السبت 8 فبراير 2025
كتاب الرأي

الدكتور أنور الشرقاوي: الأطباء والمرضى والأجهزة الذكية.. عندما تطرق التكنولوجيا باب العيادة الطبية 

الدكتور أنور الشرقاوي: الأطباء والمرضى والأجهزة الذكية.. عندما تطرق التكنولوجيا باب العيادة الطبية  الدكتور أنور الشرقاوي
في زمن الساعات الذكية، وأجهزة قياس الضغط المتصلة، والتطبيقات الطبية المتقدمة، أصبح الإنسان أكثر قدرة على مراقبة صحته بلمسة إصبع. 
ولكن، هل هذا التطور يبشّر بعهد جديد من الطب الدقيق والشخصي، أم أنه ينذر بعلاقة طبية باردة، يخفت فيها صوت الإنسان وسط ضجيج الأرقام والرسوم البيانية؟
 
 المريض ... من متلقٍ سلبي إلى شريك في القرار 
كان المشهد في الماضي واضحًا: الطبيب هو صاحب المعرفة، والمريض مستمع يثق ويطيع. 
أما اليوم، فقد تغيرت المعادلة.
 فبفضل الأجهزة الذكية، صار المريض راصدًا لمؤشرات جسده، متتبعًا لضغط دمه ونبضات قلبه، بل وأحيانًا، محللًا ومفسرًا لبياناته الصحية.
لم يعد المريض ذلك الزائر الذي يسلم أمره للطبيب، بل بات شريكًا يملك أرقامًا قد يراها أدلة، فيناقش، ويسأل، بل وربما يجادل ويعترض!
 لكن، هل في ذلك تعزيز للاستقلالية أم فوضى معرفية تهدد التوازن؟
 
 "دكتور غوغل"... ولكن بقوة عشرة !
المعرفة قوة، لكنها قد تكون عبئًا حين تكون غير مكتملة أو غير مفهومة. 
فكم من مريض أُصيب بالهلع لأنه قرأ تحليلًا خاطئًا لمؤشراته الصحية؟ 
وكم من شخص ألقى بنفسه في دوامة القلق لأن تطبيقًا أطلق إنذارًا مبالغًا فيه؟
هنا، يتحول دور الطبيب من مجرد معالج إلى مرشد، عليه أن يهدّئ مخاوف المريض، ويوجه فهمه، ويضع المعلومات في سياقها الصحيح. 
ولكنه دور يستهلك وقتًا وجهدًا لم يكن في حسبان الطب التقليدي.
 
هل تعزز الأجهزة الذكية الثقة بين الطبيب والمريض أم تهزّها ؟
لا شك أن المتابعة الدقيقة للحالة الصحية تمنح المريض إحساسًا بالأمان. 
فمريض السكري الذي يراقب نسبة السكر لديه أولًا بأول، أو مريض الضغط الذي يتابع تغيرات حالته، يشعرون بالسيطرة على صحتهم.
 وهذا قد يعزز الثقة بين الطبيب والمريض، إذ يصبح العلاج أكثر دقة وفعالية.
لكن ماذا لو بدأ المريض يثق في جهازه أكثر من طبيبه؟ 
ماذا لو أصبح القرار الطبي محكومًا ببرمجيات وخوارزميات؟
 هل سنصل إلى زمن يُستغنى فيه عن حدس الطبيب، عن لمساته، عن خبرته الطويلة في قراءة الأعراض بما هو أبعد من الأرقام؟
الخطر هنا أن يتحول الطب من علمٍ إنساني، قائم على العلاقة والثقة، إلى معادلات جافة، تخلو من المشاعر والإحساس، حيث تصبح الاستشارة الطبية مجرد مراجعة بيانات بدلاً من لقاء إنساني يُخفّف من معاناة المرضى.
 
 طب المستقبل... ولكن لمن؟ 
هنا تبرز إشكالية كبرى: هل هذه الثورة الرقمية متاحة للجميع؟
الأجهزة الذكية ليست مجانية، وتتطلب اتصالًا مستقرًا بالإنترنت ومعرفة تقنية لا يمتلكها الجميع.
 الفجوة الرقمية التي تفصل بين الأغنياء والفقراء، وبين من يعيشون في المدن ومن يسكنون القرى، قد تتسع أكثر فأكثر.
بينما يتمتع بعض المرضى برفاهية المراقبة المستمرة لصحتهم، يجد آخرون صعوبة حتى في الحصول على موعد مع طبيب. 
فهل سيصبح الطب الحديث حكرًا على نخبة معينة، بينما يُترك الآخرون في الهامش؟
 
 الطبيب وسط طوفان البيانات... كيف يواجه التحدي ؟
تولد الأجهزة الذكية كمًا هائلًا من المعلومات، ولكن كيف يتعامل الطبيب مع هذا السيل المتدفق؟
كيف يفرز البيانات؟
 ليست كل الأرقام دقيقة أو مفيدة، وبعضها قد يكون مضللاً.
كيف يدير وقته؟
 هل يُطلب منه تحليل كل تقرير يرسله المريض؟ 
هذا قد يحوّل الاستشارة الطبية إلى وظيفة تحليل بيانات!
المسؤولية القانونية؟ ماذا لو أغفل الطبيب مؤشرًا أطلقه الجهاز؟
 هل يُعتبر إهمالًا طبيًا؟
هذه الأسئلة تضع الأطباء أمام تحدٍ جديد: كيف يوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا دون أن يصبح أسيرًا لها؟
 
 بين العلم والإنسانية... كيف نحافظ على التوازن ؟
التكنولوجيا في الطب ليست عدوًا، بل هي أداة عظيمة إذا أُحسن استخدامها. 
ولكن الطب لم يكن يومًا مجرد علم... إنه فن، إنه لمسة، إنه علاقة قائمة على الثقة والإنصات والفهم العميق لما وراء الأرقام.
ففي النهاية، لا الشاشات ولا التطبيقات ولا الخوارزميات تستطيع أن تمسح دمعة قلق، أو أن تمنح المريض ذلك الشعور العميق بالطمأنينة الذي لا يجيده إلا طبيب يعرف أن العلاج ليس فقط في وصفة، بل في كلمة دافئة، وفي نظرة مليئة بالرحمة والاهتمام.