الخميس 28 مارس 2024
في الصميم

المنتدى العالمي لحقوق الإنسان ليس نزهة تحت سماء مراكش

المنتدى العالمي لحقوق الإنسان ليس نزهة تحت سماء مراكش

تعتبر استضافة المغرب للدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، الذي ستحتضنها مراكش من 27 إلى 30 نونبر القادم، حدثا أساسيا بكل تأكيد، لما سيكون له من أثر في تاريخ ممارستنا الحقوقية، وفي تفاعلنا الإيجابي مع نداءات والتزامات المنتظم الدولي في هذا المجال. ومع ذلك، فالأمر لا ينبغي أن يقف عند حد التمجيد والاعتداد بالنفس لأن المنتدى سيختبر، مرة أخرى، قدرتنا على التنظيم وإدارة الحوار على الصعيد العالمي. وهذا أمر محسوم بالنظر إلى خبرتنا في احتضان المنتديات الدولية الكبرى. لكن الرهان الحقيقي المنتظر هو مدى قدرتنا على ربح رهانات ما بعد الدورة الثانية لهذا المنتدى الحقوقي المتوقع أن تواصل التداول الذي دشنته دورة البرازيل الأولى في دجنبر 2013، بحضور خمسة آلاف مشارك من المغرب ومن كل بلدان المعمور سيتنادون للمشاركة في حوارات ولقاءات موضوعاتية حول منظومة تفعيل حقوق الانسان في العالم، وتطويرها نحو آفاق أرحب، وذلك بحضور المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وشخصيات حقوقية وازنة وممثلي عدد من الهيئات الدولية الحقوقية الرسمية والمدنية داخل المغرب وخارج المغرب.

وقبل استحضار هذه الرهانات، لا بد من تأكيد أن حظوة المغرب بتنظيم مثل هذا اللقاء العالمي لم تكن تعبيرا عن رغبة حقوقيي العالم في القيام بنزهة سياحية تحت سماء مراكش، لكنها تقدير وتزكية من هؤلاء لحصيلة ما أنجزه المغرب من خطوات، بدءا من قراره الشجاع بدخول مخاضات العدالة الانتقالية، وما ترتب عنها من طي صفحة الانتهاكات الجسيمة خلال سنوات الرصاص التي عرفها المغرب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من خلال إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، وتكوين المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي توسعت صلاحيته بعد تحويله إلى مجلس وطني، ومن خلال مصادقة المغرب على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع، وعمله على ملاءمة نصوصه التشريعية مع الأفق الدولي، وهو ما تمثل بوضوح في الدستور الأخير الذي جعل الانتساب إلى هذا الأفق حقيقة ملموسة تكرست بإقرار إنشاء مؤسسات الحكامة، وتثبيت مبادىء العدالة الاجتماعية والمناصفة ومكافحة كل أشكال الميز، وما رافق ذلك من إحداث المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان لتكون المخاطب الرسمي مع الآليات الأممية في التقارير والمعاهدات ذات الصلة بحقوق الإنسان. ومعنى ذلك أن كل هذا المنجز قد أهل المغرب إلى أن يكون جديرا بمواجهة كل التحديات والرهانات التي يطرحها علينا عقد هذا المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، على اعتبار أن المغرب قد صار مجالا نديا، متفاعلا مع العالم في تكريس منظومة حقوق الإنسان وبلورتها على مستوى التنظير والتتنزيل:

ـ الرهان الأول يتمثل في ضرورة سعي المغرب إلى أن يقوي في محطة مراكش مكانته الندية في مخاطبة العالم، بدل أن يبقى محصورا في تقمص دور المتلقي الذي ينتظر إملاءات الآخر، وهو ما لن يتحقق سوى بمواصلة خطاه في تجذير ممارسته الحقوقية، وإنجاح بنيانه الديمقراطي، والثقة في مساره وفي مدى قدرته على أن يسمح لمنتدى مراكش بانبثاق أصوات حقوقية مغربية جديدة تكون لها كلمتها في المنتديات العالمية الحقوقية المماثلة، مثلما صار لنا ذلك على مستوى المنتديات الاجتماعية، بدءا من محطة بورتو أليغري إلى اليوم، أي أن يصبح المغرب بتلك الأصوات الجديدة، المتولدة من رحم التحول المغربي، اسما حركيا فاعلا في المنتظم الحقوقي الدولي.

- الرهان الثاني: استثمار تنظيمنا لمنتدى مراكش من أجل تعميق مواصلة النقاش الكوني حول أهداف الألفية الخاصة بالتنمية ، والتي كان الملك قد التزم أمام أنظار العالم في قمة نيويورك من كون المغرب متمسك بالألفية وتقديم الحصيلة في عام 2015. وضمن ذلك تفعيل البعد الأممي في أهداف الألفية الذي نص على التزامات كثيرة وحيوية، ومن ذلك الربط الجدلي بين فكرة التنمية وحقوق الإنسان، بما يجعل كل مشاريع التنمية ليست فقط منة على الفقراء أو ذوي الاحتياجات الخاصة مثلا، ولكن كحصيلة شراكة تجعل لهؤلاء الفقراء وهؤلاء المعاقين حق المساهمة فعليا في الحد من أثار الجشع والحيف الاجتماعي والطبقي بالبلاد.

- الرهان الثالث: هو ضرورة نجاح المغرب في تمثل باقي أبعاد النقاش الكوني حول الجيل الجديد لحقوق الإنسان، خاصة مبدإ المناصفة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، أو ما يتعلق بإنجاح سبل الشراكة التي تربطنا بمحيطنا الإقليمي والدولي، خاصة ما يهم مبادرة 5/5 التي نشترك فيها مع دول المتوسط: ايطاليا، فرنسا، اسبانيا، البرتغال ومالطا، إلى جانب المغرب وباقي بلدان الاتحاد المغاربي الأربعة. وهو الإطار الذي تقدم فيه المغرب بنجاعة، سواء من خلال اعتماده إجراءات إنسانية عميقة للحد من الآثار السلبية للهجرات غير الشرعية، أو من خلال تبنيه لسياسة استباقية وقائية ذات بعد حقوقي تسمح بإدماج الأفارقة، وغيرهم من المهاجرين ضمن نسيجه الاجتماعي، إضافة إلى الانشغال الكوني بقضايا المناخ والماء.

إن انعقاد منتدى مراكش العالمي تشريف مؤكد لبلادنا وهي قيد التحول والبناء، لكنه كذلك تكليف حقيقي بضرورة الاستثمار في الحاضر والمستقبل. ومن ثم فنجاحنا في التنظيم، وفي القدرة على التفاعل مع الحاضرين بقوة الفكرة وطاقة الاقتراح، وفي التجاوب مع مقررات هذا المنتدى هو نجاح للمغرب الناهض، القوى بنسيجه الديمقراطي، ومنظومته المفتوحة على المستقبل ودينامية جمعياته. كما هو نجاح لموقعنا الإقليمي بالقوة والفعل.

الاعتبارات الجيو ستراتيجية والعلاقات الدينامية مع الجوار هي التي بوأتنا هذه المكانة، وهي التي تقترح علينا اليوم، دورا حيويا جديدا في المساهمة في إعادة تشكيل عالم عادل مؤنس متجاوب مع رسالة المغرب، ومع حاجة هذا العالم إلى الاستقرار والسلم وإنجاح الحلم الديموقراطي لفائدة الإنسانية جمعاء.