الخميس 6 فبراير 2025
فن وثقافة

البحاثة الراحل محمد الفاسي: حارس التراث ورجل التنوير

البحاثة الراحل محمد الفاسي: حارس التراث ورجل التنوير قبل أسابيع قليلة من وفاته، يتسلم جائزة الاستحقاق الثقافي لعام1991 في مراكش من يد ولي العهد
في مستهل حديثه ضمن الحلقة الاخيرة من برنامجه الفكري والأدبي "مدارات "، وصف الكاتب الإعلامي عبدالإله الإله التهاني، العلامة البحاثة محمد الفاسي المتوفى في 21 دجنبر 1991، بأنه كان حارس التراث ورجل التنوير، مضيفا بأنه غادر دنيانا هذه ، بعد عمر مليىء بالبحث والتنقيب والتأليف والعمل الصالح، من أجل المغرب وثقافته وهويته الحضارية، مذكرا بأنه أسهم به في حقل التراث المغربي بتعبيراته المختلفة، وأنتج تآليف عدة، متنوعة الموضوعات، ورفيعة القيمة، وحقق فيها من التميز والسبق، ما لا يتأتى إلا لدوي الهمم العالية.

وأضاف بأن أحدا لم يكن يتخيل أن الطفل محمد الفاسي ، الذي باغثه اليتم في وقت مبكر من طفولته بفاس، ستخبىء له الأقدار مسارا حافلا، ربما لم يكتب لغيره، ممن نشأوا في كنف بيوت، لم تذق مرارة اليتم، حيث أشار إلى أنه بعد أربع سنوت من ولادته بفاس عام 1908، سيفجع بوفاة والده. وهكذا سينشأ الطفل محمد الفاسي في حضن أمه المكلومة، برعاية من إبن عم والده القاضي المهدي الفاسي، الذي أحاطه بتنشئة دينية من خلال تحفيظه القرآن الكريم على يد الفقيه أقصبي، موازاة مع تسجيله بمدرسة الاعيان بفاس، التي أكمل فيها تعليمه الإبتدائي بامتياز، ثم أنهى تعليمه الثانوي بتفوق أيضا.

■خريج السوربون وأول مغربي ينال البكالوريا الفرنسية:
وأكد عبدالإله التهاني بأن طموح محمد الفاسي العلمي ، سيدفعه إلى الرحيل باتجاه باريس، قصد تحضير شهادة الباكلوريا وفق النظام التعليمي الفرنسي، فكان بذلك أول مغربي ينال شهادة الباكلوريا الفرنسية في تاريخ المغرب، وكان ذلك عام 1928، وهو ما مكنه من الولوج بشرف واعتزاز، إلى رحاب جامعة السوربون بباريس التي تخرج منها ، وكذا من مدرسة اللغات الشرقية سنة 1932.

واستعرض ذات المتحدث عن المسار العلمي للمرحوم محمد الفاسي، بدءا من حصوله سنة 1934 على ديبلوم الدراسات العليا في الدراسات الأدبية باللغة الفرنسية، وهو نفس التاريخ الذي عاد فيه إلى المغرب حيث اشتغل أستاذا بثانوية اليوطي بالدار البيضاء، ثم بثانوية مولاي يوسف بالرباط، قبل أن يلتحق بمعهد التدريس بمعهد الدراسات المغربية العليا بالرباط أيضا، ثم رئيسا لقسم المخطوطات العربية في الخزانة العامة بالعاصمة. وذكر أنه في تلك الفترة ، كان نشاطه الثقافي في تزايد ملحوظ، مما أهله أن يتبوأ مكانة رفيعة في الأوساط العلمية بالمغرب آنذاك.

■ أستاذ ومرشد ولي العهد :
كما أنه في هذا المرحلة بالذات، سيشرفه الملك محمد الخامس رحمه الله ،بتعيينه أستاذا بالمدرسة المولوية ، ومرشدا لولي العهد آنذاك مولاي الحسن، قبل أن يعينه سنة 1942، مديرا لجامعة القرويين في فاس، ويكلفه بتجديد مناهجها وإصلاح أحوالها، رغم اعتراض إدارة الحماية الفرنسية على ذلك، توجسا من ميولاته الوطنية.

