{ومن منطلق الأمانة المنوطة بنا كأمير للمؤمنين و الساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية ، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير ، والتزاما بما ورد في قوله تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج " فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة . وسنقوم ان شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام ، عندما ذبح كبشين وقال " هذا لنفسي وهذا عن أمتي "}.
هذه فقرة من الرسالة التي وجهها قبل ثلاثة أشهر ، الملك محمد السادس، بصفته أمير المؤمنين، إلى الشعب المغربي حول موضوع عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى .
الإهابة الملكية أملتها ظروف صعبة ، استحضرها الملك في رسالته التي نقتطف منها " إن حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف ، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية ، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية. ولهذه الغاية ، وأخذا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة ، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا ، لاسيما ذوي الدخل المحدود " .
كان لابد من الرجوع للرسالة الملكية، ونحن نتابع أجواء استعداد المغاربة للاحتفال بعيد الأضحى المبارك وفق طقوسه المعتادة التي لن يغيب عنها إلا شعيرة ذبح الأضحية للأسباب التي سبق ذكرها. لكن حسب ما تناقلته منصات التواصل الاجتماعي ، فإن البعض قد اختار الالتواء على موضوع تعليق الشعيرة ، فسارعوا إلى شراء الأكباش ونحرها ، وتكديسها في الثلاجات ، في انتظار يوم العيد الذي ستصعد فيه ألسنة الدخان نحو الأعلى .... استفزاز ما بعده استفزاز. إن التحايل على عدم القيام بالشعيرة من طرف البعض ، حتى ولو كان عددهم محسوب على رؤوس الأصابع ، لا تصنيف له غير أنه تصرف متهور ولا مسؤول ، يستهدف نسف التعبئة الوطنية من أجل حماية الثروة الوطنية ( قطيع الماشية ) ، بل لهذا الاستهتار مخاطر لا يدركها من يشوش على المشترك الذي يجمعنا فوق تراب هذا الوطن وتحت سمائه.
هل من مساحة أفردها دستور 2011 للتعاطي مع مثل هذه القضايا ، يمكن الاحتكام إليها لتأطير الطوارئ ، بما يحافظ على اللحمة الوطنية التي على صخرتها تتحطم كل التحديات ؟
نقرأ بالفصل 40 ، من الباب الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية ما يلي " على الجميع أن يتحمل ، بصفة تضامنية ، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها ، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد ، وكذا تلك الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد " . في أي خانة من خانات الكوارث والآفات يمكن تصنيف الجفاف الذي حل ضيفا مُكلفا على بلادنا ؟ وما هي آثاره الكارثية المباشرة على القطيع ببلادنا ؟ كارثة كانت ستكون عواقبها وخيمة على الاقتصاد الوطني، لو لم يتم تدارك الأمر بتعليق شعيرة ذبح الأضحية في عيد الأضحى . إن أضيق شكل من أشكال التضامن في هذه الظروف الصعبة، ليس غير الامتناع عن ممارسة الشعيرة المذكورة التي سيقوم بها نيابة عنا أمير المؤمنين.
أما الفصل 41 بالباب الثالث المخصص للملكية، فقد جاء فيه " ويعتبر المجلس ( المجلس العلمي الأعلى ) الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ و أحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة ". وينص نفس الفصل على أن أمير المؤمنين هو من يرأس هذا المجلس .
من هنا نخلص إلى أن كل من حاول الالتفاف على تعليق ممارسة شعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى المقبل ، فإنما يسبح بدون وعي خارج دائرة الافتاء الموكول القيام بها لوحده ، المجلس العلمي الأعلى ، الذي يرأسه الملك ، بصفته أمير المؤمنين .
أما بعد
من غير المستساغ أن يتراجع منسوب المواطنة عند فئة - ولو قليل عددها - من المواطنات والمواطنين في علاقتهم بعدم القيام بشعيرة ذبح الأضحية ، وذلك بالالتجاء إلى التحايل ( الذبح قبل حلول العيد ، التبضع المفرط للحوم ...) .
من غير المستساغ أن يتراجع منسوب المواطنة عند فئة - ولو قليل عددها - من المواطنات والمواطنين في علاقتهم بعدم القيام بشعيرة ذبح الأضحية ، وذلك بالالتجاء إلى التحايل ( الذبح قبل حلول العيد ، التبضع المفرط للحوم ...) .
لنتقيد جميعا ، وبوعي بالإهابة الملكية المُؤطَّرَة بما جاء به دستور المملكة نصا وروحا ، وليكن استعدادنا لإحياء عيد الأضحى " وفق طقوسه المعتادة ومعانيه الروحانية النبيلة وما يرتبط به من صلاة العيد في المصليات والمساجد وإنفاق الصدقات وصلة الرحم ، وكذا كل مظاهر التبريك والشكر لله على نعمه مع طلب الأجر والثواب ... " .( مقطع من الرسالة الملكية ).
عيد أضحى بدون شعيرة ذبح الأضحية ، مبارك سعيد . تقبل الله منا جميعا صالح الأعمال.
عيد أضحى بدون شعيرة ذبح الأضحية ، مبارك سعيد . تقبل الله منا جميعا صالح الأعمال.