قدم الخبير في قضايا حقوق الإنسان، عبد الرزاق الحنوشي، مداخلة بعنوان "نحو مقاربة حقوقية لقضايا الشباب"، ضمن أشغال الندوة المنظمة تحت شعار: "الشباب المغربي بين تحديات الواقع وتطلعات المستقبل".
الندوة، التي نظمتها منظمة الشباب الرائد بشراكة مع المعهد العربي لحقوق الإنسان، احتضنتها مدينة الداخلة يوم 2 نونبر 2024. وركز الحنوشي خلال مداخلته على أهمية اعتماد مقاربة حقوقية لمعالجة قضايا الشباب المغربي، بما يراعي تطلعاتهم المستقبلية وتحديات واقعهم المعاصر.
يبقى اهتمام المنظومة الدولية بحقوق الشباب والاعتراف بهم كفئة اجتماعية تستوجب عناية خاصة، محدودا ومحتشما، ويمكن أن نقف عند مجمل ما ورد الأدبيات الدولية الصادرة في الموضوع.
ففي سنة 1965 صدر الإعلان المتعلق بتعزيز مُثُل السلام والاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب لدى الشباب ودعا: «الحكومات والمجتمع المدني والحركات الشبابية إلى اتخاذ التدابير المناسبة لضمان تعزيز قيم السلام والعدالة والمساواة في الحقوق بين الأجيال الشابة».
أما في سنة 1995 فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة برنامج العمل العالمي للشباب في أفق 2000 وما بعدها، واُعتبرت هذه الوثيقة بمثابة «إطار نظري ومبادئ توجيهية عملية لتوجيه العمل الوطني والدعم الدولي للشباب. ويتحقق ذلك من خلال تعزيز القدرات الوطنية في مجال الشباب. ويركز البرنامج على عشر أولويات هي: التعليم، والعمل، ومكافحة الجوع والفقر، والصحة، والبيئة، وإساءة استعمال المخدرات، جرائم الأحداث، الترفيه، والمشاركة».
برامج وطنية للشباب
وفي سنة 1998، اعتمد المؤتمر العالمي للوزراء الشباب إعلان لشبونة بشأن سياسات وبرامج الشباب والذي أقر الحاجة «إلى تخصيص دعم سياسي من أعلى مستوى في الدولة لعملية صياغة السياسات الوطنية لفائدة الشباب وتنفيذها ورصدها»، مع الالتزام بوضع سياسات وبرامج عمل وطنية للشباب، مع مراعاة أوضاع الشباب واحتياجاتهم، وضمان تمكينهم ومشاركتهم الكاملة».
وفي سنة 1998 دائما اعتمد منتدى الشباب العالمي الثالث لمنظومة الأمم المتحدة، خطة عمل براغا للشباب التي تضمنت: «الالتزام بمشاركة الشباب في التنمية البشرية، والإعتراف بالشباب كفاعلين في المجتمع وكصانعين للتنمية ومستفيدين منها. وتوصي الخطة بمشاركة الشباب والشابات على قدم المساواة في عملية صنع القرار السياسي على جميع المستويات».
وفي سنة 2001 أقر منتدى الشباب العالمي الرابع استراتيجية داكار لبناء قدرات الشباب لتعزز خطة عمل براغا من خلال التركيز على تكنولوجيات المعلومات والتواصل، والتعليم، والعمل، والصحة، والاندماج الاجتماعي، وسياسات الشباب، ومشاركتهم.
اهتمام أممي بالشباب
بيد أنه في سنة 2024 ستعرف تحولا هاما في الاهتمام الأممي بالشباب حيث خصصت الأمم المتحدة حيزا هاما لموضوع الشباب في الوثيقة الموسومة بـ «ميثاق المستقبل»، وذلك في الدورة 79 للجمعية العامة بتاريخ 20 شتنبر 2024 بنيويورك، وقد جاء في هذا الميثاق أن: «جيل أيامنا هذه من الأطفال والشباب هو الأكبر عددا في التاريخ، ومعظم هؤلاء يعيشون في البلدان النامية، وهم من العوامل الأساسية لإحداث التغيير الإيجابي».
كما جاء في ذات الميثاق: «نحن نرحب بالمساهمات المهمة التي يبذلها الشباب من أجل السلام والأمن والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن الملايين من الأطفال والشياب في جميع أنحاء العالم محرومون من الظروف التي يحتاجونها لتحقيق كامل إمكاناتهم وإعمال حقوقهم الإنسانية، خاصة أولئك الذين يعيشون في ظل أوضاع هشة.
