الثلاثاء 15 إبريل 2025
رياضة

عبد الرحيم بورقية : الديربي البيضاوي إرث رياضي لا يجب دفنه بصمت الملاعب

عبد الرحيم بورقية : الديربي البيضاوي إرث رياضي لا يجب دفنه بصمت الملاعب عبد الرحيم بورقية 
في سابقة لافتة شهدتها كرة القدم المغربية، مر ديربي الدار البيضاء بين الغريمين الرجاء والوداد يوم السبت 12 أبريل 2025، في أجواء غير معتادة، حيث غابت الحناجر الصادحة وبدت المدرجات شبه فارغة، بفعل قرار مقاطعة جماعية من فصائل مشجعي الفريقين. هذه المقاطعة لم تكن مجرّد عزوف جماهيري، بل رسالة احتجاجية مشفّرة، تعبّر عن احتقان متراكم وسخط جماهيري واسع إزاء واقع اللعبة الأكثر شعبية في البلد والعالم.
 
في هذا السياق، ولفهم أبعاد هذه المقاطعة ودلالاتها السوسيولوجية، وأثرها على صورة الديربي كرمز كروي وثقافي، حاورت "أنفاس بريس" الأستاذ عبد الرحيم بورقية، الباحث في سوسيولوجيا الرياضة، حيث قدّم قراءة معمّقة لمغزى هذا الموقف الجماهيري، وتداعياته على مستقبل اللعبة، وعلى دينامية الاستثمار الرياضي في المغرب، في لحظة دقيقة تسبق احتضان المملكة لأحداث كروية كبرى مثل كأس إفريقيا وكأس العالم.

كيف يمكن فهم الرمزية الاجتماعية والتاريخية التي باتت تُلازم مباراة الديربي بين فريقي الرجاء والوداد، ومدى ارتباطها بتمثلات الهوية الحضرية والثقافة الجماهيرية بمدينة الدار البيضاء وبالمجتمع المغربي عامة ؟
رمزية الديربي بين فريق الرجاء والوداد، تتعدى مجرد مباراة أو مواجهة كروية، بل هي لحظة فريدة أصيلة، عارمة بالعواطف، والطاقات الجياشة، والألوان الإبداعية التي ترسم لوحات من الشغف والانتماء. الديربي ليس مجرد تسعين دقيقة، بل هو انعكاسٌ حيّ لتاريخ مدينة الدار البيضاء، و لثقافة مجتمع، وأيضا لفخر جماهير، بإرث حضاري لمدينة تنبض بالحياة..
 
الدار البيضاء مدينة تتوقف فيها الأنفاس يوم اللقاء خلال الديربي، حيث تضبط جماهير الوداد والرجاء – ليس فقط في البيضاء بل في مختلف مدن المملكة، بل حتى في مدن المهجر –، تضبط / توقيتها على صافرة البداية، لمتابعة حدث تجاوز صفة "مباراة" ليصير ماركة مسجلة في عالم كرة القدم.
 
الأجواء تكون مشحونة، وهنا تبرز أدوار الإعلام، والمؤطرين والمربين، والمسؤولين عن الشأن الكروي، كلٌّ من موقعه. فالديربي في المغرب ليس مباراة تظهر نتيجتها على السبورة في الملعب فقط وانتهى الأمر، بل حدث وطني ينبض بقلوب العشاق في المغرب وأيضا عند مغاربة العالم.
 
 وتنعكس فلسفة تسيير النوادي وجودة التحكيم ومبادرات الجامعة لتطوير البطولة، على قيمة الديربي، الذي يتجسد من خلال تألق اللاعبين في رقعة الملعب، وأجواء الاحتفالات في المدرجات وتفاعل الجماهير مع المقابلة، وهي عناصر تُشكّل صورة حضارية تعكس شرف الانتماء، ليس فقط للفريق، بل للوطن أيضا.
 
