الأربعاء 5 فبراير 2025
مجتمع

أريري: حتى لا يتحول الأطلس الشرقي إلى "عاصمة أكراد المغرب" !

أريري: حتى لا يتحول الأطلس الشرقي إلى "عاصمة أكراد المغرب" ! الزميل عبد الرحيم أريري على ضفة بحيرة "تسليت" بضواحي إملشيل
كلما قادتني الظروف( مهنية أو شخصية)، لزيارة الأطلس الكبير الشرقي، إلا واستحضرت السؤال الحارق والمشروع الذي سبق للأستاذ "طه بلافريج" أن طرحه في مقال طافح بالألم والأسى على الوضع الكارثي الذي يعرفه هذا الحوض الجبلي المنسي والمغيب من رادار السياسة العمومية،( عنوان المقال: Voir imilchil et  pleurer ).
 
السؤال يرتبط بأسباب فشل المغرب في تحويل أسطورة عشق "إيسلي وتسليت" إلى مفتاح يجعل من بلدة إملشيل عاصمة كونية للحب يقصدها الناس من كل أصقاع العالم، مع ما يترتب عن ذلك من تسويق بهي لتراب الأطلس الشرقي وللمغرب ككل. إذ لو عادت عقارب الزمن إلى الوراء، وزار الروائي البريطاني الشهير "شكسبير"، منطقة إملشيل، وتعرف على حقيقة أسطورة العشق الأفلاطوني بين "إيسلي وتسليت"، لما تردد في توطين بطلي مسرحيته "روميو وجولييت" Romeo et Juliette ببلدة إملشيل، بدل أن يختار مدينة "فيرونا" بإيطاليا كفضاء لمسرحيته.
 
كيف؟
تقول الأسطورة الأمازيغية بالأطلس الشرقي، أن الحبيب "إيسلي" كان يهيم حبا بعشيقته" تسليت" إلى حد الجنون. إلا أن زواجهما استحال عقده بسبب رفض قبيلتيهما: "أيت إيعزة وأيت إبراهيم" (وهما مكونين فرعيين لقبائل أيت حديدو)، اللتين كانتا في جفاء حاد، مما جعل العشيقين يحزنان كثيرا وظلا يبكيان إلى أن تشكلت بحيرة "إيسلي" وبحيرة "تسليت"، التي تبعد بحوالي ست كيلومترات عن إملشيل في اتجاه مدينة القصيبة، وأغرقا نفسيهما، كل واحد في بحيرة !!
 
نفس الأسطورة تقريبا عاشتها مدينة ‬‮«‬فيرونا‮» بشمال إيطاليا‬،‭  ‬التي أضحت اليوم مقصد العشاق من كل أنحاء العالم، لدرجة أن فيرونا تسمى دوليا‭ ‬"بمدينة‭ ‬الحب". ‬إذ ‬بين‭ ‬أزقتها‭ ‬وشرفاتها‭ ‬حدثت‭ ‬قصة‭ ‬الحب‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي ‬خلّدها‭ ‬الروائي‭ ‬شكسبير (‭ ،(‬1564‭ ‬- 1616 ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬قصة‭" ‬روميو‭ ‬وجولييت"،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الكلاسيكيات‭ ‬العالمية،‭ ‬وتم‭ ‬تمثيلها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬ومسرحية‭
.
‭ ‬تدور‭ ‬أحداث‭ ‬قصة‭" ‬روميو‭ ‬وجولييت"‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فيرونا،‭  ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر،‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬لفيرونا‭ ‬استقلالها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬صراع‭ ‬شرس‭ ‬بين‭ ‬عائلتين‭ ‬نبيلتين،‭ ‬هما :"‬مونتاغ‭ ‬وكابوليت"،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬سهم‭ ‬الحب‭ ‬أصاب‭ ‬روميو (‬من‭ ‬عائلة‭ ‬مونتاغ)، ‬التي‭ ‬تتربص‭ ‬العداء‭ ‬بعائلة‭ ‬جولييت‭ ‬التي‭ ‬أحبها‭ ‬روميو،‭ ‬رغم‭ ‬الصعاب‭ ‬والصراع‭ ‬اللذين‭ ‬مزّقا‭ ‬العائلتين وفجر براكين من الحقد والكراهية بالمدينة‭.‬ وتدور‭ ‬أحداث‭ ‬دراماتيكية بمدينة "فيرونا"،‭ ‬تنتهي‭ ‬بموت‭ ‬الحبيبين،‭ ‬وبموتهما‭ ‬اقتنعت‭ ‬العائلتان‭ ‬بضرورة‭ ‬السّلم.
 
