الأربعاء 9 إبريل 2025
كتاب الرأي

أحمد فردوس: حان وقت تدخل وزير الأوقاف للحسم في تعليق شعيرة عيد الأضحى

أحمد فردوس: حان وقت تدخل وزير الأوقاف للحسم في تعليق شعيرة عيد الأضحى أحمد فردوس
لست مختصا في نوازل الشريعة والفقه، لأخوض بالحجة والدليل والبرهان في نازلة تعليق شعيرة عيد الأضحى، ولكن بإمكاني أن أثير نقاشا عموميا آنيا حول هذه النازلة ذات الصلة بما هو ديني واقتصادي واجتماعي وإنساني، على اعتبار أنه لم يتبقى أمامنا سوى مناشدة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق في هذا الشأن بحكم تخصصه ومسؤوليته، فلن تعوزه كأستاذ متخصص وباحث ودارس، أن يستند على القرائن والدلائل وتبيان الحجة والبراهين في مسعاه هذا أمام حضرة أمير المؤمنين الملك محمد السادس، حتى لا تكون مناسبة العيد سببا في انتحار المواطنين الذين يعانون من الضربات المؤلمة والموجعة، "ضَرْبَةْ تَابْعَةْ ضَرْبَةْ" جراء احتكار أخطبوط لوبي الفساد والريع كل شيء في البحر والبر...أخطبوط السياسة وعالم المال.
 
إن ما يقع اليوم من سحل وسلخ للمواطن البسيط جراء سيّاط الجلد التي ترسم خرائط الهم والغم والخصاص والفاقة على وجوه بسطاء الناس في زمن استشراء الفساد والغلاء والحكرة ـ ما يقع اليوم ـ لم يعشه المجتمع المغربي في أحلك فترات تحالف قوة سلطة النفوذ والجاه والجفاف والأوبئة والفتن، بل كانت تلك المظاهر القاسية تشفع في الكثير من الأحيان لمن يحكم في زمن بناء أسس الدولة المغربية الحديثة التي قاومت المتربصين والخصوم والأعداء على كل الواجهات لضمان استمرار سيادتها وبناء حضارتها.
 
نتحدث اليوم، هنا والآن عن جشع المضاربين والمحتكرين من مصاصي دماء الشعب، دون أن يرفّ لهم جفن، أمام ما تقترف أياديهم الملطخة بعرق المستضعفين، من مآسي ومصائب حولت المواطنات والمواطنين البسطاء المغلوبين على أمرهم، إلى مجرد دجاج يبيض ذهبا، أياد تسلطت على رقاب العباد والبلاد وأخرجت المرأة والرجل والشاب والطفل لـ "السْعَايَةْ" و "التَّسَوُّلْ" وشرّدت الإنسان الذي كرمه الله في الشوارع والأزقة والأسواق والمقاهي وأمام المؤسسات المنتخبة والأبناك...؟.
 
إن جرائم التسيّب الحاصل في الهجوم على قوت الناس وعلى قدرتهم الشرائية من طرف الوسطاء والسّماسرة المسخرّين مع سبق الإصرار والترصد من طرف لوبيات الفساد والريع، لم تعد تُحتمل مشاهدها وصورها المقززة في الداخل والخارج، فأصبحنا نسمع ونرى بأم أعيننا نساء ورجالا يستجدون الصدقة عبر منصات التواصل الاجتماعي بجميع الوسائل والأساليب الحاطة من الكرامة، يذرفون الدموع، يترنحون، يصرخون، يناشدون، ولا من مجيب.
 
أخطبوط لوبيات الفساد والجشع في البحر والبر، استنزف الفرشة المائية التي كانت تسقي الأرض بسخاء بعد جني ثمار محاصيلها الزراعية ومنتوجات أغراسها ويصدرونها مقابل تكديس عائداتها خارج الوطن.
 
لقد صنع هذا الأخطبوط الشرس رأسماله من عرق جبين الضعفاء ومن مقدرات الوطن وثروته الفلاحية والزراعية، بعد أن سرق أشجار الزيتون وزيتها...ودمر ألواح الصبار وفاكهته الشوكية السخية التي كان يقتات منها الإنسان والحيوان، وفضل هذا اللوبي الجشع دون حسيب أو رقيب الاستثمار في ظاهرة الجفاف بطرق جهنمية للسطو على الدعم الفلاحي وتعويضات السنوات العجاف في زمن المخطط الأخضر.
 
