الأربعاء 16 إبريل 2025
مجتمع

مساهمة الرقمنة في علم التشريح المرضي من أجل د تدبير محكم للجراحة السرطانية

مساهمة الرقمنة في علم التشريح المرضي من أجل د تدبير محكم للجراحة السرطانية البروفسور عمر الحاج المالكي يتوسط الدكتور أنور الشرقاوي يمينا والدكتور هشام العطار
بقلم: الدكتور أنور الشرقاوي، بمساهمة البروفيسور المالكي الحاج عمر اختصاصي في الجراحة الهضمية والباطنية، والدكتور هشام العطار ، طبيب مختص في التشريح المرضي

تستضيف مدينة مراكش، من 18 إلى 20 أبريل 2025، المؤتمر الإفريقي الأول للتشريح المرضي المعزز بالذكاء الاصطناعي وهي تظاهرة علمية تعكس أهمية هذا التخصص في التشخيص والعلاج، وخاصة في مجال الأورام في عصر الرقمنة.
فكل تدخل جراحي مرهون بنتائج فحص عينات الأنسجة الذي يقوم به اختصاصي التشريح المرضي.
وفي هذا السياق، يسلّط الأستاذ البروفيسور المالكي الحاج عمر، الجراح في الحهاز الهضمي ، الضوء على الإسهام المحوري للرقمنة في تطوير علم التشريح المرضي.


الرقمنة في علم التشريح المرضي: ثورة تكنولوجية في قلب التشخيص والعلاج

بداية، لا بد من التذكير بأن علم التشريح المرضي هو أحد فروع الطب الذي يختص بدراسة التغيرات النسيجية والخلوية في الأنسجة الحيوية، بهدف تشخيص الأمراض، وعلى رأسها السرطانات.

ويستند هذا الفحص إلى أخذ عينات عن طريق الخزعات أو الاستئصال الجراحي.

اليوم، أضحت الرقمنة-من خلال إدماج الذكاء الاصطناعي، والتصوير الرقمي، وقواعد البيانات المتطورة—عنصرًا محوريًا في هذا التخصص، حيث أصبحت أداة فعالة تسهّل عمل الأطباء، وتفتح آفاقًا غير مسبوقة.

1 . نحو تشخيص أكثر دقة

كان الاعتماد سابقًا على الرؤية المجهرية التقليدية للشرائح، وهو ما يترك هامشًا للخطأ أو لاختلاف التقديرات بين الأطباء.

أما اليوم، فبفضل الماسحات الرقمية عالية الدقة، أصبحت الشرائح تُحول إلى صور رقمية فائقة الجودة، يمكن تكبيرها بشكل غير محدود دون فقدان التفاصيل.

كما تتيح خوارزميات الذكاء الاصطناعي كشف علامات دقيقة مثل الغزو المجهري للأوعية الدموية، أو تحديد هوامش الورم، أو التعرف على المؤشرات البيولوجية المهمة (مثل MSI أو dMMR).

ففي حالات سرطان القولون والمستقيم مثلاً، مكّنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من كشف 10٪ من الحالات الإضافية التي تعاني من عدم استقرار الصبغيات الدقيقة، وهو عنصر حاسم في اختيار العلاج المناعي.

2 . سرعة في الأداء، وجسور نحو الخبرة عن بعد

الرقمنة تختصر الزمن.
فقراءة عدة شرائح رقمية أصبح أسرع، مع إمكانية مشاركتها ومقارنتها فورًا عبر منصات إلكترونية وقواعد بيانات.

هنا يبرز الطب الاتصالي أو “التشريح المرضي عن بُعد”، الذي يسمح بربط الطبيب المختص بمركز مرجعي بزميل له في منطقة نائية، من أجل قراءة ثانية أو رأي موازٍ، أثناء العملية الجراحية أو في فترات حرجة.

هذا التقدم يحد من التأخيرات في التشخيص ويقلص الفوارق بين الجهات.
كما تسمح الشرائح الرقمية بتوثيق الحالات ضمن السجلات الرقمية، مرفقة بالصور والتقارير والبيانات الجينومية.

3 . آفاق واعدة في البحث العلمي

دمج البيانات التشريحية المرضية مع قواعد بيانات جينومية أو شعاعية، يفتح الباب أمام طب شخصي موجه.

فالذكاء الاصطناعي قادر على الربط بين أنماط نسيجية (كالبنية الغدية في سرطان المعدة) والتوقعات حول احتمالات الانتشار النقيلي.

وفي الأورام العصبية الصماء، يساهم التحليل الخوارزمي لمؤشرات مثل Ki-67 أو السوماتوستاتين في توجيه القرار بين الجراحة أو العلاج الموجه.

أما في مجال الأبحاث السريرية، فالتكنولوجيا تسرّع من عمليات الانتقاء الذكي للمرضى المناسبين للدراسات العلاجية (مثلاً تحديد المرضى المصابين بسرطان المريء الإيجابي لـ PD-L1 والمرشحين للعلاج المناعي).

4 . التعليم والتكوين الطبي

الصور الرقمية أصبحت مرجعًا تعليميًا لا يقدّر بثمن.
فالمراكز الجامعية باتت تشارك شرائح نادرة مثل أورام البنكرياس العصبية الصماء، مما يغني الأبحاث متعددة المراكز.

كما توفّر الرقمنة محاكيات تشخيصية تُمكن الأطباء المقيمين من التدريب على حالات افتراضية مشروحة مسبقًا، مع تقييم أوتوماتيكي لأجوبتهم، مثل القدرة على التعرف على سرطان الغدة الدرقية النخاعي.

وأيضًا، تعمل الخوارزميات على توحيد التصنيفات الدولية مثل WHO وTNM، مما يقلص الفوارق بين آراء المختصين.

خاتمة
إن التحالف بين الرقمنة والتشريح المرضي يشكل خطوة ثورية في ميدان معالجة السرطان، لما يوفره من دقة وسرعة وتعاون دولي. ومع ذلك، فإنه يطرح تحديات تقنية (كالكلفة والتكامل بين الأنظمة) وأخلاقية (حماية المعطيات، والتحيز الخوارزمي، ومسؤولية القرار).

كلها تحديات قابلة للحل من خلال تقنين صارم وتكوين مستمر.

المستقبل واعد: الرقمنة ستواصل تعزيز قدراتنا في مواجهة السرطان، مع الإبقاء على المريض في صلب الابتكار.
فالطبيب المتخصص في التشريح المرضي يظل قائد الأوركسترا، فيما الذكاء الاصطناعي ليس سوى آلة موسيقية ضمن التشكيلة.

أما الدكتور هشام العطار، الطبيب المختص في التشريح المرضي ورئيس المؤتمر الإفريقي الأول للتشريح المرضي الرقمي، فيؤكد أن الذكاء الاصطناعي المدمج في المجهر الطبي هو ثورة طبية وتكنولوجية تمثل منعطفًا تاريخيًا في علاج السرطان.