ‬ تطوير‭ ‬برامج‭ ‬للسياحة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬تتيح‭ ‬للعائلات‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬فرصة‭ ‬للاستجمام‭ ‬المريح‭ ‬خلال‭ ‬مواسم‭ ‬الاصطياف،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تشجيع‭ ‬السياحة‭ ‬القروية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬توفر‭ ‬بدائل‭ ‬بأسعار‭ ‬معقولة‭. ‬
 
ثانيا‭:‬‭ ‬ بناء‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬اصطيافية‭ ‬شعبية‭ ‬مجهزة‭ ‬تجهيزًا‭ ‬جيدًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تعميم‭ ‬حق‭ ‬الاستجمام،‭ ‬وتشجيع‭ ‬المستثمرين‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬«دور‭ ‬ضيافة،‭ ‬مخيمات‭ ‬منظمة،‭ ‬قرى‭ ‬سياحية،‭ ‬مركبات‭ ‬استقبال‭..‬»‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬يمكن‭ ‬للدولة‭ ‬أن‭ ‬تُموّل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬بخلق‭ ‬صندوق‭ ‬لدعم‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية،‭ ‬وربط‭ ‬الدعم‭ ‬بتشغيل‭ ‬الشباب‭ ‬المحليين‭ ‬وتنمية‭ ‬المجتمعات‭ ‬المضيفة‭.‬
 
ثالثا‭ :‬‭ ‬تفعيل‭ ‬رقابة‭ ‬صارمة‭ ‬خلال‭ ‬فصل‭ ‬الصيف،‭ ‬عبر‭ ‬إجبار‭ ‬الفضاءات‭ ‬السياحية‭ ‬على‭ ‬الإعلان‭ ‬العلني‭ ‬عن‭ ‬الأسعار،‭ ‬وتخصيص‭ ‬رقم‭ ‬وطني‭ ‬أخضر‭ ‬لتلقي‭ ‬الشكايات‭ ‬الفورية،‭ ‬وربط‭ ‬الشكايات‭ ‬بآليات‭ ‬تدخّل‭ ‬فعالة‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬التوثيق‭ ‬فقط‭. ‬
 
رابعا‭:‬‭ ‬ إخضاع‭ ‬خدمات‭ ‬كراء‭ ‬الشقق‭ ‬والمنازل‭ ‬والإقامات‭ ‬السياحية‭ ‬لنظام‭ ‬قانوني‭ ‬صارم،‭ ‬يفرض‭ ‬التصنيف‭ ‬والترخيص،‭ ‬ويُمنع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬كل‭ ‬عرض‭ ‬غير‭ ‬مصنّف‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬الإلكترونية‭.‬
 
خامسا‭:‬‭ ‬ إعادة‭ ‬التوازن‭ ‬المجالي‭ ‬عبر‭ ‬تحفيز‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الأقل‭ ‬جذبًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربطها‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬والترويج‭ ‬لها‭ ‬وطنيًا،‭ ‬ومنحها‭ ‬تسهيلات‭ ‬ضريبية‭ ‬وقانونية‭. ‬فالسياحة‭ ‬ليست‭ ‬مراكش‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬زاكورة،‭ ‬أزيلال،‭ ‬الريف،‭ ‬الأطلس،‭ ‬وتافراوت،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الغنية‭ ‬بالثقافة‭ ‬والطبيعة‭.‬
 
سادسا‭:‬‭  ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬الهيكل‭ ‬التنظيمي‭ ‬لوزارة‭ ‬السياحة،‭ ‬عبر‭ ‬خلق‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬جهاز‭ ‬يُعنى‭ ‬بالسياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬تحديدًا،‭ ‬يملك‭ ‬صلاحيات‭ ‬رقابية‭ ‬وتقريرية،‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والجهات‭ ‬والعمالات‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬سياسات‭ ‬محلية‭ ‬عادلة‭. ‬
 
سابعا‭:‬‭ ‬دعم‭ ‬قدرات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وتمكينه‭ ‬من‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬السوق،‭ ‬وتعبئة‭ ‬المواطنين،‭ ‬وتوفير‭ ‬شبكات‭ ‬إنذار‭ ‬مبكر‭ ‬حول‭ ‬الغلاء‭ ‬أو‭ ‬الغش‭ ‬أو‭ ‬الاستغلال‭. ‬
 
ثامنا‭:‬‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لفكرة‭ ‬العطلة‭ ‬ذاتها‭. ‬فالعطلة‭ ‬ليست‭ ‬عطالة،‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬ترف‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الذات،‭ ‬وحق‭ ‬في‭ ‬الانفلات‭ ‬المؤقت‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬الزمن‭ ‬الإنتاجي،‭ ‬ومتنفس‭ ‬للعدالة‭ ‬والكرامة‭. ‬حين‭ ‬تُترك‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬فريسةً‭ ‬لجشع‭ ‬السوق،‭ ‬نُهدد‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ندري،‭ ‬ونُساهم‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬التفاوت‭ ‬بدل‭ ‬معالجته‭.‬
 
تاسعا‭:‬‭ ‬اضطلاع‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬بنقل‭ ‬صورة‭ ‬حقيقية‭ ‬وموثوقة‭ ‬للإشكالات‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬المواطن‭ ‬مع‭ ‬المضاربين‭ ‬في‭ ‬الأسعار،‭ ‬وفضح‭ ‬ممارسات‭ ‬الاستغلال‭ ‬خلال‭ ‬مواسم‭ ‬الاصطياف،‭ ‬وذلك‭ ‬لخلق‭ ‬ضغط‭ ‬شعبي‭ ‬تعزيز‭ ‬وعي‭ ‬المستهلك‭ ‬بحقوقه‭.‬
 
عاشرا‭:‬‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬مقاربة‭ ‬تشاركية‭ ‬بين‭  ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬والمستهلك،‭ ‬لكسر‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬التي‭ ‬تتكرر‭ ‬كل‭ ‬سنة،‭ ‬خلال‭ ‬لحظة‭ ‬الاستجمام‭ ‬الصيفي‭.‬
 
إن‭ ‬ترك‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬أمام‭ ‬«فراقشية‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية»‭ ‬لن‭ ‬يؤدي،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬الهوة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتعميق‭ ‬التفاوتات‭ ‬الطبقية‭ ‬وتغذية‭ ‬الإحباط‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وهذا‭ ‬يدعو‭ ‬السلطات،‭ ‬وخاصة‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬«الدولة‭ ‬الاجتماعية»،‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنصاف‭ ‬الفئة‭ ‬الأوسع‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬وفك‭ ‬ساحات‭ ‬اشتباكها‭ ‬الظالم‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار!
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"