الأربعاء 5 فبراير 2025
اقتصاد

هذه وصفة ياسين اعليا ليكون للمغرب موطئ قدم في الذكاء الاصطناعي 

هذه وصفة ياسين اعليا ليكون للمغرب موطئ قدم في الذكاء الاصطناعي  ياسين اعليا مع صورة تعبيرية تحاكي شركة ناشئة مغربية في الذكاء الاصطناعي
قال ياسين اعليا، استاذ الاقتصاد وباحث في السياسات العمومية، أن العنصر البشري لعب دوراً مهماً في الصعود المفاجئ لتطبيق الذكاء الاصطناعي "ديب سيك"، حيث أصبحت الصين أكبر منتج للمهندسين والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، متفوقة على الولايات المتحدة منذ سنة 2018.
وأكد اعليا في حوار مع "
أنفاس بريس"، أن التضافر بين التقدم التقني، والعنصر البشري، وتأمين الموارد الأساسية مثل الرقاقات، هو ما أدى إلى هذا التحول الكبير. 
وحول مواكبة التجربة المغربية لهذه التطورات في الاقتصاد العالمي، أوضح محاورنا كيف سيضمن المغرب موطئ قدم في الذكاء الاصطناعي.
 
منذ إطلاق التطبيق الصيني للذكاء الاصطناعي "ديب سيك"، أظهر قدرة تنافسية عالية مقارنة بالنموذج الأمريكي للذكاء الاصطناعي  "شات جي بي تي"، حيث استطاع تقديم أداء متقدم بتكلفة أقل بكثير، كيف تفسر ذلك؟  
التحول الذي شهده سوق الذكاء الاصطناعي ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة جهد استمر لسنوات طويلة من طرف الصينيين من أجل تحسين وضعهم في السوق. يمكن القول إن هذا العمل تطلب جهداً بدأ منذ سنة 2008 مع المؤسس ليانغ وينفانغ، الذي قام بتأسيس أول شركة له سنة 2008، ثم أسس شركة أخرى وصل رأسمالها إلى حوالي 12.3%  سنة 2020، قبل تراجعها بحوالي الثلثين فيما بعد ذلك إثر أزمة كوفيد.

إضافة إلى ذلك، تم التركيز على مراكمة الموارد الأساسية، والمقصود بها الآليات، حيث قام وي فانغ بشراء حوالي عشرة آلاف شريحة متطورة سنة 2022. كما قام أيضاً بشراء رقاقات "آش 800"، وهي رقاقات تحتاجها الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي لإنتاج برامجه. كانت هذه الرقاقات لعدة أشهر غير خاضعة للحظر الذي فرضته إدارة بايدن، واستغل الصينيون هذه الفترة لتأمين احتياجاتهم الأساسية من الناحية التقنية، مما أدى إلى تغيير طريقة التعامل مع المعلومات وطرق البحث.
 
في السابق، كانت الأنظمة المعتمدة على الدردشة تعتمد على محركات البحث، إذ تتعامل مع نحو 1.8 تريليون معلومة، ما يتطلب استخدام 16 ألف شريحة بتكلفة 100 مليون دولار. ولكن النظام الذي أصدرته شركة "ديبسيك" في ديسمبر 2024 يحتاج فقط إلى 671 مليار معلومة، أي أقل بكثير من النظام السابق، كما يعتمد على 2048 شريحة فقط مقابل 16 ألف شريحة في السابق. هذا التخفيض في المتطلبات أدى إلى خفض التكلفة إلى 5.6 مليون دولار فقط مقارنة بـ 100 مليون دولار سابقاً.
 
الفرق الأساسي بين النظامين يكمن في طريقة معالجة المعلومات، حيث يعتمد "شات جي بي تي" على استهداف جميع المعلومات المتاحة، مما يفرض ضغطاً كبيراً على الشرائح التي تقوم بتدقيقها في مدة قصيرة لاستخراج المعلومة المطلوبة. أما نظام "في3"، فيعتمد على خاصية تقنية تستهدف المعلومة مباشرة، مما يقلل الضغط على الرقاقات ويخفض التكلفة.
 
إلى جانب هذه التحولات التقنية، حدث تغيير كبير في مبادئ البحث، حيث أصبحت آليات البحث عن المعلومات متعددة بدلاً من الاعتماد على آلية واحدة، كما هو الحال في "شات جي بي تي 4". وقد لعب العنصر البشري دوراً مهماً في هذا التطور، حيث أصبحت الصين أكبر منتج للمهندسين والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، متفوقة على الولايات المتحدة منذ سنة 2018.
 
في السابق، كان التوجه نحو الجامعات الأمريكية للعمل في هذا المجال، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح المهندسون الصينيون يفضلون البقاء في بلادهم، حيث تقدم لهم شركة "ديبسيك" أعلى الرواتب في السوق. إضافة إلى ذلك، قدمت الدولة دعماً كبيراً لهذا القطاع من خلال إنشاء حوالي 2000 تخصص جديد في مجال الذكاء الاصطناعي في الجامعات الصينية، مما أدى إلى وفرة في اليد العاملة، حيث يمثل الصينيون حالياً 50% من خريجي هذا المجال.
 
