Monday 9 June 2025
مجتمع

سعيد العزوزي يحذر: لا لتفويت مراكز الطفولة والشباب بالمغرب

سعيد العزوزي يحذر: لا لتفويت مراكز الطفولة والشباب بالمغرب سعيد العزوزي، رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة

في لحظة مفصلية من تاريخ العمل الجمعوي والتربوي بالمغرب، تتعالى أصوات عديدة ترفض المس بالوظيفة العمومية لمؤسسات الطفولة والشباب، وتستنكر مسلسل التراجع المتسارع عن دعم الفعل التربوي والثقافي، تحت ذرائع واهية. صوت من هذه الأصوات يحمل نبرة الصدق وحرقة الجمعوي الملتزم، يتعلق الأمر بسعيد العزوزي نائب رئيس اتحاد المنظمات المغربية التربوية ورئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة، الذي استضافته جريدة "أنفاس بريس" وكان لنا معه هذا الحوار الصريح، نتقاسمه مع القراء.

 

بداية، نود أن نبدأ من موقفكم الصريح الرافض لتفويت مراكز الطفولة والشباب. كيف ترون هذا التوجه؟

 دعني أبدأ بموقف الاتحاد الذي لا يحتمل التأويل: لا لتفويت مؤسسات الطفولة والشباب. لا لبيع الذاكرة الجماعية والحق العمومي في التربية، إننا اليوم أمام ما يمكن أن نسميه "المؤامرة الناعمة" لتفكيك البنية التحتية للتنشئة الاجتماعية، عبر تمهيد الطريق أمام جهات تجارية ربحية لتحويل مراكز الاستقبال وبعض المخيمات إلى مشاريع استثمارية فارغة من بعدها التربوي والثقافي.

 

هذا التوجه ليس مجرد إجراء إداري أو تغيير تقني في التدبير، بل هو انقلاب على فلسفة الدولة الاجتماعية، وتهديد لمستقبل الأجيال الصاعدة. على اعتبار أن مراكز الاستقبال والتخييم ليست فقط بنايات، بل هي ذاكرة وطنية حية، وفضاءات لتنشئة المواطنين والمواطنات، ولتأطير الطفولة والشباب بقيم الانتماء والإبداع والمشاركة.

 

 ما الذي دفعكم في اتحاد المنظمات المغربية التربوية إلى إصدار هذا البلاغ في اجتماع استثنائي في هذا التوقيت بالضبط؟

 ما دفعنا هو الشعور العميق بالمسؤولية تجاه مستقبل فضاءات الطفولة والشباب، وتجاه آلاف الأطفال والشباب الذين يعتبرون هذه المؤسسات ملاذا تربويا واجتماعيا وثقافيا. لقد بلغنا مستوى غير مسبوق من القلق بسبب مؤشرات واقعية وميدانية تؤكد أن الحكومة تسير في اتجاه خوصصة هذه الفضاءات وتسليمها لمنطق السوق والربح، دون أي مقاربة تشاركية أو مراعاة للأدوار التاريخية للجمعيات التربوية.

 

 تحدثتم سابقا عن تراجع المؤسسات التربوية هل يمكن توضيح ما تقصدونه بهذا التشخيص؟

 نعم، ما نشهده اليوم هو تآكل بطيء، لكنه منهجي للمؤسسات التربوية العمومية. بدأ ذلك بتقليص وتجميد الصيانة والتجهيز، ثم وصلنا إلى إغلاق عدد من المراكز، بعضها نهائي وبعضها الآخر موسمي أو جزئي.

 

هل تعلمون أن مخيمات كانت تحتضن الآلاف من الأطفال في كل مرحلة نذكر منها على سبيل المثال الهرهورة (1340 مستفيدا)، طماريس (500 مستفيدا)، وسيدي رحال (600)، والانبعاث (400)، أصبحت اليوم مجرد أطلال؟ بل إن بعض مخيمات الأطلس، التي كانت مفخرة وطنية، تراجعت طاقاتها بشكل دراماتيكي. والأخطر من كل هذا، أن الحصص التي كانت تستفيد منها الجمعيات الوطنية قد انهارت. من معدل 2400 إلى 4000 مستفيد لكل جمعية، أصبحنا بالكاد نصل إلى 800 مستفيد. هذا تراجع يبعث على القلق، لأنه لا يتعلق فقط بالأرقام، بل بمصير آلاف الأطفال الذين يُحرمون من حقهم في التخييم والتنشئة.

 

ثم هناك أمر خطير آخر، يرتبط باستمرار إغلاق 54 مركز استقبال لأكثر من سنتين، رغم ما صُرف عليها من مئات الملايين في الإصلاح والتجهيز. هذه المراكز كان يمكن أن توفر أزيد من 2000 مستفيد في كل مرحلة، أي ما يزيد عن 10000 فرصة إضافية للأطفال واليافعين والشباب.

