الخميس 20 فبراير 2025
كتاب الرأي

مصطفى عنترة: دور البرلمانيين في دعم المبادرة الأطلسية

مصطفى عنترة: دور البرلمانيين في دعم المبادرة الأطلسية مصطفى عنترة
**دور البرلمانيين في دعم المبادرة الأطلسية.

شهد البرلمان المغربي مؤخرًا حدثًا بارزًا، حيث اجتمع رؤساء البرلمانات الوطنية للدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي لمناقشة سبل تفعيل المبادرة الأطلسية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، باعتبارها رؤية استراتيجية لتعزيز التعاون الإقليمي والتنمية المستدامة في القارة.

وقد حظيت هذه المبادرة بتفاعل إيجابي واسع من قبل قادة الدول الإفريقية، نظرًا لما تفتحه من آفاق واعدة في مجالات التكامل الاقتصادي، وتطوير البنية التحتية، وتحفيز الاستثمارات المستدامة، وتعزيز الأمن البحري وحماية الموارد الطبيعية المشتركة.

وتأتي المبادرة الأطلسية في سياق الرؤية الملكية المتبصرة، التي تسعى إلى ترسيخ نموذج جديد للتعاون جنوب-جنوب، قائم على مبادئ الشراكة المتوازنة والتضامن الفعلي بين الدول الإفريقية. ويعكس هذا المشروع الطموح حرص جلالة الملك على جعل الفضاء الأطلسي رافعة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز مكانة إفريقيا على الساحة الدولية، وجعلها قادرة على الاستفادة المثلى من مواردها وإمكاناتها الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، يبرز دور البرلمانيين كفاعل أساسي في دعم المبادرة وضمان تحقيق أهدافها. فهم يشكلون حلقة وصل مهمة بين الشعوب والحكومات، ويملكون القدرة على التأثير في السياسات العمومية، وصياغة الأطارات القانونية الملائمة، وحشد الدعم السياسي والمالي، مما يجعلهم قوة دافعة نحو التنفيذ الفعلي للمشاريع المنبثقة عن المبادرة الأطلسية.

ومن هذا المنطلق، يلعب البرلمانيون دورًا محوريًا في الترويج للمبادرة على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال حضورهم في المنصات البرلمانية متعددة الأطراف، مثل الاتحاد البرلماني الدولي والبرلمان الإفريقي، حيث يمكنهم تسليط الضوء على أهمية المبادرة في تحقيق الاستقرار والتنمية بالقارة. كما يساهمون في إبراز أبعادها الجيوسياسية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بتعزيز الأمن البحري، وتطوير البنية التحتية، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، مثل الاقتصاد الأزرق والطاقة المتجددة. وتظهر أهميتهم كذلك من خلال تنسيق الجهود بين البرلمانات الإفريقية، إذ يمكنهم تعزيز الحضور الإفريقي في الساحة الدولية، والترويج لمبادرات تنموية تحقق الاستقلالية الاقتصادية للقارة.

إلى جانب الترويج والتعريف بالمبادرة، يضطلع البرلمانيون بدور أساسي في توفير بيئة قانونية ملائمة لتنفيذها. فمن خلال سنّ قوانين تحفّز الاستثمار في مجالات البنية التحتية، والنقل البحري، والطاقة المتجددة، يمكنهم المساهمة في جعل الفضاء الأطلسي أكثر جاذبية للاستثمارات الدولية. كما أن مراجعة القوانين والاتفاقيات القائمة لضمان انسجامها مع أهداف المبادرة، يُعدّ ضرورة ملحّة، حيث يمكن للبرلمانيين اقتراح إصلاحات قانونية تهدف إلى تبسيط الإجراءات الجمركية، وتعزيز التجارة البينية الإفريقية، مما يسهم في خلق فضاء اقتصادي أكثر تكاملًا.

