الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

الملك ينصف الأغلبية الصامتة ويدعو إلى حوار وطني صريح يعيد النظر جذريا في نمط الحكامة بالصحراء

الملك ينصف الأغلبية الصامتة ويدعو إلى حوار وطني صريح يعيد النظر جذريا في نمط الحكامة بالصحراء

اتسم خطاب الملك محمد السادس الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء بالشفافية المطلقة، ومستعملا لغة بسيطة بمضمون واضح، واهم ما يستشف منه أن البلاد ستعرف تغييرات جوهرية وبداية مرحلة التنزيل الديمقراطي الحقيقي للدستور، عبر التحول من نمط الدولة المركزية الذي قسم المغرب الى مناطق نافعة واخرى غير نافعة، الى مفهوم الدولة الموحدة للجهات ـــ ما عبر عنه الخطاب بمصطلح المغرب الموحد للجهات ـــ وهي الدولة القائمة على مناطق وجهات متضامنة ومتكاملة، وتستثمر التنوع البشري والطبيعي لترسيخ هذا التمازج والتضامن والتكامل، وفي هذا الصدد حدد الخطاب جدولة زمنية في غضون السنة المقبلة للشروع في هذا الورش الاصلاحي الذي سيبدأ بتفعيل الجهوية المتقدمة وإطلاق النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية، ويعتبر هذين المشروعين بداية القطيعة مع نمط التدبير السابق، وأليتسن للديمقراطية المحلية التي ستمكن أبناء الصحراء من المشاركة في تدبير شؤونهم المحلية في ظل الشفافية والمسؤولية وتكافؤ الفرص.

ولعل الجديد الذي جاء به الخطاب هو الاعتراف الصريح بكون نمط التدبير السابق بالصحراء، عرف بعض الاختلالات جعلتها مع توالي السنوات مجالا لاقتصاد الريع وللامتيازات المجانية، وخلق نخبة مصطنعة اعتنقت الابتزاز مذهبا، ومن الريع والامتيازات حقا ثابتا لها.

 وهكذا أفرزت السياسات السابقة ميراثا طويلا من الفساد المالي والسياسي المتراكم خلال العقود الأربعة الماضية، تلاشت معه لحد كبير الحدود الفاصلة بين مؤسسات الدولة وبين مدبري الشأن العام من منتخبين ومعينين، ونجم عنه حجب كامل للشفافية وتقويض لأية مساءلة أو محاسبة قضائية أوسياسية.

ولتجاوز هذا الواقع المتردي وجه الملك دعوة لفتح حوار وطني صريح لمناقشة الأفكار والتصورات المختلفة، بكل مسؤولية والتزام، لبلورة إجابات للقضايا والانشغالات، التي تهم ساكنة الصحراء.

ووضع الملك لهذا الحوار أسس وضوابط أهمها الالتزام بمنهجية علمية تستند على صرامة البحث الأكاديمي في مكونات الهوية لترسيخ الوحدة من جهة، والاعتماد على النقاش العلمي الرصين الذي يتبعد عن التعصب والتفرقة ويسعى إلى التوفيق والتوافق من جهة ثانية.

ويراهن الملك في الحوار المذكور على النخب الجديدة لإنجاح هذا المسار، بحيث أكد على ضرورة إنصافا كل أبناء الصحراء، وبالأخص الأغلبية الصامتة التي تؤمن بوحدة الوطن، وحملها مسؤولية تاريخية في الإسهام في عملية إعادة النظر جذريا في نمط الحكامة  بالأقاليم الجنوبية، وهنا أعتقد أنه يفترض في هذه النخبة أن تضع تصوراتها حول آليات الشفافية والنزاهة وعمليات المحاسبة المتواصلة لأية تجاوزات أو استغلال للسلطة والنفوذ للحصول على امتيازات ريعية، ووضع استراتيجيات للنهوض والنماء برؤية واضحة لتحقيق الكرامة والرفاه والتدبير الرشيد للثروات والعدالة الاجتماعية وفق المعايير العالمية للتنمية الانسانية.