الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

ليلى بارع: "أصدقاء" الطيب الصديقي!

ليلى بارع: "أصدقاء" الطيب الصديقي!

تابعنا خلال الأيام الأخيرة بأسف كبير تسريب صور المرض الخاصة بالفنان المسرحي المغربي الطيب الصديقي، الطيب الذي شغل الرأي العام المسرحي على الدوام، بتصريحاته النارية، الطيب الصديقي بتاريخه الذي وشم بدايات المسرح المغربي، بتصريحاته التي جلبت له الكثير من الأصدقاء والأعداء... الطيب الصديقي اليوم يتم تسريب صوره وهو نائم على فراش المرض والوهن، ما الجدوى من هذه الصور التي لا شك أنها التقطت بمحبة وبثقة الطيب الصديقي في صداقاته القديمة والقوية. ما الجدوى من تسريب صورة المرض من أجل بعض الشفقة التي لا معنى لها بالنسبة لهذا الهرم المسرحي، والتي ما كان ليقبلها لو كان في كامل قواه الجسدية.

من المسؤول عن تسريب تلك الصور التي جمعته بكل من المسرحية ثريا جبران والمخرجة نعيمة زيطان...أيا كان من سرب تلك الصور، نقول لهم "حشومة" إن كنتم تفهمون "الحشومة" في معناها العميق، الذي يعني أن مثل هذا التصرف لا يجوز ولا ينبغي ولا يصح اتجاه مثقف وفنان من عيار الطيب الصديقي، "حشومة" استغلال صداقة الكبار والضعف الإنساني في مثل هذه المواقف الخاصة، "حشومة" ليس لأن في الصور ما يخدش صورة الطيب الصديقي، فالمرض جزء من مسار الحياة، بل لأن تلك الصورة لن تفيد أحدا، لأنها ليست درسا مسرحيا، ولا لقطة فنية على الخشبة، ولا جزءا من مسرحية درامية، إنها جزء من مسار طويل ينبغي أن يحظى صاحبه بعناية طبية وإنسانية في ظل الكرامة التي عاش الطيب الصديقي يحيط بها نفسه. فالصديقي كما يعرفه المقربون منه لا يبحث عن الشفقة، هو الذي امتنع دائما على الخوض في حياته الخاصة. فحين يهب المبدع حياته بأكملها للدفاع عن مشروعه الثقافي والفني لا يهمه انشغال البعض بحصد اللايكات بسبب صوره.

لو كانت النية طيبة لتمت كتابة بلاغ من طرف جهة نقابية مسرحية مكرسة ولتم رفع طلب رسمي إلى الوزارة الوصية أو إلى جهة معينة بذاتها، للتدخل قصد علاج المسرحي المغربي، بعيدا عن المتاجرة بصورة المرض والوهن، لكن البعض بدلا عن سلوك الطرق الواضحة والمباشرة يقوم مثل المراهقين بتسريب صور مؤلمة لشخص على فراش الضعف، أية صداقة هذه وأية محبة تنتهي على صفحات الفيسبوك؟ وكأن الأمر يتعلق بجلسة أصدقاء مرت في ظروف عادية أو ببروفة مسرحية قبل المرور نحو العرض الأكبر؟

أتذكر أن الرجل كان صارما بشكل كبير خاصة بالنسبة لمواعيده، اتصلت به عدة مرات في بدايات مشواري المهني كإعلامية، ولم يبخل أبدا في الإجابة عن كل الأسئلة، كان يطالب مقابل ذلك بشيء واحد لا غير: احترام الموعد، الالتزام بالوقت المحدد بدون زيادة ولا نقصان، وقد كان ذلك سببا لامتناعه عن منحي تصريحا بسبب تأخري في الاتصال به لبعض دقائق، لقد احترمت كثيرا قراره، لأنه كان شخصا يحترم الجميع، لم يكن يؤمن بـ"الكبير" أو"الصغير" في الميدان. فهل احتَرَمَ أصدقاؤه المقربون مساره المسرحي والشخصي؟ هل يستحق وقت الصداقة الذي منحه الصديقي لأصدقائه أن يتم نشره على صفحات الفيسبوك؟ إنه زمن رديء حقا يبحث فيه البعض عن شهرة كاذبة بطرق تسيء لأقرب المقربين.

نفس ما تعرض له الطيب الصديقي يتعرض له الكثير من المشاهير من طرف أقاربهم وأصدقائهم، يحضرني هنا إصرار البعض على التقاط صور للفنانة اللبنانية صباح وهي في ضعف المرض والوهن، حيث لا يخجل زوارها من تقبيل رأسها وعينهم على عدسة الكاميرا لأخذ صورة معها قد تكون الأخيرة وقد تحصد آلاف الليكات فيما بعد !!نفس البؤس نجده في عدد من الصفحات الاجتماعية، حيث يصر البعض على اقتحام غرف الانعاش والمستشفيات لأخذ صور مع أقربائهم وأصدقائهم وهم في أشد الحالات حرجا !! إن انتشار مثل هذه السلوكيات لا يعني بأنها صحيحة، يعني ذلك فقط أننا نعيش وهم الصورة وسطوتها، نعيش التناسخ في أسوء صوره، نعيش تقليد الآخرين في ظل عطالة غريبة للعقل وللأخلاق في بعدها الإنساني، عطالة التمييز بين الصحيح والغلط، والخير والشر، ولأن الشرح يطول في هذا الباب، أكتفي بترديد القول الشهير: "اللهم احمني من أصدقائي؛ أما أعدائي فأنا كفيل بهم"..