وقد رأينا في السابق كيف كان يسعى كل فريق لترك بصمة في الذاكرة الجماعية. وما عليك إلا أن تطرح سؤال قيمة الديربي على لاعب سابق، أو مسير، أو مشجع عايش الديربي، وستُدرك أن الأمر أعمق من مباراة في كرة القدم، فهو شعور، وحنين، وتاريخ يُعاد كل موسم رياضي منذ سنوات عديدة، وهناك أيضا ديربيات أخرى، في المحمدية، هناك الاتحاد والشباب، وفي الرباط العاصمة لقاءات الفتح والجيش، وفي فاس مواجهة المغرب الفاسي والوداد الفاسي، وفي وجدة بين مولودية وجدة واتحاد وجدة، لكن الفرق الكبير بين هذه المقابلات هو القاعدة الجماهيرية، فديربي البيضاء له جمهور من كل مناطق المغرب، الذين يحجون للملعب لتشجيع الفريقين من المدن والقرى على حد سواء.

ما هي الخلفيات والدوافع التي تقف وراء مقاطعة الفصائل المشجعة لمباراة الديربي، وكيف تعكس هذه الخطوة علاقة الجماهير بمؤسسات تدبير الشأن الكروي في المغرب؟
المقاطعة كانت متوقعة، لأن الجو مكهرب منذ سنوات، بين الجماهير و المسيرين والجامعة، لقد انعدمت الثقة، و برز التذمر من البرمجة و من التحكيم و من سوء التسيير.
 
المشجع المغربي – كما هو معروف – له "مزاج متقلب" حسب النتائج، لكن حين يشعر أن هناك أشياء غير مقبولة تُحاك ضد فريقه، فإن خيار المقاطعة يصبح تعبيرا عن الرفض، بعيدا عن نقل المباريات خارج البيضاء واللعب بدون جمهور، فإغلاق مركب محمد الخامس يثير كثيرا من الأسئلة. نعم، هناك إصلاحات، لكن الوتيرة بطيئة. والأسئلة المهمة هي : أين التواصل مع الجماهير؟ لماذا تُترك الثغرات مفتوحة في وجه من يصطاد في الماء العكر؟.
 من الأجدر أن تتم مصارحة الجماهير بشكل مباشر والتعامل بجدية مع مثل هذه المواقف والقضايا الرياضية.

في ظل هذا التوتر المتصاعد، من يتحمل المسؤولية في نظركم؟ وهل ترون أن الخلل بنيوي يمتد إلى مختلف مكونات المنظومة الكروية؟
المسؤولية مشتركة، فالجماهير، والصحافة، والأندية والمسيرون والجامعة  .. الكل يجب أن يُسائل نفسه ويراجع أوراقه ويبذل جهدا للإسهام في إيجاد حلول سليمة وفعالة.
الديربي كان وسيظل ثقافة رياضية، يجب أن يوحد ولا يفرق، وأن يعزز الروابط الاجتماعية رغم المنافسة. المطلوب اليوم هو صون هذا التراث لا دفنه، والحفاظ عليه كمنتوج كروي يمكن تسويقه. لا يجب أن يتحول إلى نقطة توتر وتجييش. ولابد أن يتحدث المسؤولون والإعلاميون بلغة راقية وتحليل رزين بعيدا عن الشعبوية.
 
هل تعتقدون أن قرار المقاطعة سيترك تأثيرا طويل الأمد على المشهد الكروي في الدار البيضاء، أم أن الشغف الكروي سيتغلب على لحظة التوتر هذه ؟
لا أعتقد أن للمقاطعة تأثيرا بعيد المدى. شغف الكرة لا ينطفئ. 
في نظري أرسلت الجماهير رسالة، وعلى من يعنيه الأمر أن يلتقطها، والمطالب مشروعة ويمكن جردها في تحقيق المساواة في التعامل مع الفرق والعدل في كل القرارات، والشفافية، وتكافؤ الفرص.
 
ما موقفكم من الأصوات التي ربطت مقاطعة الديربي بمسألة الوطنية وصورة البلد في الخارج، خصوصا في سياق استعداد المغرب لاحتضان تظاهرات كبرى ككأس إفريقيا وكأس العالم ؟
أعتقد أن من زعم بكون مقاطعة الديربي تضرب الوطنية وتمس بصورة المغرب، لا يعي جيدا مايقول..
 المغرب بتاريخه، وإرثه الثقافي والحضاري وبنساءه و رجالاته ومؤسساته أكبر من أن تهتز صورته بسبب مقاطعة ديربي البيضاء، فقد أراد من خلالها الجماهير توحيد صوتهم وإسماعه لتغيير التعامل معهم، لأخذ نداءهم بمحمل الجد لا أقل ولا أكثر. ومن تكلم عن الوطنية لا يبحث سوى عن المزايدة في نظري.

