الأربعاء 12 فبراير 2025
كتاب الرأي

 محمد أنور الشرقاوي: عندما تختبئ المقاومة المسلحة في ظلال الأغطية

 محمد أنور الشرقاوي: عندما تختبئ المقاومة المسلحة في ظلال الأغطية الدكتور محمد أنور الشرقاوي

في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، كانت المقاومة، العميقة والصامتة في آن واحد، تتشكل في ظلال الأزقة الضيقة للمدن المغربية.

كان عمي الشرقي، ذلك الكائن الخفي بين ظلال الدروب والأزقة، مكلفًا بتهريب الأسلحة من طنجة، تلك المدينة التي كانت في آن واحد ملجأ وحدودًا، إلى أراضي سلا والرباط ومدن أخرى.

كانت الأسلحة تسافر، موضوعة على ظهور الحمير المتعبة، كأسرار يتوجب إخفاءها ولكنها، مع كل خطوة، كانت تعلن عن الثورة القادمة.

كانت تتسلل عبر الأزقة المتشابكة للمدينة القديمة، تنزلق بين الجدران الصامتة والنظرات المشبوهة.

كانت المقاومة المسلحة تنتظم وتقوى وكانت تختبئ في الحركات اليومية، مدفونة في الولائم، في الضحكات الصفراء، في الأعراس التي كانت تتحول إلى أقنعة لمهام سرية.

 كانت الأسلحة تُخفى في "الطبوقة"، تلك السلال المنسوجة التي كانت، بدلاً من أن تحتوي على "الكحك" و"كعب غزال" الخاصين بالعرس، تخفي البنادق.

كانت براءة الولائم تشكل غطاءً للمعارك القادمة.

أخبرتني أمي، الحاجة رحمة، رحمها الله، ذات يوم، في همسات ذاكرة قديمة، كيف كانت، كأم شابة ذات قلب نابض ولكن هش، تنظف كل صباح.

كانت تمسك المكنسة بيدها، تتفقد الغبار والصمت، وأحيانًا الأسلحة.

 تحت السداري، في خصوصية الغرفة، كانت تجد البنادق، مخبأة تحت الأسرة، شاهدة على حرب غير مرئية.

 كان قلبها يخفق، فتعيد الأغطية على شكلها الاول، وتخفي الحقيقة تحت ستار البراءة.

ثم، دون أن تنطق بكلمة، تذهب لتحضير حساء دافئ، عشاء زوجها، أبي، رحمه اللهما.

كانت الحرب تُخاض في النظرات، في الحركات الخفية، في أنفاس أم وامرأة حملت بمفردها عبء التاريخ، دون أن تبوح، دون أن تصرخ، ولكن بقوة لا تفهمها إلا القلوب المحترقة التواقة للانعتاق من نير الاستعمار.