شهد المغرب منذ النصف الثاني من القرن العشرين نمواً ديموغرافياً وتوسعاً عمرانياً كبيراً أدى إلى زيادة الطلب على السكن، مما دفع نحو انتشار السكن العمودي. ورغم إيجابيات هذا النمط من البناء، إلا أنه أفرز عدداً من التحديات المتعلقة بإدارة العيش المشترك، ما دفع إلى إقرار نظام الملكية المشتركة كإطار قانوني يوازن بين حقوق الملاك الفردية والمصلحة العامة للأجزاء المشتركة.
نظام الملكية المشتركة: إطار قانوني ومبدأ للتعايش
يهدف نظام الملكية المشتركة إلى وضع قواعد واضحة لإدارة الأجزاء المشتركة بين السكان. وقد وصفه بعض الباحثين بعقد جماعي يلزم الجميع بضمان حسن التسيير. ورغم أهميته النظرية، يواجه هذا النظام في المغرب تحديات عديدة تُضعف فعاليته، منها الذاتية وتغليب المصالح الشخصية، إضافة إلى التلاعب من قبل بعض المنعشين العقاريين. أبرز التحديات التي تواجه نظام الملكية المشتركة هو التلاعب من طرف عدد من المنعشين العقاريين، الذين يقع على عاتقهم إعداد نظام الملكية المشتركة وتقديمه للمصالح العقارية. إلا أن عدداً منهم لا يلتزم بمقتضياته، كما يتضح من مخالفتهم المادة 11 التي تُلزمهم بتزويد الملاك بنسخة من نظام الملكية المشتركة والتصاميم الهندسية. فلو حرص المنعش على تنفيذ مواد نظام الملكية المشتركة كما يتفانى في تحصيل "النوار" لما وجدنا أنفسنا أمام هذه الفوضى التي تعيشها عدد من المركبات السكنية. في الوقت الذي يصر المنعش العقاري على تأمين مبلغه بكل الطرق بما فيها "النوار" الذي يضر بالعدالة التسويقية للعقار وبخزينة الدولة. إذ أصبح بمثابة اقتصاد مواز يتطلب تدخلا عاجلا للضرب على كل الفاسدين. في هذا الاطار نحيي بعض الملاك الذين وجدوا أنفسهم أمام تلاعب بعض المنعشين العقاريين مضطرين للتقدم ببلاغات للتبليغ عن هذه الظاهرة. إضافة إلى ذلك، يطالب بعض المنعشين المشترين بدفع واجبات اتحاد الملاك أثناء التعاقد، رغم أن ذلك يتعارض مع القانون في غياب جمع عام وانتخاب وكيل قانوني.
العقليات الذاتية: عقبة أمام العيش المشترك
رغم الجهود المبذولة لتحقيق الشفافية في إدارة الملكيات المشتركة، إلا أن بعض الملاك يتعاملون مع هذا النظام بطريقة انتهازية. وسائل التواصل الاجتماعي، التي من المفترض أن تسهم في تعزيز التفاهم والتواصل، أصبحت في بعض الأحيان أداة لتعزيز الخلافات. إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه الاتحاد هي تردد البنوك في فتح حسابات بنكية لاتحاد الملاك بسبب عدم احترام المدد القانونية لتعيين الوكيل، ما يعطل تسيير شؤون السكن المشترك. رغم الجهود المبذولة لضمان الشفافية وتحقيق مصالح الجميع، فإن بعض السكان لا يظهرون دعماً كافياً، بل ينشغلون بإثارة تساؤلات غير بناءة أو تقديم انتقادات دون معرفة تفاصيل العمل المبذول. بل نجد أن عقلية الانقلابات والحلقية وتشكيل التكتلات وكأن الأمر يتعلق بساحة للمبارزة السياسية.
الاستعانة بشركات مهنية: خيار ضروري لتحقيق الشفافية
تفتح المادة 19 من نظام الملكية المشتركة الباب أمام انتخاب شركات مهنية كوكيل لاتحاد الملاك، لضمان الشفافية والنزاهة في إدارة الممتلكات المشتركة. ورغم أهمية هذا الخيار، إلا أنه يواجه رفضاً من بعض السكان الذين يجهلون طبيعة عمل هذه الشركات ويخافون من فقدان السيطرة. وجود شركات مهنية يمكن أن يسهم في تحسين إدارة السكن المشترك، خاصة مع تلاعب بعض المنعشين العقاريين وعدم التزامهم بتسليم الوثائق القانونية اللازمة. ظهور هذه الشركات يستدعي تقييما شاملا وموضوعيا لعملها حتى يتسنى لها الاشتغال في ظروف مريحة بعيدا عن مبدأ "شد لي نقطع ليك". إذ ينبغي عليها تحسين عرضها التواصلي، حتى ينعم الجميع بجوار سلمي.
نحو تعاون فعّال لتحقيق العيش المشترك
يمثل نظام الملكية المشتركة خطوة هامة نحو تعزيز السلم الاجتماعي داخل المجمعات السكنية، لكنه يحتاج إلى تعاون الجميع وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفردية. نجاح هذا النظام يعتمد على احترام القوانين، وتطوير الوعي الجماعي، والابتعاد عن العقليات الانتهازية. بدلاً من التركيز على القضايا الجوهرية، ينشغل بعض السكان بقضايا ثانوية تستهلك وقت وجهد اتحاد الملاك وتؤدي إلى تأخير تحقيق الأهداف. وفي ظل غياب الحوار والتفاهم، يتم اللجوء إلى القضاء، ما يشكل هدراً للزمن القضائي في المغرب. إن تعزيز هذا النظام يستوجب تدخلاً قانونياً ومجتمعياً لضمان تطبيق فعال وعادل، مما يحقق التوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة المشتركة، ويُرسخ ثقافة العيش المشترك وحسن الجوار في المغرب.