وفي هذا السياق، أبرز عبدالإله التهاني أن المرحوم محمد الفاسي ، كان من الرعيل الأول للحركة الوطنية المغربية،
حيث عرف بمواقفه الثابتة، دفاعا عن استقلال المغرب، وثوابت الأمة والوطن، وأنه بسبب ذلك لحقه الأذى الكثير
من إدارة الحماية الفرنسية بالمغرب، حيث اعتقل مع عدد من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال عام 1944. كما اعتقل سنة 1952، ونفي إلى منطقة "غبالو نكردوس" جنوب المغرب، هو وبقية القياديين البارزين في الحركة الوطنية المغربية.

واستطرد معد ومقدم البرنامج الإذاعي "مدارات "موضحا، بأنه مباشرة بعد إعلان استقلال المغرب، كان المرحوم محمد الفاسي من الشخصيات الأولى التي تولت مسؤوليات وزارية، حيث عين وزيرا للتربية الوطنية والفنون الجميلة والشبيبة والرياضة، ثم وزيرا للتربية الوطنية والرياضة. وفي العام 1958، سيتولى رئاسة جامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة القرويين بفاس، وكلية بن يوسف بمراكش. كما عين في العام 1968، وزيرا للدولة مكلفا بالشؤون الثقافية والتعليم الأصيل.

وسنة 1978، سيعين مكلفا بمبهمة في الديوان الملكي وبقي يضطلع بهذه المهمة إلى حين وفاته رحمه الله عن سن الثالثة والثمانين، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والإخلاص للوطن.

■رجل القلم وعاشق البحث والتنقيب :
واسنحضارا لرحلة محمد الفاسي مع البحث والتأليف، أوضح عبدالإله التهاني، أن المرحوم محمد الفاسي، كان حاضرا بقلمه منذ ثلاثينات القرن الماضي، من خلال ما كان ينتجه من كتابات أدبية وتاريخية وتراثية، حيث شرع يكتب بداية من العام 1933 في
"مجلة المغرب" الشهرية، التي كان يصدرها محمد صالح ميسة ، وكذا في جريدة"المغرب" لمؤسسها سعيد حجي، ثم في ملحقها الثقافي. كما ظهرت كتاباته في جريدة "رسالة المغرب"، التي كانت تصدر في الأربعينات من القرن الماضي.
وحين تأسست جريدة "العلم" سنة 1946، أصبح من كتابها المعتادين.
ويواصل عبدالإله التهاني استعراض مسار البحاثة محمد الفاسي، حيث ذكر أنه بعد استقلال المغرب، توالى حضوره على أعمدة المجلات الثقافية الوازنة، كمجلة "دعوة الحق"، ومجلة "المناهل"، ومجلة" البحث العلمي"، ومجلة تطوان، ومجلة "الإيمان"، ومجلة" البينة"، ومجلات أخرى خارج المغرب تصدر عن مؤسسات أكاديمية رفيعة ، مثل مجلة رابطة الجامعات الإسلامية وغيرها، حيث بوأه إشعاعه الفكري، ليكون عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، منذ 1958، ثم عضوا في المجمع العلمي لكل من العراق وسوريا، إضافة إلى عضويته في المجمع العلمي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن.

كما من ضمن الشخصيات الخمسة، التي تشكلت منها النواة التأسيسية الأولى لأكاديمية المملكة المغربية.

وفي سياق متصل، ذكّر الأستاذ عبد الإله التهاني بأن المرحوم محمد الفاسي، كان رئيسا لجميعة الجامعات الإسلامية، ورئيسا لمكتب التنسيق بين اللجن الوطنية العربية لليونسكو في البلدان العربية، حيث ظل لمدة ثمانية عشرة سنة ، واحدا من الوجوه البارزة في منظمة اليونسكو، وأنه حظي بالعديد من الأوسمة والجوائز الفكرية الرفيعة ، في وطنه المغرب، وامتدادا إلى دول عربية وإفريقية.كما حظي بشهادات وكتابات عن أعماله العلمية وسيرته الوطنية والإنسانية، وخص بالذكر في هذا السياق، ثلاثة كتب رئيسية وثقت لمسار شخصية العلامة محمد الفاسي. ويتعلق الأمر بكتاب "محمد الفاسي كما عرفته في المجالين الثقافي والوطني،" للمرحوم الأستاذ أبي بكر القادري، والصادر سنة 2007، ضمن سلسلة "رجال عرفتهم"، ثم كتاب "محمد الفاسي نضال الثقافة والسياسة" للأستاذة الدكتورة فاطمة الجامعي الحبابي، والصادر سنة 1999، وفيه جمعت شهادات لوجوه من النخبة الفكرية حول محمد الفاسي، إضافة إلى كتاب ثالث بعنوان "محمد الفاسي حياته وآثاره" للباحثة الأستاذة خديجة البوطاهري، والصادر سنة 2020.