وفي إطار تعزيز التنسيق البرلماني الإفريقي، جاء "إعلان الرباط" كلحظة تاريخية في مسار هذا المشروع الضخم، بدعوة صريحة إلى تأسيس شبكة برلمانية إفريقية أطلسية، كآلية محورية لضمان التشاور المستمر بين البرلمانات الوطنية للدول المعنية.

ومن المؤكد أن هذه الشبكة ستعمل على توحيد الجهود البرلمانية لدعم المبادرة، وتعزيز التعاون الإقليمي، والتنسيق حول القضايا الاستراتيجية، مثل الأمن البحري، والتجارة، والطاقة، والبنية التحتية. كما أنها ستمكّن من تعزيز الترافع والتواصل الدولي، عبر تنسيق مواقف البرلمانات الإفريقية في المحافل الدولية، مما يعزز قدرة القارة على الدفاع عن مصالحها المشتركة.

وتنسجم هذه الجهود البرلمانية مع التوجه الملكي الهادف إلى تعزيز التعاون جنوب-جنوب، حيث يمكن للبرلمانيين المساهمة في إرساء شراكات اقتصادية وتجارية بين الدول الأطلسية، مما يسهم في خلق فضاء اقتصادي أكثر تكاملًا. كما أن دعم تكامل المبادرة مع المشاريع القارية الكبرى، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية ومشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، سيمكن بكل تأكيد من تعزيز الترابط الاقتصادي بين دول القارة، وفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة.
ولا يقتصر دور البرلمانيين على الترويج والتشريع فقط، بل يمتد إلى ضمان استدامة المبادرة عبر آليات المتابعة والتقييم. فمن خلال مراقبة تنفيذ المشاريع وتقييم أثرها، يمكنهم التأكد من تحقيق الأهداف المرجوة، واقتراح حلول للتحديات التي قد تعترض تنفيذها. كما يمكنهم المساهمة في إعداد دراسات وتقارير دورية لرصد التقدم المحرز وتقديم آليات تصحيحية عند الحاجة، مما يضمن استمرارية المشاريع وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

ويبرز الدور البرلماني كعنصر أساسي في إنجاح المبادرة الأطلسية التي تعكس الرؤية الطموحة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. فالمبادرة ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل هي رؤية متكاملة تهدف إلى جعل إفريقيا قوة اقتصادية وسياسية مستقلة، قادرة على استثمار مواردها بما يخدم مصالح شعوبها. كما أنها تؤسس لشراكات عادلة ومتوازنة تضمن التنمية المستدامة وتعزز استقرار القارة عبر مشاريع استراتيجية طويلة الأمد.

إن هذه المبادرة تنسجم مع الرؤية الملكية التي تؤكد على ضرورة اعتماد إفريقيا على إمكاناتها الذاتية، حيث قال جلالته في هذا الشأن: "إِن إفريقيا قارة كبيرة، بقواها الحية وبمواردها وإمكاناتها. فعليها أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية. ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة. لذا، فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا". ويعكس هذا التوجه إرادة قوية لجعل القارة أكثر استقلالية، من خلال استغلال مواردها بطرق مبتكرة وعادلة، تضمن لشعوبها الاستفادة المباشرة من ثرواتها.

إن انخراط البرلمانيين بفعالية في دعم المبادرة الأطلسية يشكل ضمانة حقيقية لنجاحها واستمراريتها على المدى البعيد. ومن خلال التشريع، والترافع الدولي، والتنسيق المشترك، يمكنهم تحويل أهداف المبادرة إلى مشاريع ملموسة تعزز التنمية المستدامة، وتكرّس التكامل الإقليمي داخل الفضاء الأطلسي.

وفي هذا الإطار، يمثل تأسيس شبكة برلمانية إفريقية أطلسية خطوة استراتيجية نحو تحقيق هذه الرؤية، وجعل الفضاء الأطلسي نموذجًا ناجحًا للتعاون جنوب-جنوب، بما يسهم في بناء إفريقيا الجديدة، أكثر قوة واستقلالية في عالم متغير. وسريع التحول.

مصطفى عنترة، باحث جامعي