الزميل عبد الرحيم أريري بضريح سيدي محمد البهلول:" عزري العلوة"( أي عريس مزاب)، وبضريح سيدي حجاج:" طاير العلوة" ( أي الذي يرفرف عاليا ويحلق في سماء الروحانيات).
أكاد أجزم أن الأغنية الشعبية "العلوة" تعتبر بمثابة النشيد الثاني لمعظم المغاربة، وخاصة من هم في جيلي. فرغم كل محاولات تهميش هذا الموروث الشعبي المغربي(الموروث البدوي منه بالخصوص)، سواء في عهد الاستعمار أو في عهد الحكومات التي تعاقبت على المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، فإن أغنية "العلوة"، كإحدى أبرز تجليات العيطة الشعبية، صمدت في وجه ماكينة الإقصاء، بالنظر إلى كون "العلوة" ظلت تحتضنها وتتوارثها الأجيال المغربية على مر العصور منذ أن تم نظم هذه القصيدة الزجلية الرائعة المشبعة بالروحانيات وبالبصمة الصوفية.
اليوم الأحد 15 دجنبر 2024، وبعد أن أنهيت التزاما مهنيا بسيدي العايدي بإقليم سطات، فضلت أن أعرج على منطقة مزاب، عاصمة العلوة" بامتياز، وفاء لكل من أبدع في نظم ولحن وأداء "العلوة"، ووفاء أيضا لكل من حافظ على هذا الرأسمال اللامادي المغربي البهي، ووفاء أيضا لكل من يترافع لرد الاعتبار للفن الشعبي بالمغرب ( وعلى رأسهم الشاعر والكاتب لمزابي، حسن نجمي). هذا الفن الشعبي الذي لم يتم تثمينه للأسف، سواء من طرف وزارة الثقافة أو من طرف مجلس جهة البيضاء سطات أو من طرف ولاية الجهة أو من طرف عمالة إقليم سطات وبرلمانيي المنطقة، عبر إدماج هذا الموروث في السياحة الثقافية والدينية على حد سواء، مع ما يلزم ذلك من تنظيم مهرجانات سنوية يشارك فيها شيوخ العيطة عامة و"العلوة" خاصة، وبرمجة لقاءات فكرية، واحتضان الفرق الغنائية الشعبية، وصيانة المزارات المرتبطة بموطن "العلوة" وكذا صيانة منازل الفنانين الذين تألقوا في أدائها، وإطلاق أسمائهم على الشوارع والمرافق العمومية، وإحداث متحف لآلة الوتار والكمان إعلاء من شأن الثقافة الشعبية، وغيرها من التدابير التي تتبناها الدول التي تحترم موروثها الفني والتقافي بشكل عام.
ونحن نحيي ذكرى العدالة الانتقالية، يمكن اختيار "العلوة" مدخلا لمصالحة الدولة مع "منطقة مزاب" المغضوب عليها من طرف المركز، والمغيبة قسرا من رادار السياسة العمومية وطنيا وجهويا ومحليا، بدليل أن جماعة "راس العين" موطن القطب الرباني سيدي محمد البهلول "مول السر المكمول"، تكاد تكون نسخة طبق الأصل لمنطقة "تورابورا" بأفغانستان الطالبانية، من حيث العزلة واحتقار سكانها من طرف المسؤولين، وهو الاحتقار الذي يبرز من خلال وضاعة البنية التحتية ورداءة الفضاء بمركز الجماعة، هذا دون الحديث عن الوضعية الكارثية للمقبرة التي تحتضن الأضرحة 12 لسيدي امحمد البهلول وأبنائه ومريديه.
نفس الوضع ينسحب على مقبرة جماعة سيدي حجاج "للي شاد السفينة لا تعواج"، التي توجد في وضع مهين للموتى وللأحياء.
أما إذا انتقلنا إلى مدينة "بن احمد"، عاصمة مزاب، فيكاد التاريخ بهذه المدينة يتوقف عند القرن الثامن الميلادي !! وكأن كل من تعاقب على تدبير شؤون المغرب، أراد " تأديب قبيلة مزاب" من خلال التشطيب على عاصمتها (مدينة بن احمد)، من خريطة الاستثمارات العمومية، انتقاما من نزعة سكان مزاب التمردية ضد بطش وطغيان السلطة عبر تاريخ المغرب، وانتقاما من الأرحام المزابية التي أنجبت معارضين نقابيين ومثقفين وشعراء وأدباء ومفكرين لايهادنون السلطة.
والحال أن مجرد إنجاب "منطقة مزاب" لأغنية "العلوة" التي أطربت وتطرب كل المغاربة في الحفلات والمهرجانات والأعراس، ينهض كسبب وجيه ليلتفت المسؤولون إلى خريطة المغرب ليقفوا بأم أعينهم على أن 172.160 مغربيا مزابيا موزعين على تراب دائرتي بن احمد الشمالية والجنوبية، لا ينتظرون سوى الإنصاف ولا يطالبون سوى بجبر الضرر إسوة بالمناطق المغربية الأخرى.
في انتظار مصالحة المغرب مع مزاب، لا أملك إلا أن أردد بصوت روحاني تصوفي:
"يامن غادي العلوة.. تعالى نوصيك بعدا
إلا وصلتي سلّم.. العلوة لا تكلم
العلوة زينت البلدان.. خرجو منها قومان
محمد مرضي والديه.. حفضو ربي لاتحفيه
العلوة ومواليها، والصلاح اللي فيها
العار امول التوتة.. لمواسم فيك منعوتة
لالحقتي الباب توضى وتأدب..
لبهالة بحر كبير.. لبهالة مَجمَع الخير"
إلا وصلتي سلّم.. العلوة لا تكلم
العلوة زينت البلدان.. خرجو منها قومان
محمد مرضي والديه.. حفضو ربي لاتحفيه
العلوة ومواليها، والصلاح اللي فيها
العار امول التوتة.. لمواسم فيك منعوتة
لالحقتي الباب توضى وتأدب..
لبهالة بحر كبير.. لبهالة مَجمَع الخير"