يوجد سجن الغار على بعد حوالي ثلاثة كلومترات شمال مخيم اسمارة بتندوف، وهو خاص باحتجاز وسجن النساء المغتصبات من طرف قيادة البوليساريو وأزلامهم، أو من طرف عناصر الجيش الجزائري أو غيرهم. ولا تخرج النساء إلا بعد سنوات طويلة، يتعرضن خلالها لأقسى أصناف التعذيب والإهانة والاستغلال الجنسي، وقد تخرج المرأة أو الفتاة بطلب رسمي من رجل يريدها للزواج، وهي حالة نادرة الحدوث.
في شهادتها المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي https://vm.tiktok.com/ZMhvqVtto/. تقول الرباب بنت محمد أحمد، من قبيلة الرقيبات أهل قاسم وإبراهيم، إنه تم إلقاء القبض عليها ليلا من طرف دورية الدرك، وقام عناصرها باغتصابها بشكل جماعي، وحملت، ليتم الذهاب بها إلى سجن الغار، حيث تعرضت للعذاب والاغتصاب، وأنجبت طفلا ذكرا تم انتزاعه منها، وبقيت مسجونة بـ "سجن الذهبية" الملقب بالغار من سنة 2002 إلى سنة 2013، أي مدة إحدى عشر سنة. وذكرت في شهادتها أنه كان صحبتها بسجن الغار، العديد من الفتيات الصغيرات السن، اللواتي تم اغتصابهن وحملن، إحداهن اغتصبها وكيل الجمهورية المسمى «حرايمة». وقد حصل لها نزيف دموي حاد، نقلت على إثره إلى مدينة تندوف لتتوفى نتيجة الاغتصاب والنزيف الحاد والتعذيب والمهانة. وقالت الرباب في شهادتها أيضا إن النساء والفتيات اللواتي يتم الزج بهن في سجن الغار، لا تستطيع أي واحدة منهن الزواج بعد سنوات من خروجها، ويتجنبها الناس وتنعت بصاحبة «الفرخ» «أي الطفل غير الشرعي». وقد طالبت الرباب من المنظمات الدولية التدخل والبحث، للكشف عن مصير طفلها وإعادته إليها.
يمنع على النساء في مخيمات تندوف تناول حبوب منع الحمل، ويمنع على ضحايا الاغتصاب أو العلاقات خارج الزواج إسقاط الحمل، وتعاقب المخالفات بالسجن، ويتم إلقاء القبض على النساء والفتيات بمجرد العلم بحملهن بعد الاغتصاب أو خارج إطار الزواج. وهناك تعليمات مشددة «للعارفات» «لقب العريفة يطلق على المسؤولة في المخيمات»، بالتبليغ عن أي امرأة تمت ملاحظة انتفاخ بطنها، كما يتم التبليغ عن الفتيات الملفت جمالهن ليتم استغلالهن. وعادة ما يتم العثور على جثث فتيات قتلن بعد اغتصابهن في الخلاء خارج المخيمات.
أطفال الغار وامهاتهم والجرائم ضد الإنسانية
الجرائم التي تصنف ضد الإنسانية، والتي تم تحديدها في جرائم القتل العمد، التعذيب، الاستعباد، الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، الاضطهاد، الاختفاء القسري، الأبارتهايد. والجريمة ضد الإنسانية هي بالتحديد كل فعل من الأفعال المحظورة والمحددة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويهدف نظام روما الأساسي إلى محاكمة الأفراد بسبب مسؤوليتهم الجنائية الشخصية، وقد اعتُمد كوسيلة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وفي معظم الحالات، لا تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالولاية القضائية إلا في حالة إذا كانت الدولة عضوًا في نظام روما الأساسي. ولا يمكن للمحكمة أن تتدخل إلا إذا كانت تلك الدولة غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق في القضايا ومقاضاة مرتكبيها بنفسها.
وقد صُممت العديد من الآليات القانونية خصيصًا للتصدي لهذه الجرائم، منها اتفاقية ليوبليانا، التي تم توقيعها مؤخرا بلاهاي في يومي 14 و 15 فبراير 2024، وتخص التعاون الدولي في مجال التحقيق ومقاضاة جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والجرائم الدولية الأخرى. وتمثّل هذه الاتفاقية ركيزة مهمّة في مكافحة إفلات مرتكبي الجرائم الأكثر خطورة من العقاب. وستتيح تعزيز التعاون القضائي بين الدول على نحو مستدام من جهة وعمل المحكمة الجنائية الدولية من جهة أخرى. وتجعل المعاهدة المسؤولية الأولية للدول في ملاحقة الجرائم والحاجة لإجراء تحقيقات تتسم بالفعالية على المستوى الوطني. وتسد المعاهدة ثغرة في القانون الدولي وإطار العدالة، وذلك من خلال توضيح وتعزيز واجبات والتزامات الدول بالتعاون مع بعضها البعض في القضايا التي تنطوي على جرائم بموجب القانون الدولي. وتتضمن عددًا من الأحكام، مثل الالتزام العام إما بتسليم المشتبه بهم أو بمحاكمتهم، بالإضافة إلى أحكام بشأن إنفاذ الأوامر عبر الدول لتقديم تعويضات للضحايا، وتحديد حقوق الضحايا في إطار عمليات العدالة الجنائية العابرة للحدود الوطنية.
الهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان تكتفي فقط «بتنبيه" الجزائر
الوضع الشاذ لمخيمات تندوف، يوفر غطاءا متكاملا لانتهاكات حقوق الانسان من قبل قيادات “البوليساريو والجيش الجزائري. كما أن تفويض البلد المضيف لولايته القانونية وصلاحياتها السيادية إلى مليشيات مسلحة، هو مصدر هذا الوضع الملتبس، فتفويض الجزائر لسلطاتها دون أن يتدخل المجتمع الدولي قصد وضع حد لهذا الوضع الشاذ وغير المسبوق في القانون الدولي، جعل البوليساريو وعسكر الجزائر يتمادون في انتهاكات حقوق الانسان بشكل واسع ومتصاعد، وجعلتهم يتمتعون بشكل سافر بالإفلات من العقاب. ولازالت السلطات الجزائرية ترفض فتح أي تحقيق حول الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضد المحتجزين بتندوف.
تفويت الجزائر لولايتها القضائية، جعلت المحتجزين يحرمون من أي حق في اللجوء إلى عدالة البلد المضيف، أو أي آلية انتصاف أخرى، وذلك بالرغم من أن لجنة حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة، وكذا فريق العمل الأممي حول الاختفاء القسري، أكدوا ما مرة وفي عدة مناسبات، على عدم قانونية تفويض الجزائر لصلاحياتها لـ البوليساريو، ووجود نظام حكومي وقضائي موازٍ. وطالبوها بوضع حد لهذه الوضعية ، كما هو الحال خلال مناقشة التقرير المقدم من الجزائر، بشأن التدابير المتخذة لتنفيذ الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في شهر يوليوز من سنة 2018 م، في جنيف، أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
منظمة العفو الدولية تتجاهل مخيمات تندوف
المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان، تعودت على جعل ما يجري في مخيمات تندوف من انتهاكات خارج دائرة اهتماماتها، حيث لا تتناول الوضع الا بشكل سطحي، ولم تدعو الى فتح أي تحقيق حول جرائم ضد الإنسانية تطال المحتجزين منذ عقود، خاصة النساء والأطفال.
خلال شهر أكتوبر 2024، نشرت منظمة العفو الدولية على موقعها (بتاريخ 01-10-2024) منشورا، يحمل عنوان "لماذا نحتاج إلى اتفاقية مستقلة بشأن الجرائم ضد الإنسانية؟، تقول فيه عن الجريمة ضد الإنسانية: "وعلى عكس جرائم الحرب، فإنها يمكن أن تحدث أثناء السلم أو زمن الحرب.تتضمن بعض الأمثلة الحديثة المحتملة ما يلي:
• أفغانستان: في عام 2023، أشارت منظمة العفو الدولية إلى القيود الصارمة التي فرضتها حركة طالبان، والقمع غير القانوني لحقوق النساء والفتيات. ودعت المنظمة إلى التحقيق في هذه الإجراءات القمعية، إلى جانب السجن والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، باعتبارها جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الاضطهاد على أساس النوع الاجتماعي.
