الأربعاء 5 فبراير 2025
في الصميم

أريري: من وحي الإضراب.. الفاتورة الباهضة للاحتجاج بالمغرب

أريري: من وحي الإضراب.. الفاتورة الباهضة للاحتجاج بالمغرب عبد الرحيم أريري
يومي 5 و6 فبراير 2025 سيخسر المغرب 400 مليون درهم (40 مليار سنتيم) بشكل مجاني بسبب الإضراب العام الذي دعت لخوضه النقابات ضد الحكومة احتجاجا على تدهور المعيشة والغلاء وضد تمرير قانون الإضراب. ففي كل يوم إضراب ستلجأ الدولة إلى التعبئة الأمنية القصوى في كل المدن، عبر تسخير حوالي 200 ألف فرد من القوة العمومية (من شرطة ودرك وقوات مساعدة ووقاية مدنية)، لتأطير هذا الاحتجاج تحسبا لكل انزلاق، خاصة وأن الاحتقان الشعبي بلغ مستويات خطيرة تنذر بكل الاحتمالات تكرارا لما يسبق أن عاشه المغرب من حوادث مماثلة. 
 
تسخير القوة العمومية لا يتم بالمجان، بل له كلفة مالية مرهقة للخزينة العامة بالنظر إلى أن كل فرد من أفراد القوة العمومية يكلف في اليوم الواحد حوالي 1000 درهم (تتضمن المنحة التي تصرف له عن التكليف بمهمة، محروقات، لوجيستيك، مواصلات سلكية، استقدام التعزيزات مع ما سيتتبع ذلك من ساندويتشات وغير ذلك...).

بما أن هناك تسخيرا للقوة العمومية بكل المدن، بمختلف تشكيلاتها قد يصل إلى تعبئة 200 ألف فرد، فمعنى ذلك أن كل يوم إضراب سيكلف حوالي 200 مليون درهم، أي في المجموع 400 مليون درهم. 
 
طبعا، لم نستحضر الكلفة المادية التي يتكبدها المغرب بفعل الشلل الذي يطال القطاعات الإنتاجية بفعل الإضراب، ولم نستحضر الكلفه الرمزية والمعنوية المسيئة للمغرب، كبلد يعج بالتوترات والقلاقل الاجتماعية وانسداد الآفاق. إذ لو أدمجنا هذه المتغيرات فبالتأكيد سنصل إلى أرقام فلكية مرعبة.
 
الدرس المستخلص من سرد هذه الأرقام الناجمة عن إنهاك الخزينة العامة بإنفاق 400 مليون درهم لتسخير القوة العمومية خلال الإضراب العام، يتمثل في أن النخبة السياسية التي تدبر الشأن العام بالمغرب، أضحت هي مصدر قلاقل ومصدر إشعال الفتنة. فالسياسي في دول العالم المتمدن يحرص على أن يبني الجسور مع أطراف الحقل السياسي (معارضة، نقابات، متضررون، جمعيات، الخ...)، لنزع فتيل التوتر والإبقاء على منافذ «منين يدوز  فيها الماء»، بينما في المغرب، لوحظ أن كل من تعاقب على تدبير الشأن العام في الحكومة منذ اعتماد دستور 2011 إلى اليوم، يغيب هذا المعطى ويحول المغرب إلى ساحة احتجاج ومظاهرات وإضرابات. وهو ما سبق أن بيناه بالحجة في مناسبات سابقة. لدرجة أن ما ينفقه المغرب لتأطير الاحتجاجات وتسخير القوة العمومية يشكل في أحايين كثيرة نصف المبلغ المخصص للمرفق أو المطلب الذي تسبب في إخراج الناس للشارع للتظاهر أو لخوض الإضراب. 

وحسبنا هنا الاستشهاد بالمثال البارز الذي سبق أن عاشه المغرب في أحداث الحسيمه عام 2017، إذ خسر المغرب آنذاك حوالي 2.4 مليار درهم (240 مليار سنتيم) لإخماد مظاهرات الحسيمة، علما أن كلفه المشاريع المعطلة آنذاك في إطار برنامج «منارة الحسيمة» بلغت مجتمعة 6 ملايير درهم!! أي أن المغرب لم يخسر فقط تعطيل مشاريع بالحسيمة قادت المتضررين إلى الاحتجاج طوال 7 أشهر وما يزيد، بل وتسببت في إهدار ثلث الاعتماد المالي عبر «صب 240 مليار سنتيم في الرملة»!..
 
إن المنحنى الذي أخذه المغرب في تنامي الظاهرة الاحتجاجية وكثرة الإضرابات (العامة والقطاعية)، يتطلب من عقلاء البلد التدخل لوضع حد لهذا النزيف، لما يمثله هذا السلوك من تشويه صورة البلد وجعل المغرب منفرا ( بضم الميم وكسر الفاء) للمستثمر وللسائح من جهة، وإهدار موارد الخزينة العامة في «الخوا الخاوي» من جهه ثانية، وإنهاك القوة العمومية في أمور ليست من صميم عملها اليومي من جهة ثالثة، على اعتبار أن شرط وجود القوة العمومية هو حماية أمن المغاربة وأمن ممتلكاتهم، ونشر أفراد القوة العمومية في الأسواق والقيساريات، والمواقع التجارية الجاذبة والمواقع السياحية المهمة، وليس تسخيرهم للتغطية على فشل رجل السياسية في تدبير الشأن العام.