خصص الكاتب والإعلامي عبدالإله التهاني حلقة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية بالرباط، للحديث حول الجوانب الفكرية والادبية في شخصية السلطان العلوي المولى عبد الحفيظ .
■ من إبن تومرت الموحدي إلى المولى عبدالحفيظ العلوي:
■ من إبن تومرت الموحدي إلى المولى عبدالحفيظ العلوي:
استهل الأستاذ عبدالإله التهاني حديثه ، بالإشارة إلى أنه في أغلب الأسر التي تعاقبت على حكم المغرب، برز سلاطين وأمراء ، قيّض الله لهم أن يجمعوا بين مجد الملك ونعمة العلم، مع النبوغ فيه.
وأكد أن هذه القاعدة تنطبق على التاريخ السياسي والعلمي للمغرب، منذ المرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين ، وصولا إلى عهد الدولة العلوية. واكتفى في هذا السياق، بتقديم مثال واحد يعود إلى فترة قديمة من تاريخ المغرب، يجسده المهدي بن تومرت، الذي الذي كان عالما كبيرا، يناظر ويساجل ويفحم علماء الدولة المرابطية في مراكش.
وأضاف بأن الصفة العلمية لابن تومرت ، هي التي أسعفته في إطلاق الدعوة الموحدية ، وما تلاها من تأسيس دولة الموحدين، التي صعدت في أعقاب تراجع نفوذ دولة المرابطين.
وانتقل الأستاذ عبد الإله التهاني إلى تقديم مثال من التاريخ الحديث للمغرب، يجسد إحدى حالات النبوغ العلمي للأمراء والسلاطين في العصر العلوي، وتحديدا حالة السلطان المولى عبد الحفيظ.
ولاحظ أن شخصيته كسلطان ، ربما تكون غطت على شخصيته، كعالم ولغوي وشاعر لامع، ومثقف موسوعي، ترك رصيدا معتبرا من التآليف، متنوعة الموضوعات .
■ سيرة ببليوغرافية غير مسبوقة:
واستطرد الأستاذ عبدالإله التهاني قائلا ، بأن الله قيض لهذا السلطان العالم ، من يجمع ما تفرق من سيرته العلمية وإنتاجاته الادبية والفقهية، وذلك ما يتجلى في العمل التوثيقي الضخم، الذي قام به الباحث الدكتور عبد المجيد خيالي، حيث أنجز وأصدر ببليوغرافيا شاملة عن سيرة هذا السلطان في مضمار العلم والأدب، سماها : "السيرة الببليوغرافية للسلطان المولى عبد الحفيظ بن الحسن العلوي"، وهي تقع في 689 صفحة من الحجم المتوسط، حيث صدرت بتقديم الباحث الدكتور أحمد شوقي بينبين، مدير الخزانة الحسنية بالرباط.
وأوضح أن الدكتور عبدالمجيد خيالي ، وهو ينجز هذه الببليوغرافيا ، قد سلك منهجا متكاملا في التعريف بالأبعاد الفكرية والأدبية لهذا السلطان العلوي، والذي عرف بنبوغه وتفوقه العلمي ، منذ أن كان أميرا في عهد والده السلطان المولى الحسن الأول، من خلال استحضار التفاصيل المتعلقة به، كنسبه وولادته، ونشأته وتكوينه العلمي ، ووظيفته قبل بيعته، وصولا إلى توليه الحكم، مع إشارة الببليوغرافيا إلى وزراء حكومته، ثم توقيعه في ظروف حرجة معروفة على معاهدة الحماية الفرنسية سنة 1912، ونهاية فترة حكمه ، قبل وفاته رحمه الله عام 1937.
وأضاف بأن الباحث الدكتور عبد المجيد خيالي، قد أورد في هذه الببليوغرافيا، العديد من الوثائق، ومنها وثائق البيعات المتعددة للسلطان المولى عبد الحفيظ، من طرف أعيان وعلماء الحواضر والقبائل المغربية، وأهل الحل والعقد فيها، فضلا عن إدراجه مراسلات السلطان عبد الحفيظ، وصلاته بالعلماء والصلحاء، وإجازاته العلمية التي حصل عليها خلال دراسته.
كما أشار إلى أن الباحث عبد المجيد خيالي ، قد نشر ضمن هذا الكتاب الضخم والأنيق، صورا للعديد من تآليف السلطان العالم المولى عبد الحفيظ ، سواء منها المطبوعة أو المخطوطة، مع إثبات نماذج
من بعض رسائله بخط يده، وكذا مختارات من قصائده الشعرية، سواء منها الفصيحة أو الزجلية.