■ آثاره الخالدة :
وعن أعماله وآثاره ، أشار الإعلامي عبد الإله التهاني، إلى أن محمد الفاسي ترك رصيدا معتبرا من الإصدارات ، بين تأليف وتحقيق وترجمة من الفرنسية إلى العربية، منبها إلى أن رصيدا ووافرا من دراساته ومقالاته البحثية في مختلف أصناف المعرفة ، مازالت متفرقة بين الجرائد والمجلات المغربية والعربية والأجنبية، وأنها لو جمعت لجاءت في عدة كتب.

واستعرض عبد الإله التهاني بعضا من عناوين إصداراته ، سواء ما هو من تأليفه، أو ما حققه لغيره، وعلق عليه ووضع هوامشه.
وفي هذا السياق، ذكر كتابه "رباعيات نساء فاس" ، وفيه وثق وجمع وعلق على الموروث الغنائي النسوي في مدينة فاس، أو ما سماه بـ "الَعْرُوبِيَاتْ". إضافة إلى كتابه "حول الوزير محمد بن عثمان المكناسي ورحلاته السفارية الثلاث المخطوطة"، وقد طبع هذا الكتاب في القاهرة، وفيه يتحدث عن قصة هذا الوزير ، وعن المهام الدبلوماسية التي قام بها في الخارج، وذلك من خلال تعقبه لأثره في الخزانات ومراكز الأرشيف الأوروبية.

كما أشار إلى كتابه حو "أبي العباس الجراوي، شاعر الخلافة الموحدية" ، مبرزا أن أصل هذا الكتاب، محاضرة كان قد ألقاها محمد الفاسي بمعهد الدراسات العليا بالرباط ، في ملطع الأربعينات من القرن العشرين. كما له كتاب أصدره سنة 1970، بعنوان "من وحي البينة"، جمع فيه سلسلة المقالات التي كان ينشرها في مجلة "البينة"، التي كان قد أصدرها الاستاذ المرحوم علال الفاسي. وقد توزعت مقالات هذا الكتاب ، حول قضايا تاريخية وجغرافية وأدبية وفكرية.

ومن عناوين كتبه الاخرى التي ذكرها عبد الإله التهاني ، كتاب "الأدب الشعبي المغربي الملحون" .

■ اهتمامه المبكر بالثقافة الشعبية الامازيغية :
وأشار ذات المتحدث إلى العديد من كتابات محمد الفاسي، في موضوعات تاريخية ولغوية وأدبية مختلفة.
كما توقف عند اهتمام محمد الفاسي بالثقافة الامازيغية، حيث أشار في هذا السياق ،
إلى حرصه على تعلم اللغة الأمازيغية، حيث كان يعتبر هذا المكون اللغوي والثقافي ، جزءا أساسيا في الهوية الحضارية المغربية.
وفي هذا الباب ، كان قد أعد قاموسا بالألفاظ الأمازيغية، وما يقابلها من كلمات ومعان في اللغتين العربية والفرنسية. كما دون عددا مهما من الأحاجي والأمثال والأغاني والأشعار السوسية. وأوضح معد ومقدم برنامج "مدارات"، بأن المرحوم محمد الفاسي تمكن من جمع 76 قطعة شعرية بلغة سوس، وحوالي 1850 من الأمثال السوسية، صنفها في أربعة كنانيش . كما أنجز تقييدا في النحو الأمازيغي، وضمنه تعاريف ومفردات وتمارين شرحها بالعربية ، في صيغة دروس بلغت 28 درسا، وهو ما يعكس اعتزازه بالهوية الثقافية واللغوية المغربية المتعددة ، والغنية برصيدها الحضاري المتنوع.

