الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

مروان الوناس: مرحلة ما بعد بوتفليقة مفتوحة على خيار التوريث

مروان الوناس: مرحلة ما بعد بوتفليقة مفتوحة على خيار التوريث

يرى مروان الوناس، كاتب صحافي جزائري، أن ما يقوم به النظام الجزائري من رفض للتغيير إنما هو في الحقيقة تأجيل له وتأخير، لا سيما مع دخول أغلب دول الربيع العربي نفق الفوضى، مؤكدا أن المعارضة الجزائرية ضعفت ولم تعد تمتلك أية جاذبية في الشارع.

- المشهد السياسي في الجزائر تتجاذبه اليوم قوتان: قوة تدعو إلى التغيير وتناشد الديمقراطية والانفتاح، وقوة تريد تكريس الوضع والمحافظة على حالة السكون التي يتميز بها الوضع السياسي، كيف تقارب هذه المفارقة؟

+ النظام الجزائري لا يرى التغيير ضرورة، بل يعتقد أنه ليس بحاجة إلى أي تغيير خاصة بعدما تمكن من تجاوز رياح الربيع العربي، من خلال سياسة الترقيع وذر الرماد في العيون، حيث أطلق مشاورات في 2011 أنهاها بإصدار مجموعة من قوانين الإصلاح السياسي، اتضح في الأخير أنها فارغة وخاوية من كل معاني التغيير والإصلاح، عكس ما كانت تأمله قوى المعارضة. وقد كرس ذلك أكثر بإجراء انتخابات برلمانية ومحلية في 2012 أعطت الهيمنة والسيطرة لحزبي النظام جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.

كما أن النظام تمكن من استغلال مداخيل المحروقات المرتفعة وانتفاخ خزينة الدولة و«البحبوحة» المالية في تطبيق سياسة شراء السلم المدني كما يسمى في الجزائر، من خلال احتواء نار الاحتجاجات الفئوية والقطاعية برفع الأجور وتقديم المنح والقروض بطريقة رأى فيها الكثير من خبراء الاقتصاد أنها تشكل عبئا وخطرا على المستقبل الاقتصادي للجزائر، و تجعلها تسقط فيما هو أشنع مما سبق.

ما يقوم به النظام حاليا من رفض للتغيير إنما هو في الحقيقة تأجيل له وتأخير، وسيستمر في هذا طالما امتلك الإمكانات المالية لتلبية المطالب الشعبية في جانبها الاجتماعي. ومع دخول أغلب دول الربيع العربي نفق الفوضى انتعشت حظوظ النظام في رفض التغيير، حيث استخدم هذا الواقع العربي للتخويف من مآلات أي تغيير، وبدأ في تذكير الشعب بما عاناه من حرب واقتتال بعد انتخابات 91 التي فاز بها الإسلاميون وألغاها الجيش. هذا يعني أن النظام تمكن من استغلال عامل الوقت في تخويف الناس، وفي ربط أي تغيير بالفوضى بالاستناد لما يجري في ليبيا وسوريا مثلا.

والمشكلة أن المعارضة نفسها في الجزائر ضعفت كثيرا في السنوات 15 سنة الأخيرة، ولم تعد تملك أية جاذبية في الشارع لأسباب كثيرة، أقلها انقسامها وتشرذمها وتورط الكثير منها في مراحل معينة مع النظام من خلال المشاركة في الحكومات.

- هناك اتجاه عام في الجزائر يدعو إلى تدخل الجيش لرفع الخطر عن الجزائر، ما سبب هذه الدعوة مع العلم أن التغيير في الجزائر على مر التاريخ تحكمت فيه لغة الانقلابات؟

+ المؤسسة العسكرية في الجزائر تاريخيا كان لها دور كبير في بناء الدولة ولم تكن أبدا بعيدة عن تسيير الدولة، وهذه حقائق لا يمكن إنكارها في بلد تحرر بالقوة العسكرية من الاحتلال الفرنسي. وعلى مدى خمسين سنة الماضية كان الجيش هو صاحب القرار: في 1962 عندما اختلف الفرقاء على الحكم، فجاء جيش الحدود وحسمها، ثم في انقلاب هواري بومدين على بن بلة عام 1965، ثم في حسم الجيش للصراع على خلافة الرئيس بومدين عام 1979، ثم في إجباره الرئيس الشاذلي بن جديد على التخلي عن الرئاسة عندما اعترض على إلغاء الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992.. لكن منذ مجيء الرئيس بوتفليقة عمل على تحييد هذه المؤسسة ما أمكن وإخراجها من دائرة التدخل المباشر في صناعة القرار السياسي وتقليص النفوذ السياسي لقادتها الذين عززوه طيلة سنوات محاربة الإرهاب. وقد تحقق له ذلك وأصبح بعد 15 سنة قضاها حتى الآن في الحكم هو الآمر الناهي، وقيادة الجيش تدين له بالولاء بعد سلسلة تغييرات قام بها على مر السنوات الماضية. ولا وجود -حاليا- لمن يدعو إلى تدخل الجيش لتحقيق التغيير، بل هناك نقاشا عاما حول دور الجيش في أي تغيير قادم، وفي المرحلة الانتقالية التي تطالب بها مثلا أحزاب تنسيقية الانتقال الديمقراطي.

ولعل الموقف الأبرز هنا هو لرئيس الحكومة السابق مولود حمروش أو رجل الإصلاح، كما يسمى، الذي يطالب بأن يكون الجيش طرفا ضامنا لأي انتقال ديمقراطي في الجزائر، يعني شريكا وقابلا لأي عملية تغيير، بينما ترى المعارضة الأخرى أن الجيش يجب أن يبقى بعيدا عن السياسة، رغم أن الواقع يؤكد أن أي تغيير سياسي في الجزائر لا يمكن أن يتم بدون موافقة الجيش أو تدخل منه، ومن يرى غير ذلك إنما يكذب على الحقيقة ويتجنى عليها. كما أن المطالبين بدور للجيش في عملية التغيير هدفهم أيضا إعادة التوازن المفقود بين رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية بعدما استحوذت الأولى تماما على القرار في البلاد.

- أي مستقبل للجزائر في ظل ما أصبح يعرف بنظام "الحكم بالوكالة"؟

+ دستوريا ليس هناك أي شيء اسمه حكم بالوكالة، وإنما هذا توصيف أطلقه معارضو نظام الرئيس بوتفليقة، في إشارة إلى أن رئيس الجمهورية يوجد في حالة صحية لا تسمح له بممارسة مهامه، فيقوم بتوكيل وزراء ومسؤولين كبار للقيام ببعض مهامه، مثلما يعني هذا التوصيف أن محيط الرئيس بوتفليقة هو من صار يحكم ويقرر نيابة عنه. والتلميح هنا واضح وجلي، والأصابع تتجه إلى الشقيق الأصغر سعيد بوتفليقة الذي يملك صفة مستشار برئاسة الجمهورية.

التحذيرات من خطورة هذا الوضع بدأت قبل فوز الرئيس بوتفليقة بولاية رابعة في أبريل الماضي، حيث طالب البعض بتطبيق المادة الدستورية التي تنص على شغور منصب الرئاسة في حالة العجز عن أداء المهام. ولأن النظام استقوى، لعدة عوامل ذكرناها سابقا، لم يصغ لهذه الأصوات التي تعتقد أن الجزائر بهذا الشكل تتجه نحو الهاوية لا قدر الله، لأن البلد بحاجة إلى رئيس قوي جاهز قادر على الحضور الذهني والبدني في كل وقت، ويمكن أن يخاطب شعبه في كل مناسبة، وينزل إلى الناس ويرى المدن والشوارع. لكن كل هذا غير موجود ما يعني تعريض مستقبل البلاد للخطر لا قدر الله.

- كيف ترى الجزائر في ما بعد بوتفليقة، و ما هي السيناريوهات المحتملة لجزائر ما بعد بوتفليقة ؟

+ يمكن للرئيس بوتفليقة ولمحيطه أن ينقذ البلاد من كل الاحتمالات السيئة، إذا ما أصغوا إلى الأصوات الهادئة التي تدعو إلى تغيير هادئ وسلمي وسلس، لأن الجميع اليوم أمام مرحلة تاريخية كي يحققوا هذا الانتقال طالما أن الجزائر بعيدة عن الفوضى وتنعم بالاستقرار في إقليم مضطرب. ولن يحصل هذا إلا إذا توافق النظام مع كل القوى السياسية الموجودة في الساحة على أجندة سياسية واحدة تحدد الأولويات بوضوح وترسم ملامح المرحلة القادمة. لكن للأسف النظام الحالي لا يرى أن الجزائر في أزمة، بل يرى أن مشاكل الشرعية فيها محلولة وغير قائمة، ويتهم المعارضين بالسعي لضرب الاستقرار والأمن الذي تنعم به البلاد. وهذا الرفض والصد يعني أن مرحلة ما بعد بوتفليقة مفتوحة على كافة الاحتمالات، منها خيار التوريث وخيار استمرار المنطق ذاته الذي يسير الدولة حاليا، مثلما قد يتحقق التغيير والتحول المنشود نحو الأفضل.

- كيف تنظر لواقع المشاورات بين تنسيقية الانتقال الديمقراطي مع النظام وأحزاب المعارضة؟ وهل ستخرج هذه المشاورات الجزائر من عنق الزجاجة؟

+ أولا، تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي تتشكل من أحزاب إسلامية وعلمانية وديمقراطية رفضت المشاركة في المشاورات السياسية التي نظمتها رئاسة الجمهورية الصيف الماضي حول وثيقة الدستور الجديد التي لم تر النور بعد، وهو ما جعل المشاورات التي قادها أحمد أويحيى، مستشار الرئيس بوتفليقة، تبدو باهتة وفاشلة لغياب قوى المعارضة التي اتهمت النظام بالتلاعب وتضييع المزيد من الوقت، كما أن هذه المشاورات وحول الموضوع ذاته ليست بالجديدة، حيث سبق وجرت مشاورات شبيهة مطلع 2011 عندما كان الربيع العربي يهب بقوة على المنطقة العربية. لكن هذا المرة يبدو أن المعارضة تيقنت أنها لن تلدغ من الجحر مرتين، ففضلت المقاطعة عن المشاركة حتى تحرج النظام الذي استعان بقوى حزبية غير تمثيلية ولا تملك امتدادات في الشارع ولا شخصية سياسية على عكس ما هو الحال بالنسبة لأحزاب تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وبالتالي فإن المشاورات التي جرت قبل أشهر لن تضيف جديدا طالما لم يسبقها توافق بين الطرفين، وحتى المشاورات التي بدأها عميد أحزاب المعارضة الذي لا ينتمي إلى التنسيقية، جبهة القوى الاشتراكية، أعادت إفراز المواقف ذاتها بين المعارضة والنظام، لأن التنسيقية ترى في مسعى حزب جبهة القوى الاشتراكية محاولة لكسر مشروعها الداعي إلى عقد مؤتمر عام يشارك فيه النظام من أجل الذهاب نحو مرحلة انتقالية يعاد فيها بناء كل مؤسسات الدولة ووضع دستور توافقي للجزائر.