• إثيوبيا: في عام 2023، ارتكب جنود إريتريون جرائم منصوص عليها في القانون الدولي في منطقة تيغراي بإثيوبيا. وشملت هذه الجرائم الاغتصاب، والاستعباد الجنسي للنساء، وإعدام المدنيين خارج نطاق القضاء، وهو ما قد يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
• إيران: في عام 1988، أخفت السلطات الإيرانية قسرًا وأعدمت آلاف المعارضين السياسيين المسجونين سرًا خارج نطاق القضاء، قبل إلقاء جثثهم في مقابر جماعية لا تحمل شواهد. ولم يتم تقديم أي مسؤول إلى ساحة العدالة على الإطلاق. ومنذ ذلك الحين، فإن حالات الاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة السيئة لعائلات الضحايا تعني فعليًا استمرار الجرائم ضد الإنسانية."
من خلال ما تطرقت اليه منظمة العفو الدولية في منشورها، من سرد لجرائم ضد الإنسانية من قبيل "الاغتصاب، والاستعباد الجنسي للنساء، وإعدام المدنيين خارج نطاق القضاء وحالات الاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة السيئة الإجراءات القمعية، إلى جانب السجن والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة ، وإعدام المدنيين خارج نطاق القضاء"، والتي ركزت فيه منظمة العفو الدولية فقط على أفغانستان وإيران وإثيوبيا، مما يؤكد أن أنظار هذه المنظمة لا تهتم بما يجري في مخيمات المحتجزين بتندوف، فرغم أن كل هذه الجرائم التي قامت برصدها منظمة العفو الدولية في الدول الثلاث، كلها حاصلة وزيادة في مخيمات البوليساريو، حيث تنتهك حقوق الانسان بشكل سافر بدون أي متابعة او مساءلة قانونية، ولكن منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، لازالت مستمرة في تجاهل ما وقع ويقع في مخيمات تندوف من جرائم ضد الإنسانية لأسباب سياسية.
ضرورة الكشف عن مصير أطفال الغار
تعد قضية أطفال الغار من القضايا التي تستلزم تسليط الضوء عليها، فهي بحق تندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية، خاصة أمام غياب معطيات واضحة تتعلق بمصيرهم، حيث تكتفي البوليساريو بنشر أخبار كاذبة في أوساط ساكنة المخيمات، مفادها أن أطفال الغار تتم رعايتهم من طرفها، ليلتحقوا بعدها بقوات الدرك والشرطة والجيش، ولكن بدون تقديم أي أدلة رسمية على ما تدعيه، والمؤكد أنها تتاجر بهم كما تتاجر بأطفال المحتجزين.
ملف أطفال الغار وأمهاتهم، يتطلب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والهيئات المعنية بالاختفاء القسري، فتح تحقيق، كونه من الأفعال المصنفة ضمن جرائم ضد الإنسانية، والتي تطال النساء والأطفال في مخيمات تندوف من اغتصاب وممارسة العبودية، وتحويل النساء إلى مجرد آلات للإنجاب، والاتجار في الرضع حديثي الولادة، وبيع وتجنيد الأطفال والتهجير القسري، والتعذيب، والشحن بكراهية المغرب، وغيرها من الممارسات المقيتة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.
الهيئات الحقوقية المغربية مطالبة هي الأخرى بفتح هذا الملف وطنيا ودوليا، وان تنخرط بقوة في مطالبة الهيئات والمنظمات المعنية بالاختفاء القسري، للكشف عن المصير المجهول لأطفال الغار وامهاتهم، من اجل تحقيق العدالة ومكافحة إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.