ما أود أن أؤكد عليه، هو أن “معسكر 12 أكتوبر“ بتندوف خصّص لاستقبال كلّ الملتحقين بالبوليساريو الجدد، لكن يشتغل على اختصاص آخر هو أنه يضم جناحا يطلقون عليه جناح “الأشبال”، “أشبال الثّورة“، أي ما يقارب من 2000 شابّ وشابّة من 9 سنوات إلى 20 سنة. ذاك المعسكر مورست فيه كل أنواع تجنيد الأطفال.
بالنسبة لي تجنيد الأطفال يعني التدريب على السّلاح وحمل الّسلاح، يعني الرّمي بالدخيرة الحيّة. كلّ هذا وقع وكان يقع في “معسكر 12 أكتوبر“. أنا شخصيا دخلت إليه، وربّما قد يكون عمري آنذاك 16 سنة، وكان يتواجد معي من هم أقل من 9 سنوات، وذوي 6 سنوات، و7 سنوات.
وبخصوص مسلسل إجرام البوليساريو منذ تأسيسها إلى اليوم، منها سجون التّعذيب والقتل بشهادات الضحايا، منها حالات الاغتصاب الذي استمر مع تأسيس التنظيم. لكن، ونتيجة لحساسية هذا الجرم داخل المجتمع، ونتيجة لعادات وتقاليد المجتمع، فإن جرم اغتصاب النساء يعدّ من المحظورات، فلا يتم تداوله داخل المخيمات نتيجة لحساسياته.
وهو ما استغله تنظيم البوليساريو بشكل فاحش. فكلّ النّساء والفتيات اللّواتي تعرّضن للاغتصاب دائما يواجهن هذا الجرم بالجحود والصّمت والكتمان، لأن المجتمع لا يرحم. فأيّ فتاة وامرأة أعلنت أنّها تعرضت لاغتصاب ستكون محلّ سخط من عائلتها، وبالتالي أصبح الاغتصاب الذي مارسته قيادة تنظيم البوليساريو على النّسوة بالمخيمات هو اغتصاب مسكوت عنه، لا يمكن للنساء أن تكشفنه وتفجّرنه للعلن.
مسلسل الاغتصاب الذي تعرضت له نساء المخيّمات تفاقم، حيث يتم استغلال “العارفات“ “امرأة موالية للقيادة تشرف على 10 نساء“ في تنظيم البوليساريو، مهّمتهن هو التبليغ، تبلغ عن النّسوة كلّ 24 ساعة. وهذا نوع من السّيطرة والتّحكّم تنهجه البوليساريو، ممّا جعل النّساء الضّحايا ترضخن للقيادة، لأنّهن يتخوّفن من جبروت واعتداءات القيادة واتقاء شرّهن من اختطاف وتعذيب وما شابهه. وتحولت “العارفات“ من مهمة التّبليغ، إلى الوساطة اللاأخلاقية في الدعارة والاغتصاب. فكل قيادي في البوليساريو كلّما أعجبته امرأة، يعطي أمره للعارفة، ويتمّ تسخيرها لاستدراجها واستقدامها وإعطاء الأمر لأن تلتحق بالإدارة المركزية “الرّابوني“. من أجل اغتصابها.
لقد عشنا هذه المآسي والفواجع ورأينا هذه الحالات. وأكثر قيادات تنظيم البوليساريو ممارسة لهذا الجرم هو إبراهيم غالي، الذي كان يعرف باسم “إبراهيم لعليات“، وبعده بدرجة ثانية معه البشير مصطفى السّيد، اللّذان يتفاضلان في ممارسة الاغتصاب والفساد وهاته الجرائم على النساء، وفي استغلال السّلطة ونشر الرّعب بين النّساء والرّجال أيضا.
مسلسل اغتصاب النّساء استمر، ممّا نشر الرّعب والخوف في صفوفهن من السّجن والعقوبة، وبالتّالي فهن يرضخن لنزوات القيادة. ودائما قيادة البوليساريو تعلن حالة الطوارئ، حيث يتم استغلال عدم وجود الرّجال داخل المخيم لتبقى النّساء داخله مع القيادة، ويتمّ استغلال الوضع في مدرسة 27 فبراير الممنوعة على الرجال.
أعرف سيدة، اتحفّظ على ذكر اسمها، تعرضت لاغتصاب من طرف مصطفى البشير، وهي متزوجة ولديها خصام مع زوجها. فكانت امرأة جميلة جدا، أرسل لها البشير سيارة التنظيم لتلتحق بالإدارة المركزية في “الرّابوني“، فأغلق عليها في أمانة المكتب السياسي ومارس عليها الاغتصاب لثلاثة أيام، وتظاهرت بالحمل، واتصلت بي. فأرسلها البشير إلى فرنسا لإجهاضها، ممّا تسبّب لها في نزيف فعادت إلى المخيم وهي مريضة، فنقص وزنها وظهرت عليها علامات المرض الشّديد، وحينما كنت أفتح معها الموضوع تصارحني وتجهش بالبكاء. وهذه الحالة من حالات متعدّدة وكثيرة متكرّرة، حيث النساء يحملن حملا غير شرعيّ في المخيم. أما الأطفال الذين ينجبنهن فهم غير شرعيين ولا يمكن أن يعيشوا في المخيمات. وهذا النّوع من الأطفال يسبّب إحراجا لأسرة المرأة الضّحيّة، فصارت معها تجارة الأطفال المولودين بحمل غير شرعيّ رائجة، حيث يتم إرسالهم إلى عائلات أوروبية عبر رحلات، كما يتم تبنّيهم من قبل أٍسر غربية. وهذه شهادة لي من آلاف الحالات التي عشتها وعايشتها.
في المخيم، حينما تتظاهر سيدة بالحمل، يتمّ حملها إلى مراكز تحت الأرض تسمى بـ “الغار“، وهو سجن تحت الأرض، تسجن فيها النساء اللّواتي حملن من قيادة البوليساريو، وحتّى في تلك السّجون يتم اغتصابهن، حيث تفشى ذلك في زمن الطغيان والجبروت بمخيمات الذّل والعار في تندوف. كما كان مدير المخابرات لدى البوليساريو أحمد البطل، يمارس بدوره الاغتصاب على نساء حملن حملا غير شرعيّ. وهنا أتذكر أنه لمّا احتجت سيدة حامل عليه أطلق عليها الرّصاص، وحينما احتج زوجها بدوره كان مصيره القتل هو الآخر. وهذه عملية ذائعة الصّيت بالمخيمات، كل ومن يحتج على الاغتصاب أو يفشيه، يكون مآله التّصفية والقتل.
أحمد المكّي الداهي، ضابط سابق في البوليساريو