السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

إدريس القري: من حواشي السينما إلى مركزها:هل يصلح للسينما من لا يعرف طريقا للفوتوغرافيا؟

إدريس القري: من حواشي السينما إلى مركزها:هل يصلح للسينما من لا يعرف طريقا للفوتوغرافيا؟

"صو إبداع … ونقد..."

الفوتوغرافيا، يا صديقي، في هذا المقام، مقام فن الجذّاب والمُدهش مُدثَّرةً منجزاتها بإبداعاتٍ، ومُزيَّنة بتمكُّنِ المُنتج لصورٍ ليست كالصُّور.. فالفوتوغرافيا الفنية بمضامينها المفتوحة على الإنسان وفضاء اليومي الذي يعيشه بتفاصيله، وبنسيج الفكري الذي يمارسه بعُمقه، وبهالته الوجدانية الضاربة في التواصل وفي الإحساس بنبض الحياة وبأنفاس الرُّبى وخرير جداول المياه الصافية العذبة في أوطانٍ المُختلف فيها دخيلٌ، والقويُّ فيها على بُؤسه أصيلٌ، هذه الفوتوغرافيا إنما هي حبلى بالأوطان، الأوطان قلبُ الوجود والمكانُ المطلق الشاسع جغرافياً، الضيِّقُ بمَكْرِ الرجال وقسوتهم، الأوطانُ مكانُ صِناعةِ مأساةِ الأغلبية وملهاة الأقليَّة إلى حين، مُفارقةٌ تصنعُ بهجةَ البعضِ وأحزانَ البعض الآخر في نفس الوقت ومنذ فجر التاريخ. فضاءات هذه الصورة التي تهدينا إياها الفوتوغرافيا الفنيَّةُ، فانوسٌ مُضيئة مساحاته، ومُعتَّمة أركانه، لوحاته ترْتسِم تدريجيا تقاسيمها كخيوطِ ضياءِ الفَجرِ من أنامِلَ لا تضغطُ الزِّر إلاَّ ولحْظةٌ استثنائيةٌ وحاسِمٌ بريقُها يُغْوي العَيْنِ الخبِيرة والمُلتزمة، ويُنْطِقُ السَّريرة الفائضَة معنىً ودلالةَ، يجعلها تلِدُ صيغةَ جمالٍ بصريٍّ تهوى اللون في تعدده وغناه، أو في ثنائيته ـ الأبيض والأسود ـ وتدرجاتها الساحرة.

نتحدث في هذا السياق عن الفوتوغرافيا التي تستعبد التقنية بإمكاناتها المُبْهِرة غير الغاوية، وهي إنما تُبعدها لِتَنْظِم قصيدةً بصريّةَ تُخرجُ المُشاهد بِرِفقٍ، من دهاليز استهلاكٍ نمطيٍّ يغتالُ الذّوق ويزرعُ الوجودَ الفرديَّ في أدغالِ القَطيع الأصم.

أقلتَ النقد يا صديقي؟ إنه المِعْوَلُ الذي يبني كما قد يهدِمُ من أجل إعادةٍ سليمةٍ للبناء، بناءُ الجميل والمفتوح على تملُّكِ التقنية لكن: من أجل تعبيريّةٍ أرفع وأسمى وأكثر التصاقا بالإنسان، وبما خلق الله من جمالٍ على الفن والعقل إعادة صياغتِهِ تجسيدًا لشُموخ الإنسان المُبدع "Homo demens".

إن النقد، والحالة هذه، ميزانٌ يفْترِشُ معاييرَ ومفاهيمَ وأحاسيسَ: تمنحُ الأولى والثانية للنقدِ صلابةً وقوةً باعتباره رأي كما تجعلانِه مُقنعا ومُفيداً، فاتحا بابَ الفهمِ لطبيعةِ العمل الفنّي، ودالةً المُبدِعَ على عوَالِمَ كانت في الغالب تَخْفى على وَعيه، أما الثانية فتجعله قادرا على الشعور العميق بأعمال المصوريين ـ الفنانين التي تستحق النقد و التعيير بميزان الإبداع الذهبي.

مقابل ذلك، وردّا على تساؤلك الصامِتِ يا صديقي، فإن النقد والفوتوغرافيا رفيقان على درب الإبداع، يتدثران بمنجزات كلاهما كإبداع على إبداع، يجمعهما التواطؤ في بناء ثقافةٍ بصريّةٍ لوطن لن يبني حداثته دون استيعاب لبصريٍّ له لغته وثقافته المُركَّبة من آلة وعين وأذن وكلمة ونغمة وأثر تشكيلي …