على هامش انطلاق أنشطة "نادي اللغات والتواصل الحضاري"، بكلية أصول الدين بتطوان، أجرى الباحث إلياس التاغي، منسق نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين بتطوان، هذا الحوار مع الكاتب والمترجم محمد بلال أشمل، أستاذ الفكر والحضارة بكلية أصول الدين بتطوان:
متى بدأتم الكتابة والتأليف والبحث العلمي، ومن حفزكم وشجعكم على ذلك؟
- الكتابة بمعناها العام انطلقت في الصفوف الدراسية الأولى لما صرت أتمرن على تلك الطلاسم من الأبجدية التي صارت بعدئذ واضحة المعاني مع معلمين أكفاء في تلقين الحرف العربي أمثال الأستاذتين السيدة ارحيمو المصوري والسيدة أمينة البقالي. أما بمعناها الخاص فكانت لما كنت أحب التوسع في مواضيع الإنشاءات الصفية في مادة اللغة العربية فتتحصل لدي الصفحات الطوال من الكلام أغلبه لا معنى له. ولكن التوسع في كتابة الإنشاءات ساعدني لكي أنشر أولى مقالاتي في صحيفة اسمها "الرسالة" كان يصدرها المجاهد المرحوم أبو بكر القادري ويشرف على تحررها الصحافي الكبير الأستاذ عبد القادر الإدريسي. وكان ذلك في قسم السادسة ثانوي حوالي سنة 1982 ثم توالت المقالات في صحف ومجلات أخرى وطنية وعربية. ثم إني وجدت بعض أساتذتي الأفاضل يشجعون ما كنت أكتب أذكر منهم مثلا الأستاذ سيدي محمد بركاز حفظه الله، والأستاذ محمد بلحاج بارك الله في عمره، فضلا عن أني كنت أجد في بيت الأسرة شقيقتين لي كانتا تدأبان على كتابة مذكراتهما فأحببت أن أنحو منحاهما وعوض أن أكتب مذكراتي عكفت على كتابة بعض القصائد الرومانسية، وحين علمت أني لا أصلح أن أكون شاعرا، انصرفت إلى كتابة المقالة النثرية وقد تمكنت بي المقالات السياسية التي كنت أديم النظر فيها بالمجلات العربية والجرائد الوطنية. إذا كان أحد قد شجعني فبصورة مباشرة حين يشتري لي الوالد رحمه الله جريدة "المحرر" مع لوازم البيت كلما ذهب إلى السوق، أو تهديني والدتي رحمها الله كتابا بمناسبة عيد ميلادي أو تقدم لي إحدى شقيقاتي كتابا من مقتنياتها للقراءة.. وهكذا. هذا التشجيع المبكر انقضى أمره بمجرد ما صرت أنشر بعض مقالاتي "الإيديولوجية" وانقلب إلى "جحود" مبطن من بعض زملائي في الدراسة الجامعية، أو "التجاهل" من بعض زملاء المهنة ولكني لم أكن أعبأ لا بهؤلاء ولا بأولئك فقد كنت أعكف على شؤوني وقد تحصل لدي الوعي مبكرا أن عملك وحده من يمدك بالرضى لا حكم فلان أو علان ممن يحسنون إطفاء الحريق أو إنقاذ الغريق وليس لهم في العلم والمعرفة نصيب ولو زعموا أنهم من نخبة القوم.
متى بدأتم الكتابة والتأليف والبحث العلمي، ومن حفزكم وشجعكم على ذلك؟
- الكتابة بمعناها العام انطلقت في الصفوف الدراسية الأولى لما صرت أتمرن على تلك الطلاسم من الأبجدية التي صارت بعدئذ واضحة المعاني مع معلمين أكفاء في تلقين الحرف العربي أمثال الأستاذتين السيدة ارحيمو المصوري والسيدة أمينة البقالي. أما بمعناها الخاص فكانت لما كنت أحب التوسع في مواضيع الإنشاءات الصفية في مادة اللغة العربية فتتحصل لدي الصفحات الطوال من الكلام أغلبه لا معنى له. ولكن التوسع في كتابة الإنشاءات ساعدني لكي أنشر أولى مقالاتي في صحيفة اسمها "الرسالة" كان يصدرها المجاهد المرحوم أبو بكر القادري ويشرف على تحررها الصحافي الكبير الأستاذ عبد القادر الإدريسي. وكان ذلك في قسم السادسة ثانوي حوالي سنة 1982 ثم توالت المقالات في صحف ومجلات أخرى وطنية وعربية. ثم إني وجدت بعض أساتذتي الأفاضل يشجعون ما كنت أكتب أذكر منهم مثلا الأستاذ سيدي محمد بركاز حفظه الله، والأستاذ محمد بلحاج بارك الله في عمره، فضلا عن أني كنت أجد في بيت الأسرة شقيقتين لي كانتا تدأبان على كتابة مذكراتهما فأحببت أن أنحو منحاهما وعوض أن أكتب مذكراتي عكفت على كتابة بعض القصائد الرومانسية، وحين علمت أني لا أصلح أن أكون شاعرا، انصرفت إلى كتابة المقالة النثرية وقد تمكنت بي المقالات السياسية التي كنت أديم النظر فيها بالمجلات العربية والجرائد الوطنية. إذا كان أحد قد شجعني فبصورة مباشرة حين يشتري لي الوالد رحمه الله جريدة "المحرر" مع لوازم البيت كلما ذهب إلى السوق، أو تهديني والدتي رحمها الله كتابا بمناسبة عيد ميلادي أو تقدم لي إحدى شقيقاتي كتابا من مقتنياتها للقراءة.. وهكذا. هذا التشجيع المبكر انقضى أمره بمجرد ما صرت أنشر بعض مقالاتي "الإيديولوجية" وانقلب إلى "جحود" مبطن من بعض زملائي في الدراسة الجامعية، أو "التجاهل" من بعض زملاء المهنة ولكني لم أكن أعبأ لا بهؤلاء ولا بأولئك فقد كنت أعكف على شؤوني وقد تحصل لدي الوعي مبكرا أن عملك وحده من يمدك بالرضى لا حكم فلان أو علان ممن يحسنون إطفاء الحريق أو إنقاذ الغريق وليس لهم في العلم والمعرفة نصيب ولو زعموا أنهم من نخبة القوم.