■ تكوينه ودراسته :
وخلال استعراضه لمحات من سيرة حياة هذا السلطان العالم الأديب، ذكر معد ومقدم برنامج "مدارات " ، بأن المولى عبد الحفيظ الذي ولد عام 1875، كان قد انتقل من فاس إلى قبيلة أحمر ، قرب مراكش، وذلك سنة 1303 هجرية، قصد متابعة دراسته، بأمر من والده السلطان المولى الحسن الأول.
وفي هذا الصدد ، أضاف الأستاذ التهاني ، أن عددا من سلاطين الدولة العلوية كانوا يبعثون بأبنائهم الأمراء ، إلى المدارس القرآنية في البادية المغربية، ومنها منطقة قبيلة "أحمر"، وذلك قصد تعلم علوم الدين واللغة من جهة، وكذلك ليتأقلموا مع شظف العيش وصعوبته أحيانا، معتبرا أن في ذلك عبرة ورسالة تربوية ، لا تخفى دلالتها في توفير تنشئة جدية وحازمة للأمراء ، من شأنها أن تغني تجاربهم في الحياة ، وفيما ينتظرهم من مهام كبرى .
كما تقوي لديهم طاقة الصبر والتحمل، وتنمي لديهم إرادة التفرغ الكامل ، لتحصيل العلوم على مدار شهور السنة.
واستشهد الأستاذ عبد الإله التهاني ، بما قاله السلطان المولى عبد الحفيظ عن نشأته العلمية، طبقا لما ذكره بنفسه في كتابه "العذب السلسبيل في حل ألفاظ خليل" ، حيث كتب هذا السلطان يقول: "فإني منذ زمن الشباب ، وقلبي مشتاق للعلم وأهله من دوي الألباب، حتى جمعني الله مع كثير من العلماء والأدباء ذوي العقول واللطائف ، وحتى تعلمت ما شاء الله أن أتعلم.
وارتباطا بذلك ، ذكر معد ومقدم البرنامج الإذاعي "مدارات ، اسمي الشيخ أبى يعزى لوليدي ، ثم الشيخ أبي عبيد المسكيني ، وهما من فقهاء فاس ،باعتبارهما أشرفا على تعليم المولى عبدالحفيظ حفظ القرآن الكريم ، قبل أن يدرس علوم اللغة وأصول الفقه، على يد العلامة القاضي سيدي التهامي المكناسي السوسي، وذلك بداية من عام 1307 هجرية، لتتوالى بعد ذلك مراحل رحلته العلمية، واغترافه من معارف كبار علماء المغرب في تلك الفترة من نهاية القرن التاسع عشر .
■ شيوخه وإجازاته :
وبخصوص مساره العلمي، والإجازات التي حصل عليها من شيوخ العلم في زمانه، ذكر الأستاذ عبد الإله التهاني، الإجازات التي نالها المولى عبدالحفيظ، من العالم الكبير محمد بن جعفر الكتاني، والعلامة أحمد بن العياشي سكيرج، والشيخ العلامة الكبير ماء العينين، والعالم الكبير عبد الحي الكتاني.
وإستنادا إلى ماورد في ذات الببليوغرافيا ، أشار إلى عدد من العلماء الذين لقيهم المولى عبدالحفيظ أو استفاد من علومهم ، ومنهم أحمد بلخياط، وعبد الرحمان بن القرشي، والمهدي الوزاني، وأحمد بن المامون البلغيثي، والشريف العراقي، والمهدي بن سودة، والمفضل السوسي، والمفضل بن عزوز، والمعطي السرغيني، والقاضي أحمد بن المدني، ومولاي علي الروداني، وسيدي علي الدمانتي، والفقيه الكبير السباعي، وغيرهم من كبار علماء المغرب في تلك الفترة التاريخية.
