ببالغ الأسى والحزن، وبقلوب راضية بقضاء الله وقدره، شارك الزميل الإعلامي صالح داهي، مدير معهد الصحافة المتخصص في السمعي البصري بمدينة العيون، خبر وفاة والدته الفنانة
مارية كاية، والتي كانت ضمن مجموعة "خوسيفا" للموسيقى الحسانية، وفي رثاء مؤثر كتب الزميل صالح داهي:
تزامن رحيل أمي مع دخول شهر رمضان، جعلني أدرك بشكل عميق أهمية هذا الشهر المبارك، وكيف أنه يحمل في طياته معاني من الصبر والتضحية والتفكر في من رحلوا عنا. كان رمضان بالنسبة لي وما يزال، هو شهر من العبادة والتقوى، ولكن مع رحيل أمي، أصبح شهر رمضان أيضًا شهرًا للتذكر والدعاء لها، لتستمر روحها الطاهرة في العيش في قلب الدعوات.
مارية كاية، والتي كانت ضمن مجموعة "خوسيفا" للموسيقى الحسانية، وفي رثاء مؤثر كتب الزميل صالح داهي:
تزامن رحيل أمي مع دخول شهر رمضان، جعلني أدرك بشكل عميق أهمية هذا الشهر المبارك، وكيف أنه يحمل في طياته معاني من الصبر والتضحية والتفكر في من رحلوا عنا. كان رمضان بالنسبة لي وما يزال، هو شهر من العبادة والتقوى، ولكن مع رحيل أمي، أصبح شهر رمضان أيضًا شهرًا للتذكر والدعاء لها، لتستمر روحها الطاهرة في العيش في قلب الدعوات.
كلما اقترب شهر رمضان، كنت أرى في عيون أمي إشراقة خاصة، روحًا تتجدد مع بداية الشهر المبارك. كانت هي مصدر النور في بيتنا خلال هذا الشهر، فقد كانت تصحو قبل الفجر لتستعد للصلاة والقيام، وتبث في أرجاء البيت دعواتها التي تملأه بالسلام. كانت تتنقل بين مهامها اليومية وبين عباداتها، وعلى وجهها دائمًا ابتسامة تشع بالأمل والراحة. لم تكن مجرد أم، بل كانت رمزًا للقدوة في الصبر والطاعة والكرم. كان سحر رمضان في منزلنا لا يتجسد فقط في إفطارنا السريع بعد يوم طويل من الصيام، بل في تلك اللحظات التي كانت فيها أمي تجتمع بنا حول المائدة، تدعو لنا بالبركة والخير، وتعلمنا أن رمضان ليس فقط صيامًا عن الطعام، بل هو صيام عن الكلمات القاسية، صيام عن الغضب، وصيام عن كل ما يمكن أن يلوث هذا الشهر المبارك.
رحيل أمي كان حدثًا مؤلمًا في حياتي، خاصة أنني فقدتها في شهر شعبان، الذي يسبق شهر رمضان. حين تلقيت خبر وفاتها، شعرت كأن الحياة توقفت للحظة، وكأن الزمن أخذني إلى مكان لا يمكنني الوصول منه، لكن رغم الألم العميق، إلا أنني أستطيع أن أشعر بوجودها في كل لحظة من لحظات حياتي. غيابها لم يعني أن ذكراها قد انتهت، بل أصبح وجودها في قلبي أقوى من أي وقت مضى.
في أيام رمضان، كنت أبحث عن صورتها في كل زاوية من زوايا المنزل. كان صوتها ما يزال يتردد في أذني عندما كانت تهمس لنا بالدعاء قبل الإفطار، وكانت كلماتها عن فضائل هذا الشهر المبارك لا تزال تنبض في قلبي كأنها حدثت منذ لحظات. لم يكن رمضان مجرد عبادة للصوم بالنسبة لها، بل كان فرصة للتقرب من الله، لفتح صفحة جديدة من الطمأنينة والسكينة. والآن، في غيابها، أجد نفسي أتمسك بكل تلك الدروس التي علمتنا إياها.
اللهم اجعل شهر رمضان هذا شهرًا منيرًا لروح أمي، واغفر لها بقدر ما كانت تملأ قلبها بالحب والعطاء. اللهم اجعلها في دار النعيم حيث لا هم ولا حزن، واجعل صيامنا وقيامنا في هذا الشهر المبارك صدقة جارية لروحها، لتصلها دعواتنا في كل لحظة. اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وزرع في قلبها النور الذي كان يضيء لنا طريقنا في الدنيا.
أمي كانت دوما تقول لنا: "الصيام ليس فقط عن الطعام، بل هو عن الروح، عن القلب الذي يجب أن يصوم عن الكراهية والغضب والهموم." واليوم، وأنا أفتقدها أكثر من أي وقت مضى، أجد نفسي أتمسك بهذه الكلمات كما لو كانت نورًا يرشدني في ظلمات الحياة.
البر بالوالدين لا يتوقف عند وفاتهما. في رمضان، تزداد أهمية الدعاء للمتوفين، خصوصًا إذا كانوا قد رحلوا عن الدنيا في هذا الشهر الفضيل. أمي، التي كانت دائمًا تشجعنا على الصيام والدعاء والتقرب من الله، أصبحت الآن في حاجة إلى دعواتنا أكثر من أي وقت مضى. وها أنا اليوم أرفع يدي بالدعاء لها، وأطلب من الله أن يغفر لها ويرحمها، وأن يجعلها في مقام الأبرار الصالحين.
كلما صمت يومًا أو قمت ليلًا في رمضان، كنت أستشعر حضورها، وأجد نفسي أردد في قلبي دعاءً خاصًا لها: "اللهم اجعل أمي من أهل الجنة، وألحقها بالصالحين، وأبدلها بدار خير من دارها، وأهل خير من أهلها."
وفي النهاية، تظل الذكريات الطيبة هي ما يبقى من أحبائنا الذين فقدناهم. ورغم غياب أمي عن الدنيا، إلا أن وجودها في قلبي لا يزال ينبض بكل حب وحنان. أمي، التي كانت دائمًا تذكرنا بأهمية رمضان، وتعلمنا كيف نعيش فيه بروح من التواضع والعبادة، ها هي الآن في ذمة الله، لكن تظل دعواتنا تصلها في كل وقت وحين، خاصة في هذا الشهر الفضيل.
رحمك الله يا أمي، وأسكنك فسيح جناته، ونسألك الدعاء لها في هذا الشهر المبارك. اللهم اجعل رمضان هذا بدايةً للرحمة والمغفرة والبركة، وأن يتقبل الله منا ومنكم الطاعات.