الأربعاء 12 مارس 2025
سياسة

لماذا تصمت الأمم المتحدة عن إجرام البوليساريو بجنوب الجزائر؟

لماذا تصمت الأمم المتحدة عن إجرام البوليساريو بجنوب الجزائر؟ من أوجه‭ ‬الإجرام‭ ‬الجزائري في حق المحتجزين ‬في مخيمات تندوف
يراهن‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬معقدة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬والتحالفات‭ ‬ليخفي‭ ‬طبيعة‭ ‬"دولة‭ ‬العصابة"‭ ‬التي‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬الشروط‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النهب‭ ‬والاقتصاص‭ ‬والانتقام‭ ‬وتحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القيام‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬القذرة،‭ ‬مثل‭ ‬الابتزاز‭ ‬الحدودي‭ ‬والإرشاء‭ ‬الدولي‭ ‬وخلق‭ ‬الكيانات‭ ‬المسلحة‭ ‬لتركيع‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬شرط‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭.‬
 
‭ ‬ومن‭ ‬أوجه‭ ‬الإجرام‭ ‬الجزائري‭ ‬أنها‭ ‬«اخترعت»‭ ‬جماعة‭ ‬«البوليساريو»،‭ ‬واحتضنتها‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬وجهزتها‭ ‬بالآليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وأغدقت‭ ‬على‭ ‬زعمائها‭ ‬الأموال‭ ‬والامتيازات،‭ ‬ومكنتهم‭ ‬من‭ ‬صفة‭ ‬«لاجئين»،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬إلا‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوسع‭ ‬الجغرافي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المسار‭ ‬السياسي‭ ‬الممكن‭.‬
 
فعلى‭ ‬مدى‭ ‬خمسة‭ ‬عقود،‭ ‬تعيش‭ ‬مخيمات‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬تندوف،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬فراغ‭ ‬قانوني‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مخيمات‭ ‬«اللاجئين»،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬آلاف‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬إنسانية‭ ‬داخل‭ ‬خيام‭ ‬أو‭ ‬منازل‭ ‬مبنية‭ ‬من‭ ‬الطين،‭ ‬ويعتمدون‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الدولية‭ ‬لتلبية‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬الأساسية،‭ ‬فيما‭ ‬تتولى‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الجزائرية‭ ‬تكليف‭ ‬«زعماء‭ ‬البوليساريو»‭ ‬بإدارة‭ ‬هذه‭ ‬المخيمات‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬المضيفة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬حملته‭ ‬مذكرة‭ ‬تلقاها‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2023،‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬«تعزيز‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية»‭ ‬(PDES)‭ ‬«منظمة‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬ذات‭ ‬صفة‭ ‬استشارية‭ ‬خاصة»‭ ‬حول‭ ‬«الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬الغائب‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬تندوف‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬المضيفة‭ ‬الجزائر»‭.‬
 
وجاء‭ ‬في‭ ‬المذكرة،‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬للمفوض‭ ‬السامي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وتقارير‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬والأمين‭ ‬العام،‭ ‬أن‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬تندوف‭ ‬«جنوب‭ ‬غرب‭ ‬الجزائر»‭ ‬تعيش،‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬عقود،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬القانونية‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الصحراويين‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬إنسانية‭ ‬داخل‭ ‬خيام‭ ‬أو‭ ‬بيوت‭ ‬طينية‭ ‬مهينة،‭ ‬ويعتمدون‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الدولية‭ ‬لتوفير‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬الأساسية»‭. ‬وأضافت‭ ‬أن‭ ‬«جبهة‭ ‬البوليساريو»‭ ‬تقوم‭ ‬بإدارة‭ ‬المخيمات‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬المضيفة‭ ‬الجزائر،‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬لقواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬رقابة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬

واعتبرت‭ ‬المذكرة‭ ‬أن‭ ‬«تصنيف‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬كـ‭ ‬«مخيمات‭ ‬لاجئين»‭ ‬يعد‭ ‬أمرًا‭ ‬معقدًا‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬حله‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إجراء‭ ‬أي‭ ‬إحصاء‭ ‬رسمي‭ ‬لسكان‭ ‬المخيمات،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين‭ ‬طلبت‭ ‬ذلك‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬«الدولة‭ ‬المضيفة»،‭ ‬كما‭ ‬تبنت‭ ‬هذا‭ ‬الطلب‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬
 