المعلوم أن لكل كاتب ومفكر ومبدع إلا وله طقوس خاصة في الكتابة والبحث العلمي، ممكن أن تحدثنا عن طقوسكم الخاصة في الكتابة والبحث العلمي؟
- ليست لدي طقوس بالمعنى المتعارف عليه كقواعد صارمة في الكتابة والبحث العلمي. إنما أقتنص ساعة أو قل ساعات من العمل كلما تهيأت لي أسباب الفراغ من مسؤوليات مهنية أو أسرية. الكتابة قضية قبل كل شيء. والبحث العلمي واجب. ولذلك فكلما كنت أكون مهيأ لهما أنهض بمقتضياتهما بكل صدق وأمانة وشغف.
3. في آخر لقاء لكم في مكتبة أغورا حول تقديم كتابكم الموسوم ب:"الفقه الإسلامي في المتن الإسباني: نظام الأحباس (1912-1956)، قلتم أن هذا الكتاب استغرق منكم حوالي عشرين سنة، ما سر هذه المدة الطويلة؟
- سر ذلك إيماني بمقولة أحد الفلاسفة – ولعله ديفيد هيوم-بعدم الذهاب المبكر إلى المطبعة حتى يستوثق المؤلف مما كتبه، ويكون إضافة إلى الشعب المعرفي الذي يشتغل فيه، مع ما يقتضي ذلك من الوفاء بالشروط المعرفية والمنهجية. هذا والبحث العلمي يتجوهر بالصبر في القراءة المتبصرة للنصوص أو للمخطوطات أو للوثائق، وبالصبر في تصيد فوائدها، وبالصبر في صياغة المشروعات العلمية، والعمل على تحقيقها وقد استوت ناضجة كما وكيفا. أما العجلة، أما الرغبة في الظهور، فهي ليست من قيم البحث العلمي الذي يقتضي الأناة والتروي. وهكذا، فمادة كتابي حول الأحباس الإسلامية في الكتابات الإسبانية خلال فترة الحماية على الشمال المغربي تحصلت لدي منذ وقت بعيد عندما كنت بصدد إعداد دبلوم الدراسات العليا بمدريد، وكنت أضعها في ملفات خاصة، حتى إذا صح لدي أني قادر على تركيبها في منظومة تأليفية، كنت أبحث لها عن منظومة علمية، ثم أنظر هل هي صالحة ضمن مشروع علمي أوسع، فلما تيقنت من جميع ذلك، نشرت الكتاب ضمن مشروع "الفقه الإسلامي في المتن الإسباني" الذي له نظائر وأشباه تنتظر النشر.
قرأت لكم في حوار مع الباحث خالد محمد عبده. تقول بالحرف:" إنتاجي الفكري أغلبه مخطوط، وما نشر منه، في المغرب أو خارجه، باللسان العربي أو القشتالي، فيه محض حدوس لما يشغلني على الأصالة من قضايا الفكر والثقافة". هل نفهم من قولكم هذا بأنكم لستم متصالحين مع دور النشر أم جشع الناشر يمنعنكم من وضعه بين أيدي القراء؟
- هو غير هذا وقليل منه أيضا. وليس في الأمر مفارقة البتة. كل ما في الأمر أني أرتب الأمور وفق سياسة معينة أعتقد فيها في النشر وذلك وفق الاهتداء إلى دار نشر مناسبة تكرم العلم وأصحابه. آفتنا في النشر أننا نصادف تجارا لا ناشرين، وحين يشتد بؤس الناشرين ينصرف الكتاب إلى النشر على حسابهم، ويكون ذلك أكرم لهم وإن كان ذلك أكثر الأمور كراهة لهم في نفس الوقت.
