الثلاثاء 15 إبريل 2025
كتاب الرأي

جلال كندالي: بايتاس والأمن السيبراني .. بين التبرير السياسي والتقصير المؤسساتي

جلال كندالي: بايتاس والأمن السيبراني .. بين التبرير السياسي والتقصير المؤسساتي جلال كندالي
في خرجته الإعلامية الأخيرة، اختار مصطفى بايتاس، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، أن يربط بين الهجمات السيبرانية التي استهدفت مؤسسات عمومية مغربية وقرار الولايات المتحدة، في عهد إدارة ترامب، بالاعتراف بمغربية الصحراء. تصريح من هذا القبيل يفتح الباب لتساؤلات مقلقة حول مدى جدية الحكومة في التعاطي مع التهديدات السيبرانية، وكذلك وحول أولوياتها الأمنية والسياسية.

فحين يصبح الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء مبررا ضمنيا للاختراقات الإلكترونية، فهذا يعني، بمنطق التصريح، أن هذه الهجمات لم تكن لتقع لولا الموقف الأمريكي،وكأن لسان حال الحكومة يقول للمغاربة، عليكم أن تختاروا بين حماية مؤسساتكم الرقمية، وبين تعزيز السيادة الوطنية بدعم دولي. 

هذا الطرح غير المقبول لا منطقا ولا سياسيا، لا يرقى إلى مستوى تطلعات المغاربة، ولا يليق بمسؤول حكومي يفترض أن يطمئن الرأي العام لا أن يزرع فيه الشك والخوف.

تصريحات بايتاس تسير في اتجاه تبريري يحمل الخارج مسؤولية فشل الداخل،متناسبا  أن التحديات الرقمية لا تعالج بالخطابات السياسية، بل بتمتين البنية التحتية، وتكوين الموارد البشرية، ووضع استراتيجيات استباقية للحماية المعلوماتية.

 أما تعليق هذا الفشل على شماعة النجاحات الدبلوماسية، فهو هروب إلى الأمام، وتبرير يعكس عجزا مزمنا في بناء منظومة أمنية رقمية فعالة.

وإذا أخذنا كلام بايتاس على محمل الجد، فإن المغرب، وهو اليوم في نقاش دقيق مع مسؤولين بريطانيين حول إمكانية أن تحذو لندن حذو واشنطن وتعترف هي الأخرى بمغربية الصحراء، عليه أن يستعد لدفعة أخرى من الهجمات السيبرانية المتزامنة مع أي موقف سياسي داعم لقضيتنا الوطنية،فهل هذه هي الكلفة الجديدة للاعتراف؟ وهل نخبر مؤسساتنا بأن عليها أن تضع "برامج مضادة للقرصنة الدبلوماسية" كلما تجدد دعم دولة ما لموقف المغرب؟

لسان حال الحكومة، كما عبر عنه بايتاس، لا يطمئن، بل يربك،فبدل أن تواجه الحكومة الاختراقات بصرامة، وتصارح الرأي العام بمدى جاهزيتها، نراها تتوسل المظلومية وتسوق لفكرة مفادها أن كل ضربة إلكترونية ما هي إلا ضريبة لنجاحات المغرب الخارجية، وهذه مغالطة خطيرة تسائل ليس فقط أداء الحكومة، بل صدقيتها.

يبدو  أن الحكومة  من خلال ما عبر  عنه لسانها بايتاس، تتعامل  مع الأمن السيبراني، على أنه  تفصيل هامشي في منظومة الدفاع الوطني،وعليه أن يؤمن بأنه لايمكن التقليل من أهمية الأمن السيبراني في ظل تزايد التهديدات الرقمية التي تستهدف المؤسسات الحيوية.

وعوض اللجوء إلى التبريرات السياسية، تحتاج الحكومة إلى التعامل مع هذا الملف بجدية أكبر، من خلال تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتطوير استراتيجيات استباقية، والرفع من مستوى الحماية المعلوماتية. 

على بايتاس ومعه الحكومة أن يعرف أن الأمن السيبراني،هو ضرورة ملحة لضمان استقرار المؤسسات وتأمين المعطيات الوطنية في عصر تتحكم فيه التكنولوجيا في مفاصل الاقتصاد والسياسة والأمن.

 لكن أن يتم الاستمرار في  تجاهل هذا التحدي أو ربطه باعتبارات سياسية لن يؤدي إلا إلى تفاقم المخاطر، مما يستوجب مراجعة عميقة للنهج المتبع قبل أن تصبح المؤسسات الرقمية في المغرب عرضة لهجمات أكثر تعقيدا وخطورة.

ولا نعلم - لا قدر الله - حينها  أي تبرير سيقدمه بايتاس لو حدث ذلك،هل ستلجأ الحكومة إلى استخدام ورقة المهمة الاستطلاعية باسم أحزاب الأغلبية، إذا ما تجرأت المعارضة وطالبت بتشكيل لجنة تقصي حقائق في هذا الملف، كما حدث سابقا في قضية الفراقشية،حيث سارعت الحكومة إلى حشد أحزابها لتغطية تورط زبنائها، بينما كانت في الحقيقة تغطي على نفسها.