وأشارت‭ ‬المذكرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬السكان‭ ‬الصحراويين‭ ‬كمجموعة‭ ‬لاجئين‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ترفض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بسكان‭ ‬المخيمات‭ ‬كلاجئين‭ ‬رسميين،‭ ‬مما‭ ‬يحرمهم‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬وفقًا‭ ‬لاتفاقية‭ ‬اللاجئين‭ ‬لعام‭ ‬1951‭ ‬والبروتوكول‭ ‬الملحق‭ ‬بها،‭ ‬اللذين‭ ‬صادقت‭ ‬عليهما‭ ‬الجزائر‭.‬
 
‬كما‭ ‬أن‭ ‬المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين‭ ‬أو‭ ‬المنظمات‭ ‬الأخرى‭ ‬أكدت،‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬مناسبة،‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬سكان‭ ‬المخيمات،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬دائمًا‭ ‬ممثل‭ ‬عن‭ ‬«جبهة‭ ‬البوليساريو»‭. ‬
 
ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬المفوضية‭ ‬أو‭ ‬المنظمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأخرى‭ ‬حتى‭ ‬الإشراف‭ ‬الكامل‭ ‬والمباشر‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭.‬
هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يطرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬علامة‭ ‬استفهام‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬الاحتجاز،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬«محتجزين»‭ ‬بلا‭ ‬بطاقات‭ ‬هوية،‭ ‬كما‭ ‬يعاني‭ ‬سكان‭ ‬المخيمات‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬نظام‭ ‬أي‭ ‬حماية‭ ‬مدنية‭. ‬ذلك‭ ‬أنهم‭ ‬يحتجزون‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬عسكري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬لعام‭ ‬1951‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬المدني‭ ‬لمخيمات‭ ‬اللاجئين‭.‬
 
ليس‭ ‬هذا،‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬تُدار‭ ‬بوضع‭ ‬استثنائي،‭ ‬حيث‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬القانون‭. ‬فالجزائر‭ ‬باعتبارها‭ ‬دولة‭ ‬«مضيفة»‭ ‬«الحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬دولة‭ ‬مُنشئة»،‭ ‬مسؤولة‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬جميع‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬فوضت‭ ‬إدارة‭ ‬المخيمات‭ ‬بالكامل‭ ‬لجماعة‭ ‬عسكرية‭ ‬مسلحة‭ ‬«البوليساريو»‭ ‬منذ‭ ‬إنشائها‭ ‬عام‭ ‬1975‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المحتجزين‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬النظام‭ ‬القبلي‭ ‬للبوليساريو‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬السلطة‭ ‬الوحيدة‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات‭. ‬ذلك‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬المجحفة‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬رقابة‭ ‬دولية‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬إطار‭ ‬قانوني‭ ‬واضح‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬أسست‭ ‬البوليساريو‭ ‬محاكمها‭ ‬وسجونها‭ ‬وقوات‭ ‬شرطتها،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الخاصة‭ ‬باللاجئين‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬«لكل‭ ‬لاجئ‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬بنفس‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬مواطنو‭ ‬الدولة»،‭ ‬وهو‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُطبق،‭ ‬كما‭ ‬يتضح،‭ ‬داخل‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬فسح‭ ‬المجال‭ ‬لوقوع‭ ‬انتهاكات‭ ‬جسيمة،‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالاختفاء‭ ‬القسري‭ ‬والإعدام‭ ‬في‭ ‬الأقبية‭ ‬المظلمة‭ ‬لسجن‭ ‬الرشيد‭ ‬سيء‭ ‬الذكر،‭ ‬دون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الاستعباد‭ ‬والاغتصاب‭ ‬والتجنيد‭ ‬الإجباري‭ ‬للأطفال‭ ‬ومضايقة‭ ‬المعارضين‭ ‬وملتحقتهم‭ ‬والانتقام‭ ‬من‭ ‬ذويهم‭ ‬ومنع‭ ‬سكان‭ ‬تندوف‭ ‬من‭ ‬التنقل‭.‬
 
فلماذا‭ ‬يسكت‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الجسيمة؟‭ ‬بل‭ ‬الأصح،‭ ‬لماذا‭ ‬يشكل‭ ‬عسكر‭ ‬الجزائر‭ ‬طوقا‭ ‬من‭ ‬التواطؤ‭ ‬حولها؟‭ ‬ولماذا‭ ‬تقوم‭ ‬دولة‭ ‬العصابة‭ ‬بحماية‭ ‬إجرام‭ ‬الجماعة‭ ‬المسلحة‭ ‬خارج‭ ‬أي‭ ‬رقابة‭ ‬دولية‭ ‬حقيقية؟‭ ‬ولماذا‭ ‬تظل‭ ‬مفاهيم‭ ‬مثل‭ ‬«حقوق‭ ‬الإنسان»‭ ‬أو‭ ‬«دولة‭ ‬الحق‭ ‬والقانون»،‭ ‬كلما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالبوليساريو،‭ ‬محض‭ ‬تجريدات‭ ‬تُستعمل‭ ‬سندا‭ ‬لتشجيع‭ ‬القمع‭ ‬وتعزيز‭ ‬التبعية‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لأجهزة‭ ‬شنقريحة؟‭ ‬وما‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬مواصلة‭ ‬الجزائر‭ ‬تحدي‭ ‬كل‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬والشرائع‭ ‬الأممية‭ ‬دون‭ ‬عقوبات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية؟‭ ‬
 
ففي‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬أعربت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬قلقها‭ ‬إزاء‭ ‬عدم‭ ‬التزام‭ ‬الجزائر‭ ‬بواجباتها‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الأفراد‭ ‬المتواجدين‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭.‬
‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬أكدت‭ ‬لجنة‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬«أي‭ ‬دولة‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬الأفعال‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تُرتكب‭ ‬على‭ ‬أراضيها،‭ ‬سواء‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬السلطات‭ ‬الرسمية‭ ‬أو‭ ‬كيانات‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬تتصرف‭ ‬بتفويض‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬حمايتها»‭. ‬
 
وفي‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬اعتبرت‭ ‬اللجنة‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬خلال‭ ‬مراجعة‭ ‬تقرير‭ ‬الجزائر‭ ‬الدوري‭ ‬حول‭ ‬تنفيذ‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬أن‭ ‬نقل‭ ‬الجزائر‭ ‬لصلاحياتها‭ ‬القضائية‭ ‬إلى‭ ‬البوليساريو‭ ‬يعد‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭. ‬
 
وسبق‭ ‬للأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬أعرب‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬لعام‭ ‬2018‭ ‬عن‭ ‬قلقه‭ ‬إزاء‭ ‬وضعية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بتندوف،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭ ‬محرومون‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬فعالة‭ ‬للجوء‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬الجزائرية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الإنصاف‭.‬
 
وفي‭ ‬قرار‭ ‬صادر‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬أبريل‭ ‬2022 (CCPR/C/134/D/2721/2016)،‭ ‬أكدت‭ ‬اللجنة‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬مسؤولية‭ ‬الجزائر‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الاختطاف‭ ‬والتعذيب‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬معارضي‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو‭. ‬
 
وسبق‭ ‬للفريق‭ ‬العامل‭ ‬المعني‭ ‬بحالات‭ ‬الاختفاء‭ ‬القسري‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬الطوعي‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬أصدر،‭ ‬خلال‭ ‬دورته‭ ‬الـ‭ ‬87 (مايو‭ ‬2020)‭ ‬قراراً‭ ‬يدين‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات،‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬نقل‭ ‬الجزائر‭ ‬لسلطاتها‭ ‬إلى‭ ‬البوليساريو‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭.‬
 
تشير‭ ‬كل‭ ‬الأدلة،‭ ‬إذن،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مسؤولية‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬بالجزائر،‭ ‬مسؤولية‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬سكان‭ ‬المخيمات‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الجزائرية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭  ‬يستمر‭ ‬حكام‭ ‬دولة‭ ‬العصابة‭ ‬في‭ ‬اللجوء،‭ ‬دون‭ ‬رادع،‭ ‬إلى‭ ‬الحيل‭ ‬القانونية‭ ‬للتملص‭ ‬من‭ ‬التزامات‭ ‬بلادهم‭ ‬الدولية،‭ ‬وذلك‭ ‬بادعاء‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬غير‭ ‬مسؤولة‭ ‬عما‭ ‬يجري،‭ ‬لأنها‭ ‬نقلت‭ ‬جميع‭ ‬صلاحياتها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأمنية‭ ‬والقضائية،‭ ‬إلى‭ ‬البوليساريو،‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬لاتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الخاصة‭ ‬باللاجئين‭ ‬«الواقع‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬حالتنا‭ ‬محتجزون»‭.‬
 