■ إضاءات حول السيرة الببليوغرافية للسلطان:
واستحضر الأستاذ عبد الإله التهاني، مقاطع من كلمة التقديم التي كتبها الدكتور أحمد شوقي بنبين، مدير الخزانة الحسنية ، خصيصا لهذه السيرة البيليوغرافية ، حيث أبرز فيها أن الباحث عبدالمجيد خيالي،
قد " انتدب نفسه لنشر أعمال المغاربة ، فقهاء ومحدثين، فأغنى الخزانة المغربية بمجموعة من المؤلفات، كانت إلى حين حبيسة رفوف المكتبات ... وأنه في هذا الإطار، وفي عمق هذا الاهتمام بالتراث العربي في المغرب، ارتأى أن يضع سيرة بيبليوغرافية لأحد علماء المغرب، الذين طبقت شهرتهم الآفاق، بفضل التآليف التي وضعها والكتب التي نشرها، إنه السلطان العالم المولى عبد الحفيظ، الذي لم تلهيه شواغل الخلافة والملك، عن القراءة والتأليف" .
كما استعرض الأستاذ عبدالإله التهاني في نفس السياق ، ما خلص إليه الأستاذ الباحث الدكتور أحمد شوقي بنبين، مدير الخزانة الحسنية ، حين ذكر أن الأستاذ عبدالمجيد خيالي" تمكن من وضع سيرة بيبليوغرافية لهذا السلطان، شملت كل الوثائق التي تهم ثقافته وسياسته وعصره ، وذلك بصبر الباحث وأناة المؤرخ، ودقة الحريص على إبراز الكليات والجزئيات، من حياة أحد السلاطين العلماء" .
كما أدرج الأستاذ عبد الإله التهاني كذلك في سياق حديثه، ما أورده مؤلف الببليوغرافيا في مقدمتها، وهو يشرح مشروعه التوثيقي عن السيرة العلمية لهذا السلطان العلوي ، ولما أنتجه من تآليف غزيرة، حيث أوضح الباحث عبد المجيد خيالي أنه " لم يرد أن يدخل في متاهة الحديث الطويل عن أحداث سياسية مختلفة، عاشها السلطان المولى عبد الحفيظ رحمه الله، بين صديق مبايع مؤيد، وعدو مخادع متطلع، ولا عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أنهكت البلاد والعباد ، نتيجة المصاعب الفلاحية الناتجة عن سنوات الجفاف، وما صاحبها من غلاء وأمراض، أو عن الدسائس السياسية التي أرغمت السلطان على قبول الشروط الفرنسية والدولية، من أجل حل مشاكل البلاد، بعد أن حوصر ديبلوماسيا، فكل هذه الاحداث والوقائع - يقول الباحث عبدالمجيد خيالي ، التي حركتها يد الاستعمار الطامع خارجيا ، ويد الثائرين والأطماع من الحكام المتمردين داخليا، وأنه سيترك أمرها لمن كتب عنها وتتبعها، حذوا بحذو، وأن مهمته هو أن يكتب نبذة موجزة عن ذلك السلطان العالم المصلح".
وفي نفس المنحى، أبرز الدكتور عبد المجيد خيالي، ما اتسمت به شخصية المولى عبد الحفيظ من نبوغ فكري ، وتميز علمي وعطاء أدبي.
■ مؤلفات السلطان مولاي عبدالحفيظ :
وانتقل معد ومقدم برنامج "مدارات"، إلى استعراض مؤلفات السلطان مولاي عبدالحفيظ ، في مجالات الفقه والحديث واللغة والادب ، حيث ترك رصيدا معتبرا من الكتب والأشعار، بين مخطوطة ومطبوعة، وهي كما يلي :
- كتاب بعنوان "داء العطب قديم" ، توجد منه ست نسخ مخطوطة بالخزانة الحسنية بالرباط. وفيه قدم المولى
عبد الحفيظ مراجعة نقدية صارمة لمراحل معينة من تاريخ المغرب ، وكذا لعدد من الطباع والسلوكيات السلبية في المجتمع المغربي. وقد تناول في كتابه سيرة عدد من سلاطين المغرب، والمشاق والمتاعب التي صادفوها وواجهوها في تدبير شؤون مملكتهم.كما تحدث فيه عن العواصم التاريخية الثلاث مراكش وفاس ومكناس، وغير ذلك من القضايا المهمة التي فسر بها تراجع وضع المغرب.
- كتاب "الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع" ، وهو نظم شعري في شرح كتاب جمع الجوامع لمؤلفه تاج الدين السبكي .
- كتاب مخطوط في الفقه، بعنوان " ياقوتة الحكام لمبتلى بالفهم في الأحكام" ، وهو نظم في القضاء، وما يتعلق به من أمور وموضوعات .
