الجمعة 21 مارس 2025
فن وثقافة

جون بيير سيميون: وحده الشعر سينقذ العالم

جون بيير سيميون: وحده الشعر سينقذ العالم الشاعر الفرنسي جون بيير سيميون
درج بيت الشعر في المغرب، كل سنة، على استكتاب أحد شعراء العالم لتوجيه كلمة بمناسبة اليوم العالمي للشعر. في هذا السياق تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" كلمة 21 مارس 2025 التي كتبها الشاعر الفرنسي جون بيير سيميون، ونقلها إلى العربية الشاعر والمترجم المغربي منير السرحاني.
 
وحده الشعر سيُنقِذ العالم
حان الوقت فعلا لتغيير معنى الجدية بالنظر إلى الكوارث التي قادتنا إليها بجديةٍ الأيديولوجياتُ بجميع أنواعها حتى الآن، بما في ذلك تلك التي كانت نيتها حسنة. 
 
وطبعا علينا أن نتفق على ما نتحدث عنه عندما نتحدث عن الشعر، ونعيد النظر في الأفكار السطحية والمجردة التي نحملها عنه في وسط العامة، وفي الأوساط المثقفة.
 
ما أقصده بالشعر ليس الزخرفة الجميلة التي نراها عادة، بل التعبير الراديكالي والمستمر عن طريقة وجودنا في العالم والتفكير فيه وفهمه، والتي لها تأثيرات في جميع مجالات الحياة، الاجتماعية والأخلاقية والسياسية.

الشعر حالة الوعي اليقظ الذي، من خلال التمتع بالمجهول وغير المتوقع، يرفض أي إغلاق للمعنى، أي تلك الأمراض العقلية، المفاهيم الحاسمة، والهويات الثابتة، والتصنيفات بجميع أنواعها التي تقمع الحياة، هذه الحركة المستمرة، وتجعلنا نفوت الواقع كما هو حقيقي وحسبما يدركه الشاعر والفنان ويعيدان تمثيله: من عمق فاضح ولانهائي. إذن، الشعر دينامية، شهية غير محدودة للواقع الذي تتساءل عنه في أدق تفاصيله (كل قصيدة هي صياغة لهذا التساؤل)، باختصار هو أمل: لا شيء ينتهي، تقول القصيدة. فما الذي يؤسس إنسانيتنا إذا لم يكن هذا الوعي الحر بعمق؟ وما هو الوعي الذي ليس حرًّا اللهم نقيضه، أي الخضوع، بسبب الجبن أو التعب أو التنازل، للتأثيرات المباشرة للواقع وقراءاتنا المفروضة عليه، حيث تكون اللغات المغلقة (لغة التقنيين أو لغة التسلية التافهة) هي الأداة؟ خضوع واضح وعام اليوم، استسلام يرفض أي مجهول وأي مفاجأة للمعنى، دعونا نقول لأي شيء آخر، وهذا هو بالطبع السبب الرئيسي للتجرد من الإنسانية في مجتمعاتنا لأن ما يجعل الإنسان منذ البداية إنسانا هو التمرد على أوامر الواقع الموضوعي وهذا الفهم للآخر الذي ينقذ الفرد من نفسه. كما قال بريمو ليفي: "عندما يصبح الآخر عدُوًّا، يتبعه المعسكر". سيحصل هذا قريباً، إذ يهيمن منطقه بالفعل على الوعي التائه. فما الذي يمكن أن يخلصنا من هذا؟ معركة ثابتة، حاسمة، يومية، خطوة بخطوة، ضد إغلاق الوعي. وأنا أزعم، نعم، أن في هذه المعركة،( هناك) الشعرُ، ليس فقط لما يقوله بل لما هو عليه، ميثاقٌ للحرية غيرِ القابلة للحل، هو إذن سلاح ضروري. وبالتالي فكل قراءة، كل استماع لقصيدة تثبت في كل لحظة أن هناك لغة أخرى، وبالتالي تمثيلات أخرى للعالم ممكنة دائما، وهي فرصة ممكنة أيضًا لإيقاظ الوعي، اعتراض فعلي على التوافقات السامة.
 
إن مضاعفة تأثير القصيدة، تكمن في جعلها تُسمع في كل لحظة وفي كل مكان انطلاقا من عدم ملاءمتها، هذا هو التمرد الشعري الذي ندعو إليه. بالطبع، يمر هذا عبر كل فعل فني طالما أنه لا ينحرف عن راديكاليته الشعرية الأساسية ليخضع إلى معايير الخداع الكبير للصناعات الثقافية، هذه الحيلة الجديدة للبورجوازية الصغيرة للحد من القوة الفرعية للفن.
 
 إذا كنتُ أصفُ القصيدة كسلاح مميّز هنا والآن، فليس من منطلق دفاع قصير النظر عن الذات، بل لأنها، بتركيزها على رهانات جميع الفنون، غيرُ قابلة للاختزال: القصيدة ليست قابلة للتداول. ومن هذه القيم المناهضة، التي هي بطبيعتها غير إنسانية، مثل الامتلاك، والسلطة، والمظهر، التي تحكم اليوم جميع العمليات الاجتماعية والسياسية، الشعر هو بطبيعته العدو المعلن، لأنه لا يهدف إلا إلى إعادة تأسيس الإنسان بشكل دائم في الامتياز الوحيد الذي يميزه: تحرير الوعي البشري من خلال اللغة الإبداعية.
 
 لا وجود لمنظور سياسي يمكن أن يخلصنا إذا لم يأخذ في الاعتبار، ليس كذريعة بل بشكل متعمد، معترف به ومدروس حتى عواقبه، الطاقة التحررية للقصيدة. كما قال شيلي: "الشعراء هم المُشَرِّعُون غيرُ الرسميين للواقع". 
إذن، دعونا نُعِدِ التفكيرَ بجديةٍ في العالم وفقًا للقوانين الإلزامية للقصيدة التي تجعل الحياة هي المطلق الوحيد، والعلاقة الحقيقية مع الآخر، سواء كان وجهًا أو منظرًا طبيعيا، هي إذن الشرط المطلق للبقاء الجماعي.
 
من هذه القوانين التي ننسى باستمرار، من خلال الانخداع بالأقوال التي تختزل الواقع في مفاهيم باردة، القصيدة، المليئة بالحياة الهشة والمَرغوب فيها، هي التذكير المستمر والضروري. شعريا، التفكير في المستقبل ليس حلمًا رقيقًا ومُزينًا بالزهور، بل هو الرغبة المتوافقة مع التمرد المستمر للوعي الذي وحده يحمي الإنسانية من أن تلتهم نفسها.