كم هو غريب هذا الخبر أعلاه، وكم هو أغرب، أمر هؤلاء الرعاع الذين يُصرّون ليلَ نهارَ على تَقَمُّص أدوار الأذكياء، وانتحال صفة العباقرة، ومع مَن؟ مع مغاربة ترسخت جذور ذكائهم وعبقريتهم على مر التاريخ!!
فما الذي يجعل هذا الخبر غريباً إلى هذه الدرجة؟.. وما الذي يجعله مستحيلاً من أساسه الأول ومنبعه الحقيقي، اللذان لا يخرجان عن دائرة مُعربِدي الموراديا، ومخابرات عبلة، الذين طفح الكيل بغبائهم مُنقطعِ النظير؟!
بدايةً... فالذي أطلق هذا الخبر وأراد له ان يبدوَ مدوِّياً كالقنبلة، إنما هو وزير فضائي، في حكومة فضائية، لجمهورية فضائية تقتات على ما يُلقى إليها من فتات "الغازودولار" الجزائري، ومن المنح والهبات الأجنبية الموجَّهِ سَوادُها الأعظمُ إلى جيوب لصوص تلك الميليشيا وأبنائهم وأسرهم في مختلِفِ بلدان الشتات والمهجر!!
معنى هذا أن صاحب الخبر، هو من المرتزقة الذين لا علاقة لهم بالمغرب من قريب أو بعيد، وإنما هو وقَبيله عبارة عن خِرَق "ممزقةٍ كلَّ ممزَّق"، وبمختلِف ألوان رايات بلدان الجوار، وقبائلها الفقيرة والمعوزة، من موريتانيا، والطوارق، والأزواد، ومن النيجر، ومالي، والتشاد، ومن بعض الفارين من العدالة في بوركينا فاسو، والسينغال، وليبيا... وربما أيضا من المغرب وتونس والجزائر، وربما كذلك من بقايا متشرّدي جمهورية مصر الناصرية، ودراويش كوبا وفنزويلا وبوليفيا... فسيفساء من بقايا وشظايا الحرب الباردة!!
هؤلاء إذَن، لا يستقيم للمغرب ان يناقشهم أو يفاوضهم حول أي موضوع مهما كان تافهاً، فبالأحرى أن يجلس معهم على مستوى الندية لمناقشة مشروعه للحكم الذاتي، الذي أنتجته العبقرية المغربية خصّيصا لأبناء الصحراء المغربية الأقحاح، وأغلبهم موجودون داخل التراب الوطني، ينعمون بالحرية والكرامة وبالتسيير الذاتي لشؤونهم تحت العلم المغربي، وأقليتُهم القليلة ترزأ تحت نير الرهن، والإقامة الإجبارية، في مخيمات الذل والمهانة بفيافي منطقة تيندوف المحتلة، وما جاورها، مما سرقته فرنسا عنوةً وضمّته إلى الجارة الشمطاء، يوم كانت مجرد حديقة خلفية للقصر الجمهوري الفرنسي!!
نعم يا حضرات... المغرب لا يفاوض المرتزقة ومجرمي "الإرهاب المُعَتَّق"، ذي الرائحة الكريهة التي عمّر تَعَفُّنُها لأكثر من خمسين سنة... ويا له من تَعَفُّن لا يوجد له مثيل!!