- كتاب مخطوط بعنوان:" إعلام الأفاضل والاكابر بما يعانيه الفقير الصابر". وقد نبه معد برنامج إلى ما ذكره الأستاذ عبدالمجيد خيالي، من أنه توجد نسخة وحيدة مخطوطة من هذا الكتاب. كما أشار إلى
أن المولى عبدالحفيظ ألف هذا الكتاب، ليجعل منه تذكرة لنفسه وتبصرة وموعظة لغيره.
- كتاب مخطوط يتضمن فهرسة السلطان مولاي عبدالحفيظ، ذكر فيه عددا من شيوخه الذين درس عليهم، وكذا العلماء والصلحاء الذين التقى بهم ، في كل من فاس ومراكش ومكناس. وهذا الكتاب بدوره لاتتوفر منه إلا نسخة وحيدة.
ومن كتب السلطان العالم مولاي عبدالحفيظ ، والموثقة في السيرة الببليوغرافية التي أعدها الباحث عبدالمجيد خيالي، أشار معد البرنامج الإذاعي "مدارات إلى كتاب " العذب السلسبيل في حل ألفاظ خليل". وقد شرح فيه المولى عبدالحفيظ ، الألفاظ الواردة في كتاب الشيخ خليل ، وذلك تذليلا للصعوبات التي يلاقيها القارىء العادي في فهمه. وهذا الكتاب طبع في فاس عام 1326 هجرية.
كما له مؤلف آخر بعنوان:"نيل النجاح والفلاح في علم ما به القرآن لاح " . وهذا الكتاب هو عبارة عن نظم دقيق لكثير من معاني وصيغ البيان في البلاغة العربية، مما يبرز الثقافة اللغوية الأدبية الواسعة السلطان المولى عبدالحفيظ. والكتاب مطبوع في المطبعة المولوية بفاس سنة 1327 هجرية .
وأشار الاستاذ عبدالإله التهاني إلى مؤلفات أخرى للمولى عبد الحفيظ، ومنها كتاب له سماه: "كشف القناع عن اعتقاد طوائف الإبتداع "، مطبوع طبعة حجرية بالمطبعة المولوية بفاس عام 1327 هجرية . وفيه تكلم عن ظواهر البدع التي ظهرت في عصره ، وكان له منها موقف سلبي ،
وقد لفت الإنتباه إلى ملاحظة مهمة ذكرها الأستاذ عبدالمجيد خيالي ، وهي أن هذا الكتاب، وبالرغم من كونه طبع ، إلا أنه في حكم المفقود ، بما يفهم منه أن نسخه المطبوعة باتت منعدمة الأثر.
■السلطان الشاعر:
ومن التآليف الشعرية للسلطان المولى عبد الحفيظ، الصادرة في شكل دواوين، استعرض الكاتب والإعلامي عبدالإله التهاني، بعضا منها ، مثل "القصيدة المولوية ذات المحاسن. وهي قصيدة طويلة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، تقع في 172 بيتا ، نضيف إليها كتابا شعريا آخر، طبع بدوره في فاس عنوانه " القصيدة التوحيدية السنية ذات القافية البهية العينية" ، وهي قصيدة عبارة عن نظم في عقيدة التوحيد.
وفي نفس المجال الشعري، وتحديدا في المديح النبوي ، للسلطان مولاي عبد الحفيظ كتاب طبع صدر بفاس ، يتضمن قصيدة طويلة بعنوان " قصيدة نبوية في مولد خير البرية"، تنضاف إلى قصيدة له صدرت مطبوعة بعنوان" قصيدة ميمية في مدح خير البرية، علاوة على قصيدة أخرى له في باب المديح النبوي أيضا، سماها :القصيدة البديعة السنية ذات القافية النونية". ألفها في مدح الرسول الاكرم وسبطيه والخلفاء من بعده ، وقد طبعت وصدرت بفاس عام 1339هجرية .
كما أشار إلى قصيدته المشهورة التي طبعت ، وسماها " الطامة الكبرى "، استلهم فيها قول الله سبحانه وتعالى : فإذا جاءت الطامة الكبرى.