في كتابكم " سؤال المشروع الثقافي في تطاون العامرة". قلتم بأن المداولين للشأن الثقافي في مدينة تطوان موضع مساءلة، من جهة، أنهم لم ينتبهوا إلى سؤال المشروع الثقافي في تطاون ولتطاون. ومن جهة أخرى، أنهم لا يدينون بالولاء لمدينتهم في ممارستهم الثقافية كما ينبغي لهم. ".
السؤال هنا، كيف يمكن صياغة مشروع ثقافي في تطوان لتطوان العامرة يعكس ولاء حقيقيا للمدينة وقيمها وعمرانها وحضارتها وتاريخها العريق؟
- لعلي أجبت على هذا السؤال "الميتافيزيقي" المزعج في كتابي الذي أشرت إليه. وأختصره الآن بالقول إن مقتضى المشروع الثقافي لتطاون هو الثقة في الذاتية المدينية لمكاننا المشترك، والسعي إلى ربح تحدي الكونية عبر المحلية.
الاهتمام بالفكر والمتن الإسباني، بالضرورة فرض عليكم التمكن من اللغة الإسبانية. ممكن أن تحدثنا عن أهمية اللغات عموما، واللغة الإسبانية خصوصا في البحث العلمي؟
- لا أحد يزعم "تمكنه" من اللغات لاسيما إذا كانت لغة من قبيل "غنيمة الحرب" كما عبر عنها أحد الكتاب. الحاصل أن تحصيل اللغات غير اللغة الأم أمر ضروري، ويتطلب مجهودا يوميا دائبا وخصوصا في البحث العلمي. وكما كان الصبر في البحث العلمي مطلوبا، فكذلك هو مطلوب في تحصيل المعرفة باللغات الأجنبية. ولذلك فحال اللغة الإسبانية كحال جميع اللغات تقتضي الصبر والمجاهدة. وإذا كان قدرنا الجيوسياسي وضعنا في جوار جغرافي وتاريخي مع إسبانيا، فيكون من الذكاء الاستراتيجي تحصيل هذه اللغة، والوقوف على أسرارها، والاطلاع على مختلف ثمارها في كل شعاب المعرفة العلمية المحررة بلسانها. غير أن البحث العلمي يتجاوز القدر الجيوسياسي إلى القدر الحضاري، ومفاده ضرورة تحصيل كل ما أمكن من اللغات للبحث العلمي ومنها اللغات الحية ووسائل التكنولوجية المقترنة بها.
بماذا تنصح من يريد أن يدخل لمجال الكتابة والبحث العلمي عموما، وعلى وجه الخصوص الطلاب والطالبات في كلية أصول الدين بتطوان؟
- إذا كان ولا بد من تقديم النصح لطلبة وطالبات كلية أصول الدين بتطاون من حيث كوني عضوا في هيئة التدريس التي تنهض بمسؤولية تأطيرهم معرفيا ومنهجيا، فدعني أقول لهم "عليكم باللغات الأجنبية" من ناحية أولى، فقد تفتح لهم أفقا للبحث العلمي ما كان ليخطر على بالهم لو جمدوا على حالهم من النفور من تعلم اللغات بأسباب غير مقنعة تماما. ومن ناحية ثانية، "عليكم بالصبر" في البحث العلمي، ومن ناحية ثالثة، "عليكم بالشغف والأمانة" في جميع ذلك. ولكن "النصح" الأكبر يكون في الإيمان بجدوى "القراءة" للمتون بجميع أصنافها، فالمرء يستطيع مع الوقت تخير أي المتون أقرب إليه، وأيها أوفق له في رسم مشروعه العلمي، وأيها أقرب إلى مزاجه وتطلعاته العلمية والاجتماعية.
هل لكم مشاريع قيد الإنجاز أو أعمال فكرية أو مترجمة قيد النشر؟
- هي كثيرة والحمد لله إن أنسأ الله في العمر منها ماهو قيد المراجعة والتنقيح، ومنها ما ينتظر التحقق من بعض الوثائق التي يصعب الحصول عليها في الوقت الحالي، ومنها ما هو في المطبعة ينتظر أجله للصدور، ومنها ما هو محض حدوس، في طور النضج لكي تصير أفكارا تتوج بمشاريع علمية ...
ماهي الكلمة الأخيرة تقدمها للقراء ومثقفي مدينة تطوان العامرة؟
- "الكلمة الأخيرة" صعبة دائما، بل ومحال المحال، ولاسيما في ميدان البحث العلمي. ولكن إذا كان ولا بد من "كلمة مسترسلة" وهي فلينظر أحدكم ما يقوم على صنعه، وما مبلغ العدة التي يملكها من القوة، وما السبيل الذي يسلكه لتحقيقها، وهل يصبر ويتأنى في جميع أحواله مع الصدق والأمانة والشغف أم لا...
حاوره: الباحث إلياس التاغي، منسق نادي اللغات والتواصل الحضاري