هل يمكن لأحد عاقل أن يتصور، مجرد تصوّر افتراضي، أن يجلس ملك يقتعد عرشاُ تمتد جذوره في عمق التاريخ العربي، والإسلامي، والإفريقي، لأكثر من ثلاثةَ عشر قرناً، مع متشرّد مغربيٍّ هارب من منطقة الرحامنة، منبوذ أصلاً وفصلاً، يعمل كبهلوان و"مسخّراتي" عند هُبّال الموراديا منذ ثلاثة أو أربعة عقود، لمجرد أن وزيرا غبيا، من وزراء شرذمته الكارتونية، أطلق خبراً يقول فيه: إن البوليساريو تعتبر مشروع الحكم الذاتي المغربي "أحد الخيارات" التي يمكن تدارسها لحل مشكل الصحراء... قال ليك "أحد الخيارات" (!!!) وكأنّ الساحة ملئى بخيارات أخرى يمكن الأخذ بها، وهم الذين ظلوا طوال نصف قرن يرددون وِرْدَهم الوحيد: "استفتاء تقرير المصير"، "استفتاء تقرير المصير"... وهم يعلمون أكثر من أغيارهم أن ذلك الحلم ذاته هم الذين أجهضوه، وقوّضوا أركانه بالتزامهم الحرفي بتعليمات عجزة الموراديا، التي يعلم جميع أهل الأرض أنها كانت ومازالت تسعى لتأبيد هذا النزاع المفتعَل، والمفبرَك بكل جُزئياته وتفاصيله المملة، لأنها تتخذ منه مَلاذاً ضد ثوران الشارع الجزائري، الذي، مهما قيل عن خموله ودونيته، فإنه يظل يتربص الدوائر بكابراناته بمجرد تخليهم عن لقيطتهم البوليساريو، لأن السؤال الذي سينفجر آنئذ هو: "ما الذي جعلكم تنفقون مقدراتنا على ميليشيا ميؤوس منذ أوّل وهلةٍ من نجاحها في أي شيء ماعدا في نهب أموالنا والتضييق على حريتنا والنيل من كرامتنا"؟!!
وساعتئذ، سيجد عجزة الموراديا أنفسهم أمام حراك جديد أو متجدد ربما سيكون أدهى وأخطر وأكثر تدميرا من كل الحراكات السابقة!!
الحال أن هذا الأمر لا يهمنا بأيّ شكل من الأشكال، وإنما الذي يَعنينا هو أن يضع هؤلاء المخبولون في حسبانهم أنهم لن يدخلوا التراب المغربي بأي صفة من الصفات، ولا حتى كسياح أجانب، أو كطالبي فُرجة ومُتعة، وأن الصحراويين الذين يمكن أن ينخرطوا في فعاليات مناقشة صِيَغ الحكم الذاتي الممكنة والمحتملة، إنما هم أبناء المغرب، المغرَّرُ ببعضهم خارج الوعي والإرادة، والمَركون بعضُهم الآخر "كالودائع المنسية" بين شعاب صحرائنا الشرقية المحتلة، التي سيأتي أوان استرجاعها هي الأخرى لا محالة!!
ذات يوم، وذات خطاب من خطب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، قال هذا العاهل العبقري كلاماً يستحيل أن يكون قد أطلقه هكذا على عواهنه... قال: "إننا نحن العلويين نستطيع أن نَدُكَّ جبلاً بمجرّد إبرة"، ملمحاً بذلك إلى الإصرار والصبر والمصابرة!!
ذاك ما ورثه ابنه ووارث سره جلالة الملك محمد السادس، وهو الآن يوشك أن يؤتي أُكُلَه، بذات الإصرار، وبذات الصبر والمصابرة... ولن يتصور عاقل أن المغاربة بعد كل جهاد السنين، وصبر السنين، سيجلسون على طاولة المفاوضات، حول قضيتهم الأولى والمصيرية، مع شرذمة من سِقْطِ متاع الفقر والتشرد والشتات، التي تُشَكِّلها جبهة البوليساريو المارقة!!
نهايتُه... أعتقد أن ذلك الخبر، وما سيتبعه من الشطحات الفارغة من أي محتوى أو جدوى، ليست في حقيقة أمرها سوى ألعوبة غبية من ألاعيب كابرانات الذل والمهانة، الذين حاولوا بكل ما وَسِعَتْهُم الحيلة والمكر والخديعة والضغينة أن ينالوا بلا أدنى جدوى من مشروعية قضيتنا الأولى، ومن إصرارنا على المضي بها قًدُماً إلى بوديوم البطولة، والسبق والتألق والغَلَبة، وسيكتشفون ساعتئذ أننا فعلا استطعنا أن ندكّ ونهدم جبال أحلامهم بمجرد إبرة صنعناها بصبرنا وإصرارنا وقدرتنا على استمالة القلوب والعقول الخَيِّرة لتصنع معنا نشوة الانتصار، القريب جِدّاً والوشيك... والأيام بيننا يا جيران السوء!!!
محمد عزيز الوكيلي/إطار تربوي