تنصل‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬إلى‭ ‬كارتيل‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الإجرام‭ ‬والإرهاب‭ ‬والتهريب‭ ‬والاتجار‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬والبشر‭ ‬والمخدرات؛‭ ‬وباختصار‭ ‬إلى‭ ‬محمية‭ ‬عسكرية‭ ‬خارج‭ ‬القانون،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬وأتاح‭ ‬ذلك‭ ‬لمجرمي‭ ‬البوليساريو‭ ‬ومليشياتهم‭ ‬المسلحة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬وانتهاكات‭ ‬جسيمة‭ ‬بحق‭ ‬أي‭ ‬صحراوي‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأي‭ ‬مخالف‭ ‬أو‭ ‬المطالبة‭ ‬بأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التحرر‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬المسلحة،‭ ‬كما‭ ‬أتاح‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الإثراء‭ ‬السريع‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المتاجرة‭ ‬في‭ ‬المساعدات‭ ‬الدولية،‭ ‬والتهريب‭ ‬والابتزاز‭. ‬وهي‭ ‬جرائم‭ ‬لا‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬تواطأ‭ ‬جينرالات‭ ‬الدولة‭ ‬المضيفة‭ ‬على‭ ‬تطبيقه‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭.‬
 
لقد‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬انتقادات‭ ‬متعددة‭ ‬ومتكررة‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭  ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وهيئاتها‭ ‬المختصة‭ ‬بسبب‭ ‬تخليها‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬عن‭ ‬سلطتها‭ ‬لصالح‭ ‬جماعة‭ ‬انفصالية‭ ‬مسلحة‭ ‬ثبت‭ ‬أنها‭ ‬متحالفة‭ ‬مع‭ ‬الإرهاب‭ ‬بالساخل‭ ‬الإفريقي‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬لا‭ ‬يأخذون‭ ‬تلك‭ ‬الانتقادات‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد،‭ ‬ولا‭ ‬يعيرونها‭ ‬أدنى‭ ‬اهتمام،‭ ‬بل‭ ‬يشجعون‭ ‬صنائعهم‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬على‭ ‬إتيان‭ ‬كل‭ ‬الفواحش‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬مصدرا‭ ‬آمنا‭ ‬للأموال‭ ‬القذرة،‭ ‬وما‭ ‬دامت‭ ‬«الجماعة»‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬استدامة‭ ‬«الحصر‭ ‬السياسي»‭ ‬لقضية‭ ‬الصحراء‭ ‬التي‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬الجزائريون‭ ‬«قضية‭ ‬حياة‭ ‬أو‭ ‬موت»‭ ‬في‭ ‬طموحهم‭ ‬لتحقيق‭ ‬الزعامة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والقارية‭.‬
 
إن‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬انتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والسياسية،‭ ‬يقتضي‭ ‬عدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالملاحظة‭ ‬أو‭ ‬الانتقاد‭ ‬أو‭ ‬المطالبة‭ ‬أو‭ ‬المناشدة،‭ ‬بل‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬تجبر‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بتوصيات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وإنهاء‭ ‬تفويضها‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬للسلطة‭ ‬داخل‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬لعصابة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الجلادون‭ ‬بالمخيمات،‭ ‬وضمان‭ ‬حق‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العدالة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬وفرض‭ ‬التعامل‭ ‬بالقانون‭ ‬المطبق‭ ‬على‭ ‬الجزائريين،‭ ‬وإرغام‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬مصير‭ ‬ضحايا‭ ‬الاختفاء‭ ‬القسري‭ ‬ومحاكمة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬جرائمهم،‭ ‬وإعادة‭ ‬رفات‭ ‬الضحايا‭ ‬إلى‭ ‬ذويهم‭ ‬لدفنهم‭ ‬بكرامة،‭ ‬وتحمل‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬جبر‭ ‬الأضرار‭ ‬المعنوية‭ ‬والمادية‭ ‬لأسر‭ ‬الضحايا‭ ‬وعائلاتهم،‭ ‬والسماح‭ ‬لسكان‭ ‬المخيمات‭ ‬بالترقي‭ ‬العلمي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والمهني،‭ ‬ليس‭ ‬بمنطق‭ ‬القبيلة‭ ‬أو‭ ‬الولاء،‭ ‬بل‭ ‬بمنطق‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭.‬

تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"