■ ثنائية الأدب والتاريخ :

وفي باب الترجمة الأدبية، أشار الزميل عبد الإله التهاني، إلى الترجمة الوافية التي أعدها محمد الفاسي، بالاشتراك مع رفيقه في العلم والوطنية، المرحوم الأستاذ أحمد بلافريج. ويتعلق الأمر بترجمتهما من الفرنسية إلى العربية، لكتاب "أزهار البساتين وأخبار الأندلس والمغرب على عهد المرابطين والموحدين" ، وهو من تأليف الشقيقين الفرنسيين جيروم وجان طارو. وذكر أن هذه الترجمة كانت قد صدرت معززة بتعليقات ، وذلك أول مرة خلال الاربعينات من القرن الماضي، ثم أعيد طبعها طبعة ثانية بالرباط، ضمن منشورات "جمعية رباط الفتح عام 2021.
كما أبرز في ذات السياق،أن البحاثة محمد الفاسي كان في ثلاثينيات القرن الماضي، قد قام بنشر وتقديم كتاب "المعجب في تلخيص أخبار المغرب"، لمؤلفه المؤرخ الشهير عبد الواحد المراكشي.

■ مشروعه الكبير في تحقيق الرحلات المغربية:
وتوقف عبدالإله التهاني، عند تحقيق محمد الفاسي لمصنفات ظلت مخطوطة، إلى أن امتدت إليها عنايته وهمته، حيث قام بتحقيقها والتعليق عليها والتقديم لها.
ويتعلق الأمر بخمس رحلات مشهورة في تاريخ الثقافة المغربية، وهي:
ـ رحلة الوزير والسفير المغربي محمد بن عثمان المكناسي، والمسماة "الإكسير في فكاك الأسير"، وقد نشرها ووضع لها مقدمة، عرف فيها بالرحلة وبمؤلفها.
ـ رحلة أبي العباس ابن قنفد، وعنوانها "أنس الفقير وعز الحقير" ، وقد شاركه في تحقيقها المستشرق أدولف فور،
ـ الرحلة الإبريزية إلى الديار الإنجليزية، لمؤلفها محمد الطاهر الفاسي.
ـ رحلة محمد بن أحمد القيسي المراكشي، المسماة "أنس الساري والسارب من أقطار المغارب إلى منتهى الآمال والمآرب سيدي الأعاجم والأعارب"، وهي من نوع الرحلات الحجازية، حيث يروي فيها مؤلفها مشاهداته ولقاءاته، وتفاصيل سفره من مراكش إلى مكة.
ـ رحلة أبي عبد الله محمد العبدري الحيحي، وتعرف باسم "الرحلة المغربية" .
وأشار عبدالاله التهاني إلى عمل آخر ، من أعمال المرحوم محمد الفاسي الرائدة في مجال تحقيق المخطوطات، ويتمثل في تحقيقه الرصين لمخطوط كتاب "السلسل العذب والمنهل الأحلى"، لمؤلفه العلامة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الحضرمي ، حيث حققه وعلق عليه ونشره ، في العدد العاشر من مجلة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة ، والصادر في شهر ماي من العام 1964، وهو تأليف يشتمل على ذكر أربعين رجلا من صلحاء العصر.

■ معلمة الملحون أو الملحمة الكبرى لمحمد الفاسي :
وتحدث الكاتب الإعلامي كذلك عن واحدة من أكبر إنجازات المرحوم محمد الفاسي، في مجال توثيق تراث الملحون. وتتمثل في إنجازه موسوعة ضخمة وغير مسبوقة ،سماها"معلمة الملحون " ، ووضعها في واحد وعشرين جزءا ، صدرا تباعا ضمن منشورات أكاديمة المملكة المغربية بالرباط.

وقد تضمن الجزء الأول منها، دراسة له حول فن الملحون وبنيته العروضية ، بينما في الجزء الثاني تناول الجانب اللغوي لقصائد الملحون،مع استعراض أعلامه الكبار ، في حين اختص الجزء الثالث بتعريف القارئ بالقصائد التي صنفها ضمن روائع الملحون ، وهو ما سيتناوله محمد الفاسي بشكل موسع ، في الجزأين الرابع والخامس من موسوعة "معلمة الملحون "، وذلك من خلال توثيقه لرصيد هائل من أجمل القصائد ، لأبرز شعراء فن الملحون.

