الجمعة 21 فبراير 2025
كتاب الرأي

وحيد مبارك: مختفون.. أو حين "يغيّب" أخنوش أبرز  الفاعلين في ورش الصحة 

وحيد مبارك: مختفون.. أو حين "يغيّب" أخنوش أبرز  الفاعلين في ورش الصحة  وحيد مبارك
تواصل الحكومة التعامل مع المنظومة الصحية بمقاربة تجزيئية، وهو ما أكده اجتماع يوم الأربعاء 19 فبراير، الذي ترأسه عزيز أخنوش وحضره إلى جانبه كل من وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، ووزير  الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي، والوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، إضافة إلى المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حسن بوبريك، من أجل تتبع تنزيل ورش الارتقاء بالمنظومة الصحية.

وإذا كان الاجتماع يكتسي أهمية لا يمكن إنكارها، بل أن تتبع هذا الورش يجب أن يكون من بين أولويات الحكومة بالنظر للانتظارات المعقودة عليه، تفعيلا للتعليمات الملكية، خاصة في الشق المتعلق بالمستشفى العمومي الذي يجب إعادة الاعتبار إليه وأن يكون قاطرة للصحة لا مجرد مكمّل لها، وأن يقوم بأدوار ريادية لا أن يصبح ملجأ للمعوزين ومن يعانون الهشاشة فقط، لا سيما وأن تفعيل المجموعات الصحية الترابية لا يفصلنا عنه الكثير من الزمن، والتي سيكون لها استقلالية في التدبير المالي، وبالتالي يجب أن ترتقي بأدائها وأن تحقق مردودية مهمة صحيا وماديا لاستمرار القطاع العام.

إن المتتبع للبلاغ الذي صدر عن اللقاء والصور التي رافقته، وبعيدا عن لغة "التنويه" التي جاءت فيه، سيتبين له على أن الاجتماع غابت عنه بشكل جد مقلق وغير مفهوم العديد من العناصر الأساسية المرتبطة بمسار تجويد المنظومة الصحية، ومن بينها "تغييب" رئيس الهيئة العليا للصحة، هاته الأخيرة التي جاءت لتقوم مقام الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، ونحن نتحدث عن سياسات صحية وعن عمل يتم القيام به يهمّ المستقبل القريب والمتوسط والبعيد على حد سواء، والحال أن الطبيب والأستاذ والعميد السابق لكلية الطب والصيدلة في الدارالبيضاء الذي تم تعيينه على رأس هذه "المؤسسة" باقتراح من رئيس الحكومة نفسه، كان في عداد "المختفين" خلال هذا الاجتماع، حتى وإن كانت خطوات تنزيل الهيئة لم تكتمل بعد، لأن المسؤول عن هيئة الحكامة هاته، الذي تم تعيينه رئيسا لها منذ 18 أكتوبر 2024، المفروض أن يكون حاضرا في قلب كل النقاشات المتعلقة بالمنظومة الصحية ولو من باب "الاستماع" وليس "الاستمتاع".

ثاني المختفين خلال هذا اللقاء هو مدير الوكالة الوطنية للأدوية ومنتجات الصحة، التي تم تعيين أعضاء مجلسها الإداري وإعداد هياكلها التنظيمية والنظام الأساسي لمستخدميها، فضلا عن برنامج عملها السنوي وميزانيتها، والجميع يعلم أنه حين الحديث عن المنظومة الصحية، وعندما يتعلق الأمر بموضوع التغطية الصحية، فإن أي نقاش في هذا الإطار لا يكون بمعزل عن العنصر الدوائي الذي له أهميته، أخذا بعين الاعتبار أن نسبة 30 في المئة من مصاريف التغطية الصحية هي تخصص للأدوية، مع ضرورة استحضار إشكالات عديدة مرتبطة بالسياسة الصحية الوقائية ودعم الفحوصات في هذا الجانب لتفادي الكلفة الباهظة للأمراض الثقيلة والمزمنة، لكن يبدو أنه كان لرئيس الحكومة ولوزيره في قطاع الصحة وللحاضرين في هذا اللقاء، أو لنقل لمن استدعى له، رؤية أخرى تختلف عما يمكن أن يراه الغير!

أما المختفي الثالث في هذا الاجتماع فهو بكل أسف عمودها الفقري، ويتعلق الأمر بطبيعة الحال بالموارد البشرية، إذ لا يمكن مواصلة استعراض أرقام مشاريع تشييد المراكز الصحية والمستشفيات الجامعية والإقليمية والجهوية، في غياب كل حديث عن الشغيلة الصحية التي لها أهلية الاشتغال في هاته المؤسسات وتقديم الخدمات الصحية، الوقائية والعلاجية للمواطنات والمواطنين، ودون عرض ما قامت به الحكومة في إطار الارتقاء بأوضاعهم المادية والمعنوية؛ إن هي قامت بشيء في هذا الصدد؛ ولتحصينهم قانونيا وحمايتهم، ولتنزيل ما تم الاتفاق بخصوصه مع الشركاء الاجتماعيين، ومواجهة الخصاص، وغيرها من الآفات والمعضلات والأعطاب التي تحضر بسبب ندرة وقلّة الموارد البشرية، من أطباء وممرضين وتقنيين للصحة، الذين في غيابهم تصبح البرامج الصحية المتعلقة بتقليص نسب وفيات الأطفال والأمهات دون سن الخامسة، والتلقيح، ومحاربة السل، وغير ذلك من البرامج والتدخلات مجرد حبر على ورق.
 
ولأن السياسة التواصلية تنظر إليها الحكومة هي أيضا بالكيفية بـ "منظارها" الخاص، فقد جاء البلاغ الصادر عقب هذا الاجتماع حين تطرقه لموضوع المجموعات الصحية الترابية مبهما وغامضا، مكتفيا بالإشارة إلى أنه سيجري إعطاء انطلاقتها بإحدى جهات المملكة كمحطة تجريبية دون تسميتها وتحديدها، وهو ما يمكن أن يستشفّ منه وجود خلل ما، بعدما كان الحديث في السابق يشير إلى إمكانية اختيار جهة من بين أربع جهات "الرباط، طنجة، مراكش، كلميم"، علما بأن مصادر صحية اليوم تتحدث عن كون هذه الجهة "الموعودة" ستكون هي طنجة تطوان الحسيمة، مع استحضار إشكال آخر مرتبط بتنزيل هذه المجموعات، والمتمثل في صراع الرئاسة ومعايير ذلك، التي لا يريد المغاربة أن تكون هي الأخرى واجهة من واجهات "التغول الحزبي".
 
إن القيام بإصلاح جذري وشامل للمنظومة الصحية لا يقف عند حدود إصدار قوانين، وإحداث هيئات، وعقد بعض الاجتماعات، ونشر قصاصات، بل هو عمل يجب ان يكون مستمرا على مدار الساعة للارتقاء بصحة المغاربة، كمّا وكيفا، شكلا ومضمونا، وضمان ولوجهم بشكل متكافئ، سلس وعادل إلى الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، لكن يبدو إلى غاية اليوم بأن هناك اختلافا كبيرا في تقدير الأولويات المرتبطة بهذا الموضوع، وفي تحديد الفئة التي يجب أن تستفيد من ثمار هذا المشروع الرائد الذي جاء لخدمة المغاربة؟