Monday 28 April 2025
جالية

الثقافة في صلب الاهتمام بمغاربة العالم

الثقافة في صلب الاهتمام بمغاربة العالم إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج

تمكنت مجلس الجالية المغربية بالخارج من خلال برنامجه الثقافي الغني والمتنوع بالدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب والذي احتضنته الرباط من 17 إلى 27 أبريل 2025، أن يعكس التزامه بجعل الثقافة في صلب رهانات الهجرة، من خلال المساهمة في تثمين ابداعات المنحدرين في فضاءات الهجرات اللذين طوروا ملكاتهم ضمن سياقات ثقافية ولغوية ومجتمعية متنوعة، وساهموا بذلك في اثراء الابداع المعاصر.

فبدعمه والاحتفاء بالكتاب، فإن مجلس الجالية المغربية بالخارج، لم يكتفى فقط بتسليط الضوء على الانتاجات الثقافية المتعلقة بالهجرات، لكن تؤكد أيضا على انعكاساتها الإيجابية على المشهد الثقافي العالمي. كما أن هذه المبادرة تندرج ضمن الإرادة التي طالما عبر عنها، والهادفة الي جعل الثقافة عنصرا أساسيا في مسلسل الاندماج والتبادل في عالم معولم، كما جاء في بلاغ المجلس بمناسبة اختتام هذه الدورة .

لقد عرفت هذه الدورة التي تم خلالها الاحتفاء بمغاربة العالم، احتضان رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج، بتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، لأزيد من 60 نشاطا، شارك فيه 170 مدعو من المغرب و16 بلدا من مغاربة العالم بدول الإقامة، حسب ذات المصدر. وفضلا عن لحظات تكريم عدد من الوجوه المرموقة في تاريخ الهجرة من قبيل عبدالله بونفور و للالة خيتي بنهاشم والمرحومين أحمد غزالي وإدمون عمران المليح، فإنه تم إيلاء أهمية خاصة خلال هذه السنة إلى الكاتب ادريس الشرايبي، والذي من المقرر الاحتفال بمرور 100 سنة على ميلاده.

ومن جهة أخرى، تضمن برنامج مجلس الجالية، معرضا متميزا ل14 مصورا فوتوغرافيا، وبرنامجا سينمائيا، تضمن عرض 10 أفلام من الأشرطة الأولى والرائدة التي كانت تيمتها تتمحور حول الهجرة المغربية، فضلا عن أمسية شعرية، قدم خلالها 11 شاعرا قصائدهم باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية و الإنجليزية والإسبانية والإيطالية. كما نظمت لقاءات فلسفية أربعة، و20 قراءة وحوارات حول روايات ومؤلفات صادرة حديثا ، مع التركيز في هذا المجال بصفة خاصة على الكتابة النسائية حول الهجرة، فضلا عن تنظيم مائدتين مستديرتين حول قضايا البحث العلمي والأكاديمي حول الهجرة المغربية و حركيتها، وكذا عدد من اللقاءات والنقاشات.

  • على ذلك، تم وضع رهن إشارة وزار المعرض مكتبة كبرى، تتضمن مؤلفات ومراجع حول الهجرة، تحتوى على أزيد من 600 كتابا، تترجم غنى وتنوع الأصوات المغربية، المنتشرة عبر مختلف ربوع العالم، وتعكس الأوجه العديدة للهجرات. كما تم تقديم وقراءة 20 من الإصدارات الجديدة المنجزة بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، وبشراكة مع دور نشر مغربية. و بالموازاة مع ذلك، أطلقت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بالمناسبة، برنامجا طموحا يهدف إلى ترجمة إنتاجات أدبية لمغاربة العالم، الى اللغة العربية.

ومن جهة أخرى تميز اليوم الأخير من البرنامج الثقافي للمجلس، بتنظيم لقاء تقديم الجزء الأول من مؤلف الصحافي والكاتب والسياسي حميد برادة، عميد الصحافيين المغاربة، الموسوم ب" أنطولوجيا الحوارات الصحافية.. 1977 – 2012 )، وذلك مساء الأحد 27 أبريل 2025، بحضور فعاليات من عالم الفكر والإعلام والسياسة والثقافة.