وذكرت الوثيقة بأن «الأطفال والشباب لا يزالون يعيشون في فقر مدقع، محرومين من الخدمات الأساسية الضرورية ومن حقوقهم الأساسية. ونحن ندرك أت الأطفال والشباب، وكذلك الأجبال المقبلة، سيعيشون في ظل عواقب ما عملناه وما تقاعسنا عن عمله. ولذلك سنستثمر في الشباب ونعزز مشاركتهم على المستويين الوطني والدولي لتأمين مستقبل أفضل للجميع».
ويضيف الميثاق «أن الأطفال والشباب هم فئتان متميزتان عن الأجيال المقبلة. ويجب أن نكون حرصين على أن تكون عملية صنع القرار وتقرير السياسات اليوم مراعية بشكل أكبر لاحتياجات ومصالح الأجيال المقبلة، وعلى تحقيق التوازن بين تلك الاحتياجات والمصالح وبين احتياجات ومصالح الأجيال الحالية».
الاستثمار في الخدمات الموجهة للأطفال والشباب
ومن جهة أخرى شدد «على أهمية الاستثمار في الخدمات الأساسية لجميع الأطفال والشباب، لا سيما في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، وعلى أهمية ضمان المساواة في الاستفادة من تلك الخدمات، وذلك للنهوض بالتنمية الإجتماعية والإقتصادية لما فيه مصلحة الأطفال والشباب.
ولكي يتمكن الشباب من تحقيق إمكاناتهم كاملة والحصول على عمل لائق ومنتج وعمالة جيدة، أكد الميثاق على أنه «يجب أن تتاح لهم فرص تعليم آمن وشامل ومنصف وجيد النوعية، بما في دلك في حالات الطوارئ وطوال مراحل حياتهم، بحيث يحصلون على المعارف ويكتسبون المهارات والقدرات التي يحتاجونه إليها ليكونوا أفرادا ناجحين في عالم سريع التغير».
شددت هذه الوثيقة كذلك على «أهمية ضمان تمتع جميع الشباب بحقوقهم كاملة، وحمايتهم من العنف وتعزيز الادماج في المجتمع والإندماج الإجتماعي، لا سيما لأشد الفئات فقرا، ومن يعيشون في ظل أوضاع هشة، بمن فيهم السكان المتحدرون من أصل أفريقي، وأولئك الذين يواجهون التمييز بطرق متعددة ومتداخلة».
وأشاد الميثاق أيضا بـ «المساهمات المهمة التي يقدمها الشباب بالفعل للنهوض بالسلام والأمن والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان في بلدانهم، فلا سبيل إلى تلبية احتياجات وتطلعات جميع الشباب إلا إذا استمعنا إليهم بإستمرار وعملنا معهم وأتحنا لهم فرصا حقيقية للتأثير في المستقبل». ورحب الميثاق «بالتقدم المحرز في تعزيز مشاركة الشباب في الأمم المتحدة مشاركة هادفة، ونحن عاقدون العزم على تسريع وثيرة هذا العمل من خلال ضمان مشاركة الشباب بقدر أكبر في عمل الأمم المتحدة وزيادة تمثيل وفعالية وتأثير مشاركة الشباب في الأمم المتحدة»، ولتفعيل هذه المشاركة أقر الميثاق جملة من الإجراءات والتدابير منها على الخصوص:
• تعزيز المشاركة الهادف والشاملة والفعالة للشباب في الهيئات والعمليات الحكومية الدولية ذات الصلة التابعة للأمم المتحدة، حيثما كان ذلك مناسبا ووفقا للنظام الداخلي وما درجت عليه الممارسة، مع مراعاة مبادئ التكافؤ بين الجنسين وتوازن التمثيل الجغرافي وعدم التمييز؛
• التشجيع على إشراك الشباب، بما في دلك إشراك مندوبي الشباب، في الوفود الوطنية لدى الأمم المتحدة؛
• الدعوة إلى تقديم التبرعات إلى صندوق الأمم المتحدة للشباب بهدف تيسير مشاركة ممثلي الشباب من البلدان النامية في أنشطة الأمم المتحدة، مع مراعاة الحاجة إلى تحقيق توازن جغرافي أكبر من حيث تمثيل الشباب، وتوجيه طلب في هذا الصدد إلى الأمين العام ليتخذ الإجراءات الملائمة للتشجيع على تقديم التبرعات للصندوق، بما في ذلك عن طريق زيادة التعريف بالصندوق.
• توجيه طلب إلى الأمين العام لكي يواصل، بالتشاور مع الدول الأعضاء والشباب، وضع المبادئ الأساسية التي تحكم مشاركة الشباب على نحو هادف وتمثيلي وشامل وآمن في العمليات الحكومية الدولية ذات الصلة وفي جميع أعمال الأمم المتحدة، لعرضها على نظر الدول الأعضاء.