■ الملك الحسن الثاني مخاطبا محمد الفاسي:
وللتدليل على الصدى الطيب الذي خلفه إنجاز البحاثة محمد الفاسي لموسوعة "معلمة الملحون" ، أورد الإعلامي عبدالإله التهاني ضمن هذه الحلقة من برنامج "مدارات"، نص الرسالة الرقيقة ، التي كان الملك الحسن الثاني رحمه الله، قد وجهها إلى الأستاذ محمد الفاسي ، وفيها يقول بلغة طافحة بالتقدير والرضا :

"محبنا وأستاذنا الأرضى،
السيد محمد الفاسي .
أمنك الله ورعاك،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد ، فقد رفع إلى علمنا الشريف،العمل الموسوعي الذي الذي أنجزتموه ،جمع الشعر الملحون، وترتيبه وتصنيفه، فحظي منا بالرضا والاستحسان.
وإنه لعمل ، لاشك تطلب منكم الجهد الكبير ، والوقت الكثير في البحث والتحقيق ، والتمحيص والتدقيق .
ولنا اليقين من أن الوقت والجهد وحدهما، لايكفيان لوضع مصنف في مثل دقة وشمولية هذا المصنف ، بل إن مثل هذا الإنجاز ، يحتاج إلى إلى الولع بهذا الفن البديع والأدب الرفيع، وهي صفة عهدناها فيك منذ عرفناك.
فجزاك الله عن وطنك أحسن الجزاء ، وأثابك على ما بذلت من جهد الجمع ومتواصل العطاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وحرر بالقصر الملكي بالرباط، في يوم الخميس 28 رمضان عام 1404هجرية، موافق 28 يونيو سنة 1984.
التوقيع الشريف بخط يد الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه.

ولإبراز مكانة المرحوم محمد الفاسي في عيون النخبة الفكرية المغربية، استعرض الكاتب الإعلامي عبدالإله التهاني، شهادات حول شخصيته وسيرته ، ومن ذلك ما كتبه الأساتذة المرحومون ، أبو بكر القادري ، ومحمد بنشريفة ، وعبدالهادي التازي.

■ محمد الفاسي، الفنان التشكيلي :
وجريا على مقولة "ختامه مسك" ، اختتم معد ومقدم برنامج "مدارات "حديثه عن العلامة البحاثة محمد الفاسي ، بالتوقف عند جانب في شخصيته، ظل خفيا إلا عند القلة من المهتمين، ذلك أن الناس- يقول عبدالإله التهاني - تعرف محمد الفاسي باحثا في التراث ،ةودارسا للحضارة المغربية الأندلسية، ولغويا مدققا ، ومحققا لنوادر المخطوطات، ومؤرخا مطلعا ومترجما أدبيا بارعا ، لكن قليلين يعلمون تعاطيه للرسم، وشغفه بالفنون التشكيلية، مضيفا أن ما أبدعه من رسومات ليس بالقليل، وأن ريشته أنتجت رصيدا متنوعا من اللوحات ، كان رحمه الله يختار لها من العناوين، ما يطابق مضمونها أو يشير إليه، من قبيل ( دموع - انسجام الطبيعة - قوس قزح - لحن الألوان- أعماق المحيط - أشباح- فسيفساء - شعاع - الفلك- مغارة - شيخوخة ..). إلى غير ذلك من عناوين لوحاته الفنية، التي عرضها داخل المغرب ، في فاس والرباط ومراكش وإيفران، وخارج المغرب في باريس وليون ، وفيينا ونيويورك وموسكو، ومونتريال، وماربيا ، وتونس، والخرطوم ، وغيرها.
واستحضر عبدالإله التهاني في هذا الباب ، تعليقا جميلا على لوحات العلامة محمدالفاسي، كان قد كتبه الفيلسوف المغربي المرحوم محمد عزيز الحبابي، يقول فيه بأن " عفوية الشعور تجعل محمد الفاسي بين التجريدية والشكلية، لكن دون تصنع ، وأنه من خلال هذه الألواح، لانبقى غرباء في دنيا التساؤلات، وأن لاصراع هناك بين الخطوط والألوان، مضيفا أن الأمر يتعلق بعالم هادىء ومتحرك،دونما انزعاج، عالم انطباعي يلج بنا الفنان من خلاله في شاعرية الحلم، وفي مسيرة خطوط، تتناعم تحت ريشة تؤكد الاطمئنان " .
 
من تحقيقات محمد الفاسي، أنجزها رفقة المستعرب أدولف فور