1- التعليم: الأهمية والمكانة
يمكن اعتبار التعليم بمثابة قلب الإنسان .وإذا كان هذا القلب سليما ،فيؤثر إيجابيا على باقي أعضاء الجسد ،أما إذا كان هذا المحرك عليلا ،فباقي أعضاء الجسم تصاب بالمرض. وتبعا لذلك اعتبر التعليم من الأولويات الوطنية اعتبارا لأهمية ومكانة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة . ونظرا للأدوار المنوطة بها ، كأهم مؤسسة للتنشئة الاجتماعية في تكوين مواطنات ومواطني الغد، و في صناعة الانسان ككل ، وبالتالي تحقيق المشروع المجتمعي للمغرب . من هذا المنطلق تم التنصيص على ضمان الحق في التربية للجميع(ديباجة القانون - الإطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي) ، و هو ما كان قد التفت إليه الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة (أكتوبر2010)،موجها الكلام بذلك إلى البرلمانيين:"... فإن عضوية البرلمان ليست امتيازا شخصيا، بقدر ما هي أمانة، تقتضي الانكباب الجاد، بكل مسؤولية والتزام، على إيجاد حلول واقعية، للقضايا الملحة للشعب، إنها بالأسبقية قضايا التعليم النافع، والسكن اللائق، والتغطية الصحية، والبيئة السليمة، وتحفيز الاستثمار، المدر لفرص الشغل، والتنمية البشرية والمستدامة ".
وبالنظر لهاته الأهمية والأدوار المنوطة بالتعليم، ومن أجل مسايرة مجريات الحياة ، فيكون موضوع إصلاحات متواثرة مواكبة لتدابير السياسات العمومية والقطاعية أو استدراك تجزيئتها .و جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز 2015 ،ما يلي" ...في سياق الإصلاحات التي دأبنا على القيام بها من أجل خدمة المواطن، يظل إصلاح التعليم عماد تحقيق التنمية، ومفتاح الانفتاح والارتقاء الاجتماعي، وضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر، ومن نزوعات التطرف والانغلاق".
فهاته الرسالة النبيلة للتعليم بشكل عام، تطوق التعليم العالي بالخصوص ، الذي يتربع في قمة هــرم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ،كأحـد أعمدة تنمية البـلد، لأنه يحمـل مشـروع تكويـن الشـباب وإنتـاج المعرفة الأكاديمية، كـمـا أنــه مطالــب بالإجابة عــن الأسئلة التــي تطرحها الرهانـات المجتمعية والتحديـات في ســياق عولمة التربية والتكويــن والبحـث ( تقديم التقرير القطاعي للهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: التعليم العالي بالمغرب فعاليــة ونجاعــة وتحديات النظـام الجامعـي ذي الولـوج المفتـوح 2018 ).
وبالرغم من هذا الرهان المجتمعي، فإن سؤال المنظومة التعليمية هي على المحك في مغرب الراهن، ليس فقط على مستوى كم الخريجين ولا نوع الدبلوم ولا تكلفة الانفاق الاجتماعي في هذا الصدد، بل على مستوى السلوك والقيم : الاعتداءات والتعنيف التي يتعرض لها المدرسون من طرف المتمدرسين ، والذي ينضاف إلى التنكيث على رجل التعليم حد التبئيس، بينما في السابق، كان هذا الأخير يحظى بالتقدير والوقار في الحي والمدشر والقبيلة . كما فشلت الجامعة في غرس القيم النبيلة لدى الطلبة ، حيث انزلق بعض خريجيها لسلوكات منحرفة في ظل طغيان تكميم القيم.
ولهذا،فالحاجة ماسة لاعتماد نموذج بيداغوجي ،وبالتالي الانخراط في بناء عقد اجتماعي جديد (حسب صيغة الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الخامسة لعيد العرش في 30 يوليوز 2004) مبني على أساس التماسك الاجتماعي وبالمسؤوليات تجاه الذات والأسرة والمجتمع والتحلي بفضيلة الاجتهاد المثمر وروح المبادرة، والوعي بالالتزامات الوطنية، أي ما اختزله القانون - الإطار رقم 51.17 في السلوك المدني(المادة الثانية ) .
ولو كانت هناك فضيلة لاستحضار الضمير المهني لدى القيمين على المادة التعليمية وتظافر الجهود بالنسبة لكل المعنيين بها، لظل الاعتبار قائما للمرفق التعليمي العمومي، ولتم تجنب العديد من السلوكات المنحرفة والممارسات غير السليمة( العنف، التشرميل، الهدر المدرسي والجامعي، البطالة، الغش...) . وكم هو الضغط الممارس على الأجهزة الأمنية جراء التدخل في مشاكل المؤسسات التعليمية.