هذا التضافر بين التقدم التقني، والعنصر البشري، وتأمين الموارد الأساسية مثل الرقاقات، هو ما أدى إلى هذا التحول الكبير. ومع ذلك، لا يمكن القول إن هذا التطور سيؤدي إلى نهاية الشركات الكبرى في وادي السيليكون بالولايات المتحدة الأمريكية، بل هو طفرة نوعية تفتح الباب لمزيد من التنافسية في سوق قوية تحتاج إلى المزيد من التحليل والدعم للراغبين في إيجاد موطئ قدم فيها.
 
ماهي قراءتك للصراع التكنولوجي الصيني الأمريكي، كيف تفسر انزعاج الإدارة الامريكية من الشركات التكنولوجية الصينية هواوي، تيك توك..؟
ما وقع من خلال ولوج "ديب سيك" هذه السوق وفتحها الموارد للجميع بدون مقابل، أدى إلى هذه الرجّة والخسارة التي تجاوزت ألف مليار دولار خلال يوم واحد. تكبدت منها شركة "إنفيديا" الأمريكية خسارة تجاوزت 589 مليار دولار في قيمتها السوقية في بورصة القيم.
 
هذه الخسائر وهذا التحول أعطيا إشارات، بالإضافة إلى الهواتف الذكية التي أصدرتها "هواوي" الصينية، والتي تضاهي في أدائها هواتف "آبل" المعروفة بـ"آيفون" من حيث التقنية، على الرغم من الحظر المفروض على الصين في مجال الرقاقات، حيث تُمنع الصين من الحصول على رقاقات من فئة 3 أو 2 نانومتر، كما يُحظر عليها إنتاجها أو تطوير تقنياتها، وأيضًا اقتناء المعدات والآلات اللازمة لهذه الصناعة.
 
رغم ذلك، تقدم الصين رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن العقوبات المفروضة عليها غير كافية، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال وقف التقدم المستمر للصين في مجال التكنولوجيا أو منعها من التمكن من هذه التقنيات في المستقبل. وربما تدفع هذه المنافسة الولايات المتحدة إلى مزيد من السعي لتطوير التكنولوجيا وتعزيز موقعها في هذا المجال، بالإضافة إلى الدفاع عن مكانتها أمام الصين كمنافس رئيسي، وضمان قوة هذا القطاع الحيوي بالنسبة لها، بما يضمن استمرار الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
 
هذا السباق في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات يعكس مدى أهمية هذه القطاعات، خاصة مع ارتباطها بصناعات أخرى، مثل الصناعات الدفاعية وصناعة الأسلحة. الصراع الحالي حول التكنولوجيا، خصوصًا الذكاء الاصطناعي، يشير إلى حرب تكنولوجية مستمرة، وهو ما يؤكده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي شدد على عزمه مواصلة المواجهة مع الصين، التي يعتبرها العدو الأول للولايات المتحدة، والمهدد الأكبر لاستقرارها كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم.

ماهي الخطوات الممكنة ليستفيد المغرب من تطوير صناعة ذكية، كصناعة الرقائق وأشباه الموصلات ضمن منظومة تطوير الذكاء الاصطناعي بالمغرب؟
التجربة الصينية ليست تجربة بسيطة، بل تمثل قوة اقتصادية كبيرة جدًا وقوية، حيث استثمرت بشكل واسع في مجال البحث العلمي، وتطوير التقنيات والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التكوين وتنمية الكفاءات البشرية على مدى سنوات طويلة. كما ركزت أيضًا على الصناعة الحديثة، مما أدى إلى تراكمات كبيرة في هذه المجالات.
 
لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل السيرورة التاريخية لهذا التطور واعتباره حدثًا طارئًا، دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأساسية التي ساهمت في تحقيقه. وبالتالي، فإن الحديث عن إمكانية دخول المغرب لهذا السوق والتأثير فيه بشكل كبير يعد طرحًا مجانب للمنطق للصواب، نظرًا لضعف الإنفاق في مجال البحث العلمي، وكذلك تدني المستوى التعليمي للمواطنين المغاربة بشكل عام.
 
إذ تشير نتائج الإحصاء إلى أن ربع سكان المغرب لا يزالون في حالة أمية، وهو ما لا يتماشى مع الأهداف المرتبطة بتحسين مستوى الولوج إلى التقنيات الحديثة. علاوة على ذلك، يحتاج هذا السوق إلى قاعدة صناعية قوية وهي مجال لا يزال المغرب يتلمس فيها طريقه دون أن يصل إلى مستويات مقبولة، حيث لا تزال قدراته الصناعية ضعيفة جدًا، إلى جانب ضعف مستويات الإنفاق في هذا القطاع.
 
بالتالي، فإن أي حديث عن دور للمغرب حاليًا في هذا المجال يبقى مجرد مزايدة كلامية، حيث يظل دوره مقتصرًا على كونه مستهلكًا لهذه التقنيات، دون القدرة على إنتاجها أو بناء صناعة حقيقية مرتبطة بها.
 
هذا الواقع يدفعنا إلى التساؤل، كما يدعو الفاعلين في السياسات العمومية إلى تحسين مستوى التقنيات والذكاء الاصطناعي في المغرب، مع ضرورة توجيه البحث العلمي نحو هذا المجال، وتعزيز الاهتمام بالعلوم الأساسية، خاصة الرياضيات، التي تشهد تراجعًا كبيرًا في البلاد. دون هذه الخطوات، سيكون من المستحيل تحقيق تقدم في هذا المسار أو ضمان موطئ قدم للمغرب في مستقبل الاقتصاد العالمي.
عبدالله أريري