 
 الجماهير طالما تغنت بالوطنية والأهازيج حول مغربية الصحراء والتي غناها الخضر بالجزائر، بألفاظ ذات معاني و سياق ينهل من قاموس الوطنية كمثال "الخضراء الوطنية"، "ملكنا واحد" ولاننسى الجواب الذي أرسلته الجماهير لحفيد نيلسون مانديلا، وهي معطيات واضحة كفيلة بالرد على من يساوم الجماهير  التي تتغنى بحبها للوطن من طنجة إلى الكويرة.
 
مقاطعة الديربي حدث مؤثر، يشكل مناسبة لإعادة طرح سؤال نوعية الاستثمار في كرة القدم المغربية، في رأيك ما مدى إسهامها في خدمة المجتمع، خصوصا على المستوى القيمي والاقتصادي والثقافي؟
الهدف المنشود من الأنشطة الرياضية الاحترافية، هو تشريف المنتوج الكروي المغربي بعيدا عن المزايدات والتخوين. الاستثمار الحقيقي يجب أن يستهدف الشباب لتأطيره للانخراط في المشروع الذي دشنته الرؤية الملكية لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله. الثقافة والرياضة هما ضرورتان لتكوين مجتمع متين قادر على مواجهة التحديات المستقبلية.
ليس كل أمر يناقش حول الرياضة هو رأي أو موقف سياسي عند الجماهير، لدى لا يجب تحميل الأمور أكثر من حجمها لتأويل النقاش والخروج به من سكته الصحيحة. يوم المباراة هو فضاء للاحتفال وأخذ الكلمة للتعبير وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، لكن للأسف لايتوانى البعض عن انتهاز الفرصة لإظهار صورة نمطية عن الآخرين وحشد الحشود من أجل الظهور وإرسال الرسائل الملغومة، إذ من المعلوم أن الأغاني و"التيفوات" ذات المحتوي الاجتماعي والثقافي والسياسي، تحضى بمتابعة كبيرة وترافقها تعليقات كثيرة داخل وخارج الوطن، وهذا هو هدف الجماهير الذي يرتكز على خلق الحدث.

 
الاستثمار في كرة القدم الاحترافية في المغرب يمكن أن يسهم في تعزيز الهوية الجماعية وتطوير المجتمع. يشمل هذا الاستثمار تحسين البنية التحتية للملاعب، إنشاء أكاديميات رياضية لتدريب الشباب وتعليمهم القيم الأساسية مثل الانضباط والعمل الجماعي. كما يساهم في تعزيز الثقافة الوطنية من خلال الأهازيج الشعبية والرموز الثقافية المصاحبة للمباريات. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون لكرة القدم دور كبير في تحفيز الاقتصاد المحلي من خلال جذب الاستثمارات التجارية والسياحة الرياضية.
 
في ضوء ما شهدته الساحة الكروية مؤخرا ..  ما الكلمة التي يمكن أن توجهها للمسيرين والمحللين الرياضيين، وللعاملين في الحقل الإعلامي المتخصص في الرياضة ؟
يجب على المسؤولين والمحللين الرياضيين أن يتواصلوا مع الجمهور بشكل رزين وحكيم وينأون بنفسهم عن الجدل والنقاش المستفز والكلام غير المسؤول، وأن لا يسقطوا في فخ التحامل ضد جهة لفائدة جهة وفريق ضد فريق، بعيدا عن إحقاق الحق والمنافسة الشريفة، فقد تكون النوايا غير صادقة وليست في المصلحة العامة أو كرة القدم عموما، والمسؤول والمحلل الرياضي والإعلامي أيضا لا يجب أن يطلقوا تصريحات غير مدروسة دون أن ينتبهوا لعواقب لن تزيد الوضع سوى تأزما.
 
وهكذا في نظري مقاطعة الديربي هي لحظة عابرة في سجل رياضي حافل، لكنها تحمل في طياتها دروسا عميقة ورسائل صريحة، على المعنيين بالشأن الكروي أن يلتقطوها، إن أرادوا لكرة القدم المغربية أن تظل فضاء للتنافس والتنمية، لا ساحة للاحتقان.