2- تعدد المتدخلين في قطاع التعليم
بصرف النظر عن اهتمام وتدخل المؤسسة الملكية ، موضوعا وأشخاصا(تعيين الوزراء) وتدخل هؤلاء والحكومة ككل في القطاع. فيمكن الإشارة إلى مقتضيات اﻟﻔﺼﻞ الواحد والثلاثين من الدستور التي عددت المتدخلين في القطاع، والتي نصت على عمل اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ اﻟﺘﺮاﺑﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺒﺌﺔ ﻛﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ، ﻟﺘﻴﺴﻴﺮ أﺳﺒﺎﺏ اﺳﺘﻔﺎدﺓ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺎﺕ واﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ، ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ اﻟﻤﺴﺎواﺓ، ﻣﻦ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﻋﺼﺮﻱ ﻣﻴﺴﺮ اﻟﻮﻟﻮﺝ وذﻱ ﺟﻮدﺓ، و في اﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﺎﻟﻬﻮﻳﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ، واﻟﺜﻮاﺑﺖ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﺮاﺳﺨﺔ وكذا اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻟﻤﻬﻨﻲ واﻻﺳﺘﻔﺎدﺓ ﻣﻦ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ... وعلى ذكر الدستور، فقد ربطت مقتضيات الفصل الثالث والثلاثين منه بين التعليم والتنشئة ككل والشباب، ذلك أنه :"على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ": توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛ تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات".
- قد تكون المسألة التعليمية، موضوع تدخل البرلمان على مستوى مراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية ، لكنه يظل هو الجهاز المؤهل بالتشريع في تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني(الفصل 71 من الدستور).
- المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: وهو هيئة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التعليم والتكوين والبحث العلمي ، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وتسييرها، كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال(الفصل 168 من الدستور).
-الجماعات الترابية: نصت المادة 79 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم على ممارسة هاته الأخيرة لاختصاصات ذاتية داخل نفوذها الترابي في ميادين النقل المدرسي في المجال القروي و تشخيص الحاجيات في مجال التعليم ...
كما اعتبر التعليم من الاختصاصات المنقولة من الدولة إلى الجهة(المادة 94 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات) . كما أن صيانة مدارس التعليم الأساسي من الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعات (المادة 87 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات) . وينتمي منتخبو الجماعات الترابية إلى الأجهزة الجامعية وغيرها من المؤسسات التعليمية ، فمثلا يضم مجلس الجامعة ضمن صفوفه رؤساء المجالس الجهوية والإقليمية والجماعية (المادة 9 من القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي)، ويوجد ضمن مجالس تدبير المؤسسات التعليمية (المدرسة الابتدائية، الثانوية الإعدادية )ممثلين عن الجماعة التي توجد المؤسسة المعنية داخل نفوذها الترابي (المادة 19 من مرسوم 2.02.376 الصادر في 17 يوليوز 2002 بمثابة النظام الأساسي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي، كما وقع تعديله).
الملاحظ هنا أن تدخل الجماعات الترابية ،بمستوياتها الثلاث، في التعليم ،متراوحة بين اعتبار النقل المدرسي في المجال القروي اختصاصا ذاتيا لمجالس العمالات والأقاليم، لكن القيام بتشخيص الحاجيات في مجال التعليم مسألة "مقزمة" مادام التشخيص كمنهجية تسطر البرامج التنموية للجماعات الترابية الثلاث، كما أن وسائل الاعلام التقليدية والحديثة وجمعيات المجتمع المدنى كفيلة للقيام بهذا التشخيص. هذا من جهة ومن جهة ثانية ، فإن تدخل الجهات والجماعات لن تتجاوز القيام ببعض التجهيزات، وعبر آلية التعاقد ( حائط ،صباغة، مرحاض...) ، وهو ما يمكن أن يؤمنه بعض الأعيان أو جمعيات الآباء مثلا. هذا من جهة ، ومن جهة ثالثة ، يسجل غياب ممثلي المجالس المنتخبة عن اجتماعات المجالس المذكورة. وإذا كان هناك من تعاون بين المؤسسات التعليمية والمجالس المنتخبة فينطبع بالعلاقات الشخصية أكثر مما هو مؤسساتي.
- جمعية أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ: إن تحقيق أهداف إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتجديدها المستمر هي مسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة وهيئات المجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وغيرهم من الفاعلين في مجالات الثقافة والإعلام والاتصال..." ( المادة 6 من القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي). و تشارك جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ في وضع مشروع المؤسسة وتفعيله، وتقديم الدعم التربوي والاجتماعي اللازمين للقضاء على كل أشكال الانقطاع والهدر المدرسيين( مثلا اقتناء ملابس الرياضة أو الأدوات لأبناء المعوزين،أو شراء النظارات لقصور البصر ...) والإسهام في مجهودات اليقظة والمواكبة والتتبع المستمر. كما تساهم في عملية التوعية والتحسيس، وفي الحياة المدرسية (المادة 5 من مرسوم رقم 2.20.475 بتاريخ 20 يوليوز 2021 المتعلق بتحديد قواعد اشتغال وأدوار ومهام جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ في علاقتها مع مؤسسات التربية والتكوين) . و لكن هل كل المؤسسات تتوفر على هاته الجمعيات، وهل هي فاعلة، كما أن وضعية المؤسسات التعليمية على مستوى التجهيزات، تبقى ناقصة وليست في المستوى المطلوب، وخاصة في الوسط القروي، بل ومتفاوتة ،أما المؤسسات الجامعية ،فاحتياطاتها العقارية ،إن كانت في ملكيتها (كلية الحقوق بمكناس توجد فوق تراب ليس في ملكيتة الجامعة)فتظل غير كافية من أجل إضافة أو توسعة تجهيزاتها. وكم من مؤسسة جامعية تتوفر على موارد بشرية وطلبة، لكنها تشتغل في بنايات مؤسسات أخرى:
تدابير متسرعة تفتقر إلى الحكامة ،بواسطة الفاعل العمومي في القطاع ليفسح المجال للقطاع الخاص. وهذا موضوع آخر.