أخطبوط لوبيات الفساد والجشع، علّق "الجزرة" في عنق المواطن البئيس، "بَاعْ الْقِرْدْ وضْحَكْ عْلَى مَنْ شْرَاهْ" فرفع من سعر المحروقات والبوطة والسكر والزيت والقطاني والخضر والدجاج وبيضه، والأسماك بما فيها السّردين الذي كان يمثل وجبة الفقراء الدائمة، ولم يتبقى له سوى الاستثمار في الهواء النقي بعدما لوث كل شيء.
 
تمكن أخطبوط هذا اللوبي الخطير من صناعة فيروس مرض المسّ بـ "التْهَاوِيشْ" بعدما خطط من أعلى منابر مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية لسرقة مادة "اللحم" من أفواه الفقراء والمساكين، رغم أن أفراد أسر الفقراء كانوا يوزعون فتات "مْصَارَنْ وكَرْشَةْ وجْلَافَطْ وﮜرْاوَشْ وعِظَامْ" بالقسط على مائدتهم خلال وجبة شهية طيبة كل يوم من أيام السوق الأسبوعي، فسخر أخطبوط مافيا الفساد لإنتاج اللحوم بالطرق الفاسدة كل آليات الإحتكار، وقضوا بالكذب والبهتان على رؤوس قطيع البقر والأغنام؟.
 
مرة أخرى، وبكل وقاحة استفاق أخطبوط لوبي الفساد على تسارع إيقاع عقارب ساعة العيد الكبير، مجندا أرانب السباق، وهم يلهثون بين ممرات دهاليز وكواليس المتحكمين في رقاب البلاد والعباد وراء مكاسب أخرى تتعلق بملف دعم استيراد الأغنام من وراء البحار، وإعفائهم من الرسوم، وبيعها للضعفاء، بأضعاف مضاعفة في سبيل الإغتناء غير المشروع وإضافة "الشَّحْمَةْ فِي ظْهَرْ الْمَعْلُوفْ".
لنسترجع هنا والآن سنوات الجفاف الأكثر خطورة في فترة الملك الراحل الحسن الثاني ـ الثمانينات ـ والتي تسببت في فقدان عدد هائل من رؤوس الأبقار والأغنام، فقرر رحمه الله حينئذ تعليق شعيرة عيد الأضحى، حتى يتمكن الكساب والفلاح الصغير والمتوسط من استرجاع ثروتنا الحيوانية الْبَلْدِيَّةْ، ولم نلحظ وقتئذ أي ارتفاع في سعر اللحوم بل أن المواطن المغربي تمكن من إعداد وجباته الغذائية اليومية بلحم الْبَـﮜْرِي والْغَنْمِي فقط. أما الكلاب الضالة فقد عافت جيف المواشي التي نفقت حينئذ في الخلاء، وتكاثرت وتوالدت جرائها وبدت عليها آثر النعمة.
 
بسبب لوبي الفساد في زمننا هذا، وصل سعر الدجاج والأسماك إلى حدّ غير معقول، أما اللحوم الحمراء فقد بلغ سعر الكيلوغرام منها إلى أكثر من مستحقات يومية لمياوم بئيس يعمل بقوّة عضلاته في البناء وحفر الأنفاق والطرقات وحمل أثقال الرمال والحجارة والياجور، أو سخر قوته العضلية في أشغال شاقة تحت لهيب أشعة الشمس وتساقط الأمطار من أجل دريهمات معدودة، دون الحديث عن سؤال باقي احتياجاته اليومية من واجبات الكراء والماء والإنارة، علاوة عن تكاليف العلاج والتمدرس والأعياد والمناسبات والأفراح والأحزان. 
 
فبالله عليكم من أين لهذه الفئة الهشة أن تأتي بمبلغ كبش أقرن وأملح يرضي أفراد أسرته؟
في انتظار ما ستخلفه مصاريف شهر رمضان الكريم من مآسي اجتماعية وإنسانية، يهيأ المواطن المغربي وجهه وروحه ونفسيته وأعصابه لاستقبال الضربة القاضية التي يمكن أن توجهها له شعيرة عيد الأضحى في زمن تغول لوبي الفساد الذي اعتاد وألف امتصاص ما تبقى من دم يسري في عرق الناس البسطاء. 
 
إن الوضع الاجتماعي اليوم يتطلب من حكماء الوطن ورجالاته الأوفياء الصادقين، من علماء وفقهاء الدين متنورين ومن مثقفين ومفكرين وشخصيات وازنة من هيئات مدنية وحقوقية...أن يستنهضوا هممهم ويرفعوا عقيرتهم للترافع عن القيمة الاقتصادية الكامنة في قرار تعليق شعيرة عيد الأضحى، وكم هو عدد المكاسب التي سنجنيها من وراء هذا القرار الحكيم، دينيا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا وإنسانيا بعيدا عن نباح الغوغاء "الْكَارِي حَنْكُو".