الفرق بين إيطاليا والمغرب، يكمن في أن إيطاليا عرفت كيف تحول موروث الأسطورة إلى رافعة ثقافية وسياحية واقتصادية أدى، ليس إلى إشعاع مدينة فيرونا فحسب، بل وإلى جعل إقليم فينيتو وشمال إيطاليا ككل يجني ثمار أسطورة الحب، وهو ما يظهر في البنية التحتية الطرقية القوية وفي البنية الإيوائية من فنادق ومطاعم ومحلات الترفيه ومرشدين سياحيين، لاستقبال ملايين السياح سنويا الذين يحجون إلى فيرونا. في حين عجز المغرب حتى عن تتبيث لاقط هوائي لضمان حق سكان أين سخمان وأيت إيفلمان بالأطلس الشرقي في التواصل السلكي واللاسلكي مع العالم، فأحرى أن يبادر المغرب بفك العزلة عن شريط الأطلس الشرقي لربطه بأهم الأقطاب الحضرية المجاورة لإغواء وإغراء المغاربة والأجانب على حد سواء بزيارة هذا الحوض الجبلي ذو المناظر الخلابة والفاتنة والآسرة. إذ باستثناء الطريق التي أعيد إصلاحها وتوسيعها بين القصيبة وإملشيل، وتلك التي تم تعبيدها بين خنيفرة وإملشيل عبر  سيدي موحا أوسعد وأغبالا، فإن الذهاب إلى مدن وبلدات الأطلس الشرقي يعد مغامرة حقيقية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لمستعملي الطريق، سواء القادمين من بني ملال أو أزيلال عبر واو ويزغت وتاكلفت، أو بالنسبة للقادمين من الراشيدية وميدلت عبر الريش، أو للذين يودون المجئ من تنغير عبر تلمي وأمسمرير و"تيزي ن وانو". أما الذين يفضلون الذهاب إلى إملشيل عبر بومية وتونفيت، فتنطبق عليهم حالة من يختار أداء ثمن "رحلة ذهاب بدون عودة !" لوعورة المسالك وتآكل كل مقاطعها، خاصة من تونفيت إلى أنفكو.
 
التشطيب على الأطلس الشرقي من خريطة السياسة العمومية، جعل هاته المنطقة حكرا على بعض الأوربيين من متسلقي الجبال، وجعل المنطقة "محمية خاصة" فقط ببعض السائحين الأجانب من أصحاب سيارات الدفع الرباعي وأصحاب الدراجات النارية الفارهة، الذين لا تستفيد منهم منطقة الأطلس الشرقي بأي عائد مادي كبير، اللهم بعض الفتات لتأمين أشغال موسمية بعائد مالي تافه لمرشدين ولحمالة ومالكي بغال وأرباب بعض المآوي، فيما الحصة الكبرى من العوائد المالية تنهبها وكالات أسفار مستقرة بمراكش بالدرجة الأولى، و بالدار البيضاء في درجة ثانية.
مؤخرا انتبهت الدولة إلى هذا الشريط المنكوب وتم التوقيع على اتفاقية في شتنبر 2024  بين عمالة ميدلت ووكالة المياه والغابات ووكالة تنمية الواحات وجماعتي إملشيل وبوزمو وجمعية "أخيام"، لبعث الروح في بحيرتي "تسليت وإيسلي" بغلاف قدره 24،5 مليون درهم لتهيئة المنطقة الرطبة للبحيرتين، على أساس أن ينتهي الورش متم 2026.
 
آمل أن تكون هذه الخطوة مدخلا لجبر ضرر الأطلس الشرقي ورد الاعتبار لسكانه وتمكينهم من حقهم في الثروة.
فإن فشل المغرب في جعل إملشيل "عاصمة عالمية للحب"، فعلى الأقل سنضغط بكل ما أوتينا من آليات الترافع والتدافع المدني للحيلولة دون تحويل الأطلس الشرقي إلى "عاصمة أكراد المغرب" !