وتتضمن انطولوجيا حميد برادة الواقعة في 744 صفحة، حوارات استضاف فيها المؤلف، ما بين سنوات 1970 و 2000، نخبة من كبار الشخصيات من سياسيين ومفكرين ومثقفين منهم الراحل الحسن الثاني والرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور، وعبد الرحيم بوعبيد وميشيل جوبير وعبد الله العروي ومحمد بنسعيد آيت يدر وجان لا كوتير وأحمد رضى كديرة وأحمد بن بلا وأويبر فيدرين وبوعلام صنصال وامحمد بوسته ورشيد الغنوشي والفقيه البصري.

هذا الكتاب هو أكثر من حوارات مختارة، أجراها الصحافي والمثقف حميد برادة، وإنما مساهمة جادة سلط فيها صاحبها الضوء عن التاريخ السياسي العربي (خاصة في علاقته بفرنسا ) موثقا لذاكرة يقظة من تاريخ المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية، ومسارات الأنظمة المنبثقة عن مراحل الاستقلال. وكمختص نموذجي مجتهد في الاستقصاء الصحافي، تمكن حميد برادة، أن يحظى بثقة محاوريه، وينسج علاقات صداقة، مساهما بذلك في ترميم الذاكرة، كما جاء في تقديم الكتاب من طرف نجل المؤلف عمر برادة.

حوار بناء، ينقل المؤلف الى المتابعين من قراء ومتابعيه، أصوات، ممن كانوا خلال الفترة التي ترصدها أنطولوجيا، فاعلين من مناضلين وكتاب، وسياسيين ولاجئين، ومن المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام ومنهم صاحب الكتاب محمد برادة الذي ازداد سنة 1939 بطنجة من أسرة وطنية، جرى نفيها من فاس . الانطولوجيا ليست شهادة فقط، ولكن كذلك تكريما لكل أولئك الذين حاورهم، وهو ما يبرز بأن جنس الحوار في الصحافة هو بمثابة فن قائم الذات.

ويتوقف حميد برادة الذي يعد أول وآخر صحافي يجري حوارا مع في لقاء تقديم الكتاب، عند العديد من الاحداث التي شهدها المغرب الحديث، بعد الحصول على الاستقلال والصراعات ومنها المصادفة التي جعلته يعبر عن موقفه الرافض لحرب الرمال سنة 1963 ما بين الجزائر والمغرب في نفس اللحظة التي كان الراحل المهدي بن بركة يعبر عن نفس الموقف من قلب القاهرة دون سابق تنسيق بينهما و هو ما سيكلفهما حكما غيابيا بالإعدام.

كما تحدث عن بعض تفاصيل وظروف حواره الصحفي مع الملك الراحل الحسن الثاني و ما جرى من نقاش على هامشه خاصة وضعية المعتقلين السياسيين منهم ابراهام السرفاتي . كما تحدث برادة عن ظروف اضطراره إلى العمل السري خلال الفترة التي أعقبت انتخابه رئيسا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي كان قد تبني في مؤتمره موقفا معارضا لتوجهات الدولة. كما سلط جوانب من ظروف اتهام هذا الاتحاد الطلابي ب" التآمر ضد النظام. كما تطرق الى تداعيات اضطراره إلى الفرار من المغرب و اللجوء إلى الجزائر .

فالصحافي والكاتب حميد برادة يظل علامة فارقة في التاريخ المغربي الحديث، و أن الأجيال الجديدة من الباحثين والصحفيين مطالبة بأن ينهلوا من عطاءاته، إذ قلما نجد شخصا مثله متمكن في المعرفة العميقة بنخب ومجتمعات وعقليات الفرنسيين والجزائريين والمغاربة، كما قال محمد الطوزي الأستاذ الباحث في العلوم السياسية وعلم الاجتماع في مستهل ادارته للقاء مشيدا كذلك بما يتميز به من مهنية عالية وتقيده بتدقيق المعطيات قبل نشرها، وتضمينها في هذا الجزء الأول من الانطولوجيا الصادرة باللغة الفرنسية عن دار النشر "كولت"، بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج.