تابعت خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام مجلس النواب في العام الأخير من ولايته السابقة. ومن أبرز النقاط التي استعرضها ضمن إنجازاته، كان تخفيض الضرائب، وهو الإجراء الذي وعد به خلال حملته الانتخابية. هذا التخفيض، الذي اعتمد في أكبر قوة اقتصادية عالمية، يعكس فلسفة اقتصادية واضحة تقوم على تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل من خلال تقليل العبء الضريبي على الشركات.
بالطبع، لا البنك الدولي ولا صندوق النقد الدولي ولا منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستنتقد هذا النهج، رغم أنه يخالف توصياتها المعتادة التي توجهها لدول أخرى مثل المغرب. ترامب يدرك أن تحفيز الاقتصاد الأمريكي واستقطاب الاستثمارات التي هجرت الولايات المتحدة نحو ملاذات ضريبية بالخارج يتطلب سياسات جريئة لتخفيف العبء الضريبي، خاصة على الشركات الكبرى. تشير البيانات إلى أن الشركات متعددة الجنسيات غالباً ما تبحث عن ملاذات ضريبية خارج حدودها الوطنية، مما يؤدي إلى هجرة رؤوس الأموال وتأثير سلبي على الاقتصاد المحلي.
التجربة المغربية: إشكالات ضريبية واستثمارية
في المغرب، تظهر القوانين المالية الصادرة خلال السنوات السبع الأخيرة نمطاً متكرراً يتمثل في إدراج إجراءات ضريبية جديدة بهدف تغطية تكاليف إدارة عمومية متزايدة واستثمارات عمومية متنامية. ومع ذلك، تم في المقابل تقليص التحفيزات الضريبية لتعويضها بمساعدات مالية مباشرة، وهو خيار يزيد من الضغط على الميزانية العامة للدولة.
تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الدول التي اعتمدت هندسات تمويلية جديدة خارج إطار الضرائب المباشرة، مما أسهم في تعزيز التنمية وتوسيع القاعدة الضريبية بطريقة غير مباشرة. ومع ذلك، يبدو أن المغرب لم يلتفت بعد بشكل كافٍ إلى تراجع استثمارات القطاع الخاص وتباطؤ الاستثمارات الأجنبية، رغم الحوافز العديدة التي يقدمها. ورغم ارتفاع الإيرادات الضريبية بمعدلات ملحوظة، فإن هذا الارتفاع قد لا يستمر طويلاً إذا لم يتم اتخاذ خطوات جذرية لتحفيز النمو الاقتصادي بشكل مستدام.
الأرقام تتحدث: تحديات الاستثمار والنمو
تشير الأرقام إلى أن الجهد الاستثماري في المغرب لا يزال محدوداً، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات حوالي 370 مليار درهم، منها 330 مليار درهم تهم القطاع العام. هذه الأرقام تكشف عن فجوة واضحة في استثمارات القطاع الخاص، وهو ما يحد من إمكانيات تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة قادرة على خلق فرص عمل جديدة، دعم المقاولات الوطنية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
في المقابل، تظهر التجربة الأمريكية أن تخفيض الضرائب يمكن أن يكون رافعة قوية لتحفيز الاقتصاد، إذا ما تم تنفيذه في إطار رؤية شاملة للإصلاح الاقتصادي. المغرب بحاجة إلى التفكير في سياسات مبتكرة لتمويل التنمية، تتجاوز الاعتماد الحصري على الإيرادات الضريبية، مع التركيز على تعزيز مناخ الأعمال وتحفيز استثمارات القطاع الخاص، ليكون قادراً على مواجهة تحديات التنمية ورفع معدلات النمو.
إن الاستمرار في التعويل على الضرائب كمصدر رئيسي لتمويل النفقات العمومية يضع قيوداً على الاقتصاد الوطني. المطلوب اليوم هو مقاربة جديدة تتبنى إصلاحاً شاملاً للنظام الضريبي، مع توفير بيئة محفزة للاستثمار تمكن من تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل.