شهدت فرنسا خلال سنة 2024 عامًا استثنائيًا بكل المقاييس، سواء على المستوى السياسي حيث تعيش أزمة حادة لم يسبق لها مثيل في الجمهورية الخامسة. تميزت هذه الأزمة بتعيين أربع وزراء أولين في سنة 2024، وما زالت مستمرة حتى الآن بعد حل الجمعية الوطنية، دون أن يتمكن الرئيس إيمانويل ماكرون وحلفاؤه من تحقيق أغلبية حتى وإن كانت نسبية، كما كان الحال سابقًا في الجمعية العمومية التي تم حلها في شهر يونيو الماضي. ويطمح الوزير الأول الجديد، فرنسوا بايرو، إلى الخروج من هذه الأزمة السياسية غير المسبوقة في تاريخ البلاد، وهو ما يعتبر من ضرب المستحيل في غياب أي توافق بين المجموعات الثلاثة الأساسية التي تهيمن على البرلمان.
أما على المستوى الدولي، فقد حققت فرنسا إنجازات مهمة، كان أبرزها إنجاح الألعاب الأولمبية وافتتاح كنيسة نوتردام بحضور عدد من رؤساء الدول والحكومات، على رأسهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وهو ما اعتبر حدثًا سياسيًا دوليًا مهمًا. ما ميز هذه السنة أيضًا هو عودة العلاقات الفرنسية المغربية إلى طبيعتها بعد ثلاث سنوات من الاضطراب، وأهم ما ميز هذه العودة هو اعتبار فرنسا للحل المغربي للحكم الذاتي هو الحل الوحيد لحاضر ومستقبل الأقاليم الجنوبية، بالإضافة إلى تسابق المقاولات الفرنسية من أجل الظفر بالاستثمارات المبرمجة في هذه الأقاليم من طرف المملكة المغربية.
طبعا، كانت هزيمة ماكرون في الانتخابات الاوربية التي تقدم فيها حزب التجمع الوطني لليمين المتطرف صدمة سياسية، تلاها حل البرلمان الفرنسي، الذي كانت نتائجه مخيبة لتحالف الرئاسي حيث فقد الأغلبية النسبية لصالح تقدم اليمين المتطرف واليسار المتطرف وتشتت الجمعية الوطنية الى تلاث كثل سياسية مما أدى الى اسقاط حكومة ميشيل بارنييه التي عمرت تلاث أشهر والتي لم تتمكن من الحصول على اغلبية لبرمجة ميزانيتها وتعرضت لحجب الثقة بعد تحالف بين اليمين المتطرف وأحزاب الجبهة الشعبية الجديدة بالبرلمان.
هذه الازمة السياسية الغير المسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة وصعوبة خلق حكومة مستقرة كما يسعى لذلك الوزير الأول الحالي فرنسوا بايرو لم تمنع فرنسا من تنظيم العاب اولمبية ناجحة بكل المقاييس وجمعت رياضيين من كل انحاء العالم مكنت باريس من التحول من عاصة للأنوار الرياضية خلال شهر تقريبا دون ان تسجل اية احداث او مشاكل تعكر نجاح هذه التظاهرة الرياضية المنظمة بالعاصمة الفرنسية، تلاها قبل نهاية هذه السنة افتتاح كتدرائية نوتردام بعد خمس سنوات من الاشغال المعقدة التي كانت مناسبة لتبرز فيها فرنسا معرفتها وقدرتها على المزج بين التقليدي والعصري من اجل انجاز اشغال الترميم لهذا المبنى التاريخي الذي حضر لافتتاحه عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات.
على مستوى الدولي، يمكن القول ان فر نسا بعد صعوبات في منطقة الساحل الافريقي تمكنت من العودة الى علاقات طبيعية مع حليفها المغرب بعد تلاث سنوات من البرود الديبلوماسي بين العاصمتين.
وكانت زيارة الدولة التي قام بها ايمانويل ماكرون بدعوة ملكية في سياق تجديد العلاقات بين البلدين قمة هذا التقارب، أعلنت خلاله فرنسا دعمها لمخطط الحكم الذاتي اقترحه المغرب، والذي يعزز سيادته على أقاليمه الجنوبية. وشكلت هذه الخطوة مرحلة جديدة في العلاقات الفرنسية المغربية، وينتظر الطرف الفرنسي انعكاسات إيجابية على الشراكة بين الجانبين. خاصة في مجال الاستثمارات الجديدة التي تمس مجالات النقل والطاقة والمساهمة في الاستمارات الضخمة التي أطلقها المغرب بمناسبة تنظيم كأس افريقيا2025 وكاس العالم في سنة 2030.
هذه الزيارة كانت مناسبة من أجل " طرح رؤية جديدة للسنوات الثلاثين المقبلة" في العلاقات الفرنسية المغربية. وهي نفس الرغبة التي عبر عنها المغرب والتي تهدف الى توطيد الروابط التي تجمع البلدين.
المجال الثقافي ومجال التعليم الذي يعتبر فيها التعاون متميزا واستثنائيا حيث تضم فرنسا أكبر جالية لطلاب المغاربة بحوالي 45 طالب وهو رقم يحتله المغرب مند عدة سنوات.
وعلى مستوى الاستثمار، مازالت المقاولات الفرنسية تحتل الريادة بالسوق المغربية رغم المنافسة الاسبانية والصينية. بالإضافة الى الاختراق الذي قامت به المقاولات المغربية في السوق الفرنسية والتي تعد الأولى افريقيا في هذا الجانب.
مجالات وافاق التعاون بين فرنسا والمغرب سوف تكون واعدة في السنة المقبلة خاصة مع اختيار البلدين تجديد شراكتهما وتعاونها في جميع المجالات وهي شراكة لم تتأثر بالأزمات السياسية المتوالية التي شهدتها فرنسا هذه السنة..
وكان عنوان هذه الزيارة هو التجديد في العلاقات بين الرباط وباريس وطرح رؤية لتعاون بين البلدين في العقود الثلاثة المقبلة، وكذلك التعاون والشراكة بين اوربا وافريقيا من اجل الدفع بسياسة رابح رابح بالمنطقة والخروج من سياسة تأزيم المنطقة التي تنهجها بعض الأنظمة.
اجمالًا، كانت سنة 2024 في فرنسا مليئة بالتحديات السياسية، لكنها أيضًا كانت سنة من الإنجازات الدولية الكبرى، مما جعلها سنة استثنائية في تاريخ البلاد.