الريف قلعة ومهد النضال الوطني التحرري عبر التاريخ، لم يتردد يوما في مواجهة الاستعمار، أو تقاعس في دحر الغزاة.
مسيرة التحرر، الوطني من الاستعمار الاسباني بالريف، قادها شرفاء من الريف كما يشهد التاريخ على ذلك، في طليعتهم، الشريف محمد امزيان الذي استشهد في معركة واد الديب سنة 1912، ثم أخذ المشعل الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي، الذي الحق بالاسبان هزائم غير مسبوقة في التاريخ المعاصر ،في معارك متعددة، من اهمها معركة انوال التي امتدت من 21 إلى 26 يوليوز 1921، خسر فيها الاسبان آلاف الجنود والضباط وعلى رأسهم الجنرال سلفستري، وغنم الريفون ذخيرة حربية كبيرة، شكلت مصدر دعم لهم في مواجهة الاستعمار الاسباني.
الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي، بعد معركة انوال، دعى إلى عقد مؤتمر عام لقبائل الريف بتفرسيت، حضره معظم رؤساء أو شيوخ القبائل، وتقرر خلاله الإعلان عن تأسيس "كنفدرالية قبائل الريف" وهي التي عرفت " بجمهورية الريف" كجواب عن رفضها لاتفاقية الحماية الموقعة بين السلطان عبد الحفيظ و فرنسا في 30 مارس 1912، وهو موقف طبيعي أن يتخذ في تلك الفترة، أمام تهديد ومساس المستعمر بالسيادة المغربية.
لكن، لم يثبت حسب الوثائق التاريخية أن الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي عبر عن نزعة أو ممارسات انفصالية، أو كونه طالب أو افصح عن موقف داع إلى إقامة إمارة أو دويلة أو منازعة السلطان في الحكم، خلافا لما قد يروج له من طرف البعض.
وأمام الانتصارات المتتالية للمقاتلين الريفيين على القوات العسكرية الاسبانية، تبين لفرنسا أن ذلك يمثل تهديدا حقيقيا لوجودها، ليس فقط في المغرب، بل في شمال أفريقيا، الأمر الذي دفعها إلى مراجعة سياستها إتجاه الريف بعد التخلص من المارشال ليوطي، واستخلافه بالمارشال بيتان الذي عرف بدمويته وتطرفه.
وهكذا، دخلت فرنسا في تنسيق واسع مع اسبانيا، من أجل العمل على خوض حرب شاملة واستراتيجية من أجل القضاء على المقاومة الريفية، وتقرر بعد مشاورات بينهما بضرورة استعمال الأسلحة الكيماوية لضمان الانتصار، لأن الأسلحة التقليدية غير قادرة على الحاق الهزيمة بالريف بسبب وعورة التضاريس والعقيدة القتالية لابناء الريف.
وبناء على التفاهمات الاسبانية الفرنسية تم الشروع في استعمال الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع ضد قبائل الريف، بحيث تم قصف المداشر والأسواق بالاسلحة الكيماوية من نوع الأبريت أو غاز الخرذل والفوسجين، ونتج عن هذه الحرب القذرة سقوط آلاف القتلى والجرحى من ابناء الريف، وامام غياب الوسائل الحامية من الغازات السامة نتج عنه اختلال في التوازنات العسكرية، وبعد مفاوضات توقفت الحرب في 26 مايو 1926، والاعلان عن نفي الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي رفقة عائلته واقاربه إلى جزيرة لارينيون الفرنسية.
كان لا بد من التذكير بهذه الوقائع والأحداث التاريخية، التي عرفها الريف ابان حرب الريف التحررية، لتنضاف اليها مأساة احداث 1958-1959 أو ما يعرف بعام " الجبل"، والتي تركت جراحا لدى أبناء الريف، لا تكاد تندمل، حتى يتم إعادة إنتاجها بشكل من الأشكال.
ورغم الجراح، سواء خلال فترة الاستعمار الاسباني، أو في ظل الاستقلال، حافظ وتشبث أبناء الريف بوطنيتهم المغربية ووحدة أراضي الوطن.
كما لم ينل من ذلك، ما حصل من احداث واعتقالات واسعة وسط نشطاء حراك الريف، ولا زال بعضهم في السجن، يقضون عقوبات سجنية قاسية، رغم أنه كان الأجدر بالدولة أن تركن إلى إعتماد سياسة الحوار اعمالا لمبدأ الديمقراطية التشاركية عوض نهج المقاربة الأمنية المفرطة التي اساءت لصورة مغرب حقوق الانسان دوليا وهو واقع لا يمكن انكاره مهما كانت التبريرات.
ومهما ما حصل، فإن المطلوب حاليا هو الدخول في مصالحة جديدة مع الريف اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، واطلاق سراح جميع المعتقلين، لأن ذلك من شأنه أن يقطع الطريق على المتربصين بالمغرب، سواء تعلق الأمر بالنظام الجزائري المعادي للوحدة الترابية للمملكة، أو بشرذمة أو فلول، ارتمت في أحضان مخابرات نظام الجنرالات، والريف لا يمكنه إلا أن يتبرأ من تلك الممارسات الحمقاء والانتحارية الداعية إلى الانفصال المزعوم، رغم علم أصحاب هذه الخطوة بأنها مجرد سراب لأن الريف لم يقبل في يوم من الأيام التحالف مع المستعمر، أو الارتماء في أحضان دولة اجنبية ضد الوطن، لأن ممارسة المعارضة لا تعني الاصطفاف مع العدو، بل هي النضال من أجل بناء ديمقراطية حقيقية والقطع مع ديمقراطية الواجهة في ظل الدولة الموحدة والوطن الواحد.
الدكتور مصطفى بن شريف/ باحث في القانون الدولي الإنساني ومحام بهيئة وجدة