Thursday 5 June 2025
اقتصاد

التدريب stage في المغرب.. الفرص المهدورة

التدريب stage في المغرب.. الفرص المهدورة التدريب الميداني في المغرب: من رحلة مرهقة إلى ورشة إصلاح وطني
في نهاية كل سنة جامعية أو مرحلة دراسية، يتكرر نفس المشهد ببلادنا، آلاف الطالبات والطلبة، من مختلف التخصصات والمستويات، يبحثون عن فرصة تدريب ميداني stage، باعتباره حلقة أساسية من حلقات التكوين التي لا تكتمل الشهادة دونها. غير أن هذا البحث يتحول، في كثير من الأحيان، إلى رحلة مرهقة لا تليق بشباب في طور الإعداد لتحمل مسؤوليات الغد.
 
التدريب في المغرب لا يخضع اليوم لأي إطار قانوني موحد، باستثاء شدرات خفيفة هنا وهناك مما يترك الاجتهاد والتأويل لكل مؤسسة على حدة، سواء في القطاع العام أو الخاص. ومما لا شك فيه ان هذا الوضع خلق نوعًا من التفاوت، بل أحيانًا من العبث، في التعامل مع هذه المرحلة الحساسة من التكوين.
 
التدريب ليس لحظة ثانوية في المسار الأكاديمي، بل هو مناسبة لترجمة المعارف النظرية إلى ممارسات عملية، وللتعرف على بيئة الشغل بكل ما تحمله من فرص وإكراهات، وتفاعلات يومية، وقيم مهنية. “التعليم ليس استعدادًا للحياة، بل هو الحياة ذاتها. والتجربة هي جوهر كل تعلم.” (جون ديوي ).
 
فمن دون تدريب، تبقى المعارف معلّقة، والطالب معرضًا للاصطدام العنيف بالواقع المهني لاحقًا، كما أن المؤسسات تجد صعوبة في تقييم الكفاءات أو استقطاب الطاقات الجديدة.
 
وبخلاف ما يظن البعض فإن التدريب لا يخدم الطالب وحده، بل المؤسسة كذلك. إنه فرصة لاختبار الكفاءات المستقبلية، واستكشاف مهارات جديدة، وضخ دماء جديدة في فرق العمل. 
 
“أفضل وسيلة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تصنعه… والتدريب هو أول خطوة نحو بناء هذا المستقبل داخل المؤسسة.”(بيتر دراكز ).
 
لكنّ هذا التصور المتقدم للتدريب لا نجد له اثرا في غالبية مرافقنا ومؤسساتنا ومقاولاتنا التي إما ترفض استقبال المتدربين، أو تسد بهمّ الخصاص في مهام تكميلية بسيطة لا تمت لتخصصهم بصلة، او تقبلهم مجاملة وتتركهم بدون تأطير أو مواكبة.
 
بل إن بعض المؤسسات تمنح شهادة التدريب دون أن يلتحق بها المتدرب أصلا. فهذا الاستهتار  بالتدريب يشكل ضررًا مزدوجًا، على الطالب اولًا الذي يغادر المؤسسة التعليمية بنقائص فادحة؛ وعلى المجتمع ثانيا الذي يراكم جيلاً غير مهيّأ بشكل حقيقي.
 
 فهل لنا ان نحلم بسياسة وطنية واضحة  ببلادنا في مجال التدريب  تُلزم المؤسسات، الخاصة والعمومية، باستقبال حصة سنوية من المتدربين، وفق دفتر تحملات موحد، يحدد حقوق المتدرّب، وواجبات الجهة المستضيفة، ومعايير التقييم، وأسس التأطير؟.
 
وتجدر الإشارة ان  منظمة العمل الدولية إلى  في أحد تقاريرها أكدت أن:
“التدريب العملي، عندما يتم في ظروف جيدة، لا يفيد المتدرّب وحده، بل يعزز تنافسية الاقتصاد ويقلص الفوارق في التشغيل.”
 
وفي المقابل، طوّرت عدد من الدول الكبرى نماذج ناجحة في تنظيم وتأطير التدريب، وهي تُعد اليوم مرجعًا عالميًا.
فألمانيا التي تعتبر من رواد العالم في هذا المجال،تعتمد  تجربتها على نظام التكوين المزدوج الذي يدمج الدراسة النظرية في المؤسسة التعليمية بالتدريب داخل المقاولة. ويخضع هذا النظام لقوانين صارمة، كما تتولى غرف الصناعة والتجارة مراقبة الجودة.. وقد لخّصت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل هذه الرؤية بقولها:
“ما يجعل ألمانيا قوية ليس فقط صناعتها، بل نظامها الثنائي في التكوين الذي يُخرج شبابًا جاهزين للعمل، لا للانتظار.”
 
امًا  كندا  فقد أطلقت برامج وطنية لربط الطلبة بالقطاعين العام والخاص، اشهرهما  Mitacs وCOPE اضافة إلى تشجيع المقاولات عبر حوافز مالية عند احتضان المتدربين.
 
في حين اعتمدت سنغافورة برنامج SkillsFuture كخطة استراتيجية لتعزيز كفاءات الشباب وتوجيههم نحو مهن المستقبل، مع تركيز على التدريب العملي ضمن المسار التعليمي.
 
أمام هذه النماذج وغيرها والناجحة على المستوى الدولي أصبح من الضروري أن تبادر بلادنا  إلى بلورة إطار وطني قانوني ومؤسساتي للتدريب، وذلك ب:
- إصدار قانون خاص بالتدريب الإجباري.
- أحداث  سجل وطني للتدريب. 
- إلزام المؤسسات العمومية والمقاولات الخاصة باستقبال عدد سنوي من المتدربين حسب طاقتها.
- ضمان التأطير والمتابعة من طرف المؤطرين الأكاديميين والمهنيين.
- تخصيص حوافز للمؤسسات المواكبة.
 
وفي غياب ذلك، سيظل التدريب في المغرب مجرد ورقة رسمية، لا تعكس المعنى الحقيقي للتكوين ولا تواكب انتظارات الشباب ولا رهانات البلاد.
 
إن المغرب، وهو يطمح إلى الالتحاق بركب الدول الصاعدة، لا يمكنه أن ينجح في هذا المسار دون أن يُعيد الاعتبار لعنصره البشري، من خلال تعليم ذي جودة، وتكوين يربط النظرية بالممارسة، وتدريب يحترم ذكاء الطالب وكرامته. فالتدريب ليس مجاملة مؤسساتية، بل هو اختبار لقدرة الدولة على تهيئة أبنائها للمستقبل.فما رأي السادة الوزراء  أمل فلاح السغروشني ،ويونس سكوري ،وعز الدين  الميداوي كل باسمه وصفته واختصاصه  والتقدير الواجب له.