 

 هل تعتقدون أن هذا التراجع نتيجة ضعف الموارد أم أنه نهج سياسي مقصود؟

 أعتقد، وبكل موضوعية، أن ما نعيشه ليس مجرد أزمة موارد، بل هو توجه سياسي واضح نحو الخوصصة المقنعة. يتم تفريغ المؤسسات من محتواها العمومي، وهناك من يسعى جاهدا لتدبير هذه الفضاءات بمنطق مقاولاتي صرف، وكأننا أمام شركة خاصة، لا أمام مرفق عمومي له أدواره الحيوية في التربية والتنمية الثقافية.

 

 إذن أنتم ترون أن الدولة تتخلى عن وظيفتها الاجتماعية؟

بالضبط. وهذا التراجع لا يصيب فقط مراكز الاستقبال والمخيمات ...، بل يمتد إلى عمق السياسات الاجتماعية. ما يجري اليوم هو تهريب للمسؤولية، وتفكيك للبعد الاجتماعي والثقافي للدولة. بل وأكثر من ذلك، هو ضرب مباشر لأدوار الجمعيات التي تعتبر شريكا استراتيجيا في التنمية المستدامة.

 

وللأسف، كنا نتطلع إلى أفق أرحب مع هذه الحكومة، التي قدمت نفسها على أنها حكومة الكفاءات، وتعهدت بتنزيل أسس الدولة الاجتماعية بأبعادها الثلاثة: "الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية". وهذا يتطابق مع المطالب التاريخية للحركة الجمعوية، التي كانت دوما تطالب بتمكين المؤسسات التربوية وتعزيز شراكاتها. لكن الواقع خذلنا وما نراه اليوم هو نقيض لكل تلك الشعارات: تراجع خطير، ليبرالية متوحشة، إغلاق باب الحوار، سياسة الإقصاء والتهميش، والآذان الصماء فأين هي الكفاءة؟ وأين هو المشروع الاجتماعي؟

 

 وما هو موقفكم تجاه هذا الواقع؟

 موقفنا موقف مقاومة ورفض، ولن نصمت أمام التراجع، ولن نرضخ أمام من يريد أن يختصر الطفولة في سوق ومنافع. نحن دعاة إصلاح وحوار جاد، لا فوضى، لكننا أيضا حراس للقيم التربوية التي آمنت بها أجيال من المغاربة. ولم تكن هذه الصرخة (بلاغ اتحاد المنظمات المغربية التربوية) وليدة انفعال لحظي أو ردّ فعل ظرفي، بل جاءت بعد ثلاث سنوات كاملة من الصبر والتريث والمسؤولية، انتظرنا خلالها أن يفتح حوارا وطنيا مسؤولا مع الجمعيات الجادة والتاريخية التي ما زالت تؤمن بأهمية الاستثمار في الإنسان، وتضع الطفولة والشباب في قلب مشروعها المجتمعي.

 

لقد تريثنا كثيرا وراهنا على منطق العقل والمؤسسات، مؤمنين أن إصلاح واقع مؤسسات الطفولة والشباب لا يمكن أن يتم بمنطق الإقصاء والتجاهل، ولا بمقاربات تدبيرية تفتقر للرؤية، بل يحتاج إلى شراكة حقيقية، وتعاقد استراتيجي، وحوار مفتوح مع الفاعلين الميدانيين لكن حين استمر الصمت، وتكرس الانغلاق، وواصلت المراكز التربوية الإغلاق والتراجع، بينما تراجعت حصة الجمعيات، كان لا بد من إطلاق هذه الصرخة الواضحة، ليس فقط للدفاع عن الجمعيات، بل من أجل الدفاع عن حق الأجيال القادمة في الفضاء العمومي التربوي، في التخييم، في الإبداع، في الحياة.

 

 هل من الممكن أن تؤدي هذه التعبئة إلى تعديل موقف الحكومة؟

 نأمل ذلك. نريد أن نسمع صوتنا بقوة نحن لا نبحث عن مواجهة لأجل المواجهة، بل نطالب بالحوار والإنصات وتفعيل الديمقراطية التشاركية وإذا تجاوبت الحكومة فهذا مرحب به. وإن أصرت على مخططها، فإننا مستعدون لكل أشكال النضال المشروع من أجل حماية هذه المرافق العمومية الحيوية.

 

ما هو تصوركم لحماية هذه الفضاءات؟

ـ نحن نؤمن بأن حماية مؤسسات الطفولة والشباب مسؤولية جماعية، وتتطلب اليوم تشكيل جبهة وطنية موسعة تضم الجمعيات، والنقابات، والحقوقيين، والفعاليات السياسية، وكل الضمائر الحية. كما قررنا إطلاق برنامج وطني للترافع والاحتجاج ابتداء من هذا الشهر، عبر آليات مناسبة لكل مرحلة يتم تحديدها لاحقا.