ومن مؤلفات السلطان العالم المولى عبد الحفيظ في باب التصوف، أشار معد ومقدم البرنامج الإذاعي "مدارات" ، إلى أن الببليوغرافيا الرائدة التي أنجزها الأستاذ عبدالمجيد خيالي، تضمنت مؤلفا له بعنوان "الجامعة العرفانية الوافية بشروط وجل فضائل أهل الطريقة التيجانية" . وهو تأليف في نسب وعلم ، وكرامات وفضائل العالم والصوفي، أبي العباس سيدي أحمد التيجاني المتوفى بفاسب. وقد طبع هذا الكتاب بفاس عام 1349 هجرية . كما له تأليف شعري آخر ، سماه " نفائح الأزهار في أطايب الأشعار"، تضمن ست قصائد في المديح النبوي. وقد طبع عام 1331 هجرية بالمدينة المنورة.
■ من نظم الكتب الفقهية إلى الإبداع في فن الملحون :
وواصل عبدالإله التهاني استعراضه للمسرد التفصيلي بتآليف السلطان مولاي عبدالحفيظ ، حيث ذكر أنه
كان يتمتع بثقافة لغوية واسعة ، تنضاف إلى علمه الكبير في مجال الفقه والحديث والتاريخ، وإلى مواهبه الأدبية، مبرزا أنه من علامات نبوغه في علوم اللغة العربية،تأليفه لنظم شعري بعنوان " السبك العجيب لمعاني حروف مغني اللبيب" ، طبع في القاهرة سنة 1335 هجرية.
كما أن له في نفس المجال اللغوي، كتابا على شكل نظم شعري بعنوان" فيض الملك العلام في أسئلة ابن هشام" ، وهو كتاب طبع في فاس سنة 1330 هجرية. وقد حرص معد البرنامج على إيراد مقتطف من الاستهلال الذي قدم به السلطان المولى عبدالحفيظ كتابه هذا ، وذلك بالعبارات التالية :
"يقول الراجي غفران ربه، وستر عيوبه ، عبدالحفيظ بن الحسن، كان الله له : قد وقفت على مؤلف للشيخ الإمام ، المحقق الهمام، العالم ابن هشام، في مسائل، فتعلق القلب بنظمها وشرحها، ليحصل الانتفاع بها .
ومن الله أسأل التوفيق. وسميته : "فيض الملك العلام في أسئلة ابن هشام" .
ومن بين مؤلفات مولاي عبدالحفيظ الأخرى ، التي استعرضها الأستاذ عبدالإله التهاني، في هذه الحلقة الإذاعية، كتابه المخطوط والمسمى "إعلام الأكياس بما وقع من التخليط والالتباس" ، وهو نظم يصف فيه الحالة التي كان عليها المجتمع المغربي في عهده. هذا إضافة إلى منجزه الشهير في باب الأدب الشعبي. ويتعلق الأمر بديوانه في الشعر الشعبي - فن الملحون ، والذي أعادت أكاديمة المملكة المغربية طبعه في حلة جديدة، بعد طبعته لبحجرية بفاس .
وفي هذا الصدد ، أوضح عبدالإله التهاني، أن مولاي عبدالحفيظ لم يكن يكتب الشعر الفصيح وحده، بل إنه عرف أيضا شاعرا كبيرا في فن الملحون، الذي كان يهوى أن يبدع فيه ، وأن البحاثة المرحوم محمد الفاسي كان
قد توقف عند تراث هذا السلطان في أدب الملحون ،
في موسوعته الشهيرة "معلمة الملحون "، معددا الأغراض التي نظم فيها قصائده الزجلية البديعة، كالتوسل والمديح النبوي، ووصف الطبيعة والحب .
وختم معد ومقدم برنامج مدارات، حديثه في هذه الحلقة، بالإشارة إلى قصيدة شهيرة للمولى عبدالحفيظ، كان قد ألقاها عام 1928، في احتفالية أمام قوس النصر بباريس ، سماها "القصيدة العصماء" ،
وهي توجد أيضا ضمن ما تركه من مخطوطات.
كما حرص عبدالإله التهاني على التنبيه في حديثه ، إلى أن الباحث الدكتور عبد المجيد خيالي في الببليوغرافية الرائدة التي أنجزها عن سيرة السلطان مولاي عبدالحفيظ، كان قد أورد عناوين خمسة من كتبه التي ألفها ، لكن لا أثر لها في ما وقف عليه من كتبه ، ومنها كتاب بعنوان " تحفة الألبا في حروب أوروبا"، وكتاب آخر سماه "براءة المتهم"، شرح فيه الظروف والملابسات، التي أدت به إلى توقيع معاهدة الحماية مع الدولة الفرنسية.