Monday 9 June 2025
خارج الحدود

محمد الطيار: جبهة تحرير أزواد.. هل تعيد الجزائر إنتاج سيناريو البوليساريو في الساحل الافريقي

محمد الطيار: جبهة تحرير أزواد.. هل تعيد الجزائر إنتاج سيناريو البوليساريو في الساحل الافريقي محمد الطيار، رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية

في أواخر سنة 2024، وبينما كانت الأنظار متجهة نحو التطورات العسكرية شمال مالي، جرى إعلان تأسيس "جبهة تحرير أزواد"، وهي التسمية التي لم تكن مجرد صدفة لغوية. فالتقارب الظاهر بين هذا الاسم واسم "جبهة البوليساريو" التي أنشأتها الجزائر في سبعينيات القرن الماضي لزعزعة استقرار المغرب، يفتح الباب أمام سؤال مقلق:
هل نحن أمام استنساخٍ لسيناريو مخيمات تندوف في قلب الساحل؟

 

أزمة إنسانية تستغلها الجغرافيا السياسية
في موريتانيا، وخصوصًا في مخيم "امبره" أقصى الشرق، تعيش آلاف الأسر المالية وضعا إنسانيا بالغ الهشاشة بعد توقف الدعم الدولي الانساني، خاصة من برنامج الغذاء العالمي. وبحسب شهادات ميدانية، بدأ لاجئون في التوجه نحو ولاية أدرار الجزائرية عبر مدينة برج باجي مختار، حيث لم تسجّل أي ممانعة رسمية من الجانب الجزائري.
وفي هذا الصدد، أكد الناشط المالي وأمين عام "حركة التحول والمصالحة في مالي"، أغ أحمدو محمد، أن عدة أسر مالية لاجئة في موريتانيا غادرت إلى ولاية أدرار الجزائرية أواخر مايو 2025  ، بسبب تدهور الوضع المعيشي، مشيرا إلى توقف المساعدات الطبية في مخيم "امبره" منذ نهاية مايو، مما ترك آلاف اللاجئين دون رعاية صحية. ودعا أغ محمد السلطات الموريتانية إلى الاهتمام العاجل بحالة اللاجئين ومراجعة الإجراءات التي تحد من حريتهم مع احترام حقوقهم الأساسية.
وهنا الملاحظ ان التوقيت ليس بريئا. فالتحرك تزامن مع بروز الجبهة الأزوادية الجديدة، ولم تعترض  السلطات الجزائرية على قدومهم  كما لم تقم بطردهم كما تعودت على فعله مع اللاجئين، في مشهد يعيد الى الادهان بما جرى في مخيمات تندوف قبل نصف قرن.

 

تندوف وأزواد: التشابه المُقلق
تُظهر التحليلات الراهنة أن الجزائر، في ظل تراجع نفوذها الإقليمي في ليبيا ومالي والنيجر، تحاول تعويض هذا الانكماش عبر إحياء أو دعم كيانات تدور في فلكها، تتبنى شعارات "التحرير" و"تقرير المصير". ومن أخطر هذه المساعي ما يبدو أنه محاولة لإعادة تدوير النموذج الذي اعتمدته في تندوف مع البوليساريو، في منطقة أزواد شمال مالي، عبر دعم  "جبهة تحرير أزواد".

 

أوجه التشابه المُقلقة بين الحالتين:

- التسمية الثورية الدعائية:
كلا الحالتين تحملان بصمة لغوية واحدة: "جبهة"، "تحرير"، وهي مصطلحات تُستخدم لتضفي الشرعية النضالية على كيانات انفصالية تخدم أجندات استراتيجية أكثر من كونها تمثل مطالب شعبية خالصة.

- الموقع الجغرافي الحدودي:
تندوف تقع على حدود المغرب ، وأزواد على حدود الجزائر مع مالي. في كلا الحالتين، الجزائر تجد في هذه المواقع العازلة منصات مثالية للتأثير والضغط على الدول المجاورة دون الدخول في مواجهة مباشرة.

- استغلال معاناة "اللاجئين":
في تندوف، حولت الجزائر المخيمات إلى ورقة سياسية وأمنية. السيناريو ذاته يُخشى أن يُعاد في شمال مالي، حيث يمكن استغلال النزوح في ظل الفوضى الأمنية هناك لإنشاء "مخيمات لاجئين" يُعاد توظيفها لاحقا لأهداف غير إنسانية.

-التجنيد الإعلامي والرمزي:
ترفع كلتا الحالتين شعارات "تقرير المصير"، لكن ضمن سردية مختزلة وموجهة، تتجاهل السياقات القانونية والديموغرافية والجهوية الحقيقية، وتستثمر لإضفاء شرعية على مشاريع انفصالية هجينة.

- توظيف الخطاب الهوياتي والعرقي
تم استغلال البعد العرقي في القضيتين: البوليساريو تحت لافتة "الهوية الصحراوية" المنفصلة عن المغرب، والأزواد تحت راية "الهوية الطوارقية" المهمشة داخل مالي. هذا التوظيف يخدم تفتيت البنية الوطنية للدول المستهدفة، مع تجاهل التعدد الهوياتي والقبلي الحقيقي في تلك المناطق.

 

الخلاصة

 ما يجري يشير إلى أن الجزائر لا تزال تعتبر "الحروب بالوكالة" أداة مركزية في سياستها الخارجية، حتى بعد تآكل فعالية هذا النهج وتغير توازنات الإقليم. تكرار سيناريو تندوف في أزواد ليس فقط تهديدا للاستقرار في مالي، بل أيضا إنذار مبكر بتوسيع دائرة التوترات الهجينة في الساحل والصحراء و تحويل  الساحل إلى ساحة جديدة للابتزاز الانفصالي.          
 

أمام هذه التحولات، يفترض أن تعيد موريتانيا تحصين موقفها الإنساني بحشد دعم دولي عاجل. وان يتحرك المغرب إعلاميا ودبلوماسيا لإبراز أوجه التشابه مع قضية الصحراء المغربية، وتحذير المنتظم الدولي من خطر الكيانات المصطنعة.  
 

كما من المفترض ان تتحرك الدول الإفريقية بحزم ضد مشاريع التفتيت والانفصال، تجنبًا لنموذج "صوملة الساحل ".، وان يتدخل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لمنع عسكرة أي تجمعات لاجئين جديدة في جنوب الجزائر.