اتفاقية دولية لحقوق الشباب
إن هذا التحول الهام في اهتمام المنظومة الدولية بحقوق الشباب، والذي تعكس بعض ملامحه وثيقة «ميثاق المستقبل» ينبغي أن يبلغ مداه عند حملة ترافعية على كافة المستويات للوصول إلى إقرار اتفاقية دولية بشأن حقوق الشباب، في أقرب الآجال على غرار باقي الإتفاقيات ذات الصلة بمنظومة حقوق الإنسان، إلى جانب ذلك، وبالنظر إلى كون «قضايا الشباب» موزعة من حيث الاهتمام والتكفل بين عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة، فقد بات من الضروري أن تكون للشباب وكالة خاصة بهذه الفئة.
إن من شأن اعتماد اتفاقية دولية حول حقوق الشباب، أن يساهم بشكل ملموس في متابعة ومراقبة مدى التزام الدول الأطراف في هذه الاتفاقية المرتقبة بتعهداتها بشأن ما ستتضمنه من أهداف ومن التزامات سواء في المجال التشريعي أو التنظيمي أو في مجال السياسات العمومية ومختلف التدابير المتخذة لحماية حقوق الشباب والنهوض بها.
أما على الصعيد الوطني، فإن التحولات التي شهدتها بلادنا في العقدين الأخيرين –بصفة خاصة- أبرزت أدوار الشباب كفاعلين لا يمكن إنكار دورهم في التغيير السياسي والاجتماعي، مما يجعل من الضروري توفير إجابات فعلية على الإنتظارات والمطالب المشروعة لهذه الفئة. لقد قدم دستور 2011 بالتأكيد إجابة إيجابية من خلال تكريس حق الشباب في المشاركة وإحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي
غير الحماس والدينامية التي أعقبت هذا الوعد الدستوري سرعان ما توقفت وحل محلها نوع من «الانتظارية المحبطة» من جراء التأخير الذي شهده إعداد وإصدار القانون 89.15 المتعلق بالمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي والذي تمت الموافقة عليه في البرلمان في 13 دجنبر 2017، وصدر بالجريدة الرسمية عدد 6640 بتاريخ 18 يناير 2018 غير أن تفعيله لم يتحقق إلى اليوم.
في نفس السياق تم أيضا إنهاء العمل باللائحة الوطنية للشباب التي مكنت 30 شابة وشابا من الولوج لعضوية مجلس النواب خلال ولايتين تشريعيتين 2011-2016 (الولاية التاسعة) و2016-2021 (الولاية العاشرة)، وبصرف النظر عن السحالات التي واكبت قرار الإلغاء بين المؤيدين والمعارضين له، فإن هذا القرار – وللأسف- لم يحظ بنقاش عمومي رصين ولم يتم تقييم هذه التجربة لمعرفة نقط ضعفها وقوتها، علما أن العديد من المتابعين للشأن البرلماني قد لمسوا إسهامات نوعية للعديد من البرلمانيات والبرلمانيين من هذه الفئة سواء في المهام الرقابية أو المهام التشريعية او الدبلوماسية البرلمانية.
عير أن الأدهى من ذلك أن المجلس الدستوري في قراره رقم 817/2011 بشأن مطابقة القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب مع الدستور، قد اعتبر أنه ليس في اعتماد لائحة وطنية للشباب ما يخالف الدستور، ومع ذلك جرى إلغاؤها وجرى التسويق الإعلامي للقرار وكأنه «مكسب لتعزيز تمثيلية النساء وكأن هذا الهدف لا يمكن بلوغه إلا عبر هذا التدبير. وهنا لا ينبغي إغفال السياق والتحولات التي طرأت على المشهد السياسي سواء في أعقاب الحماس الذي واكب حركة 20 فبراير 2011 وخارطة الطريق الواردة في الخطاب الملكي في تاسع مارس من نفس السنة وكل الديناميات التي رافقت ذلك، وكذا سياق تجربة مساهمة حزب العدالة والتنمية في تدبير الشأن العام من موقع رئاسة الحكومة خلال عشرية (2011-2021) وإنعكاس ذلك على إعادة ترتيب بعض الأولويات.
تحديات كبرى
وبالموازاة مع ذلك، فإن القضايا الأخرى، ولا سيما السياسات العمومية الموجهة للشباب، التي تطرح تحديات كبرى من حيث المقاربة الكفيلة بضمان رصد المشاكل ومعالجتها بشكل فعلي، تتطلب أيضًا بحثًا معمقًا وفتح نقاش جدي، لازالت مرتهنة بتغير المسؤولين السياسيين وكذا مراكز الدراسات والاستشارة والممولين.
وتتفق الدراسات على أن وضع الشباب من حيث التوظيف والإدماج الاقتصادي والاجتماعي والتعليم والمشاركة المواطنة لا يرقى إلى التطلعات، على الرغم من أن المعطيات الديمغرافية، تؤكد أن المغرب يتوفر على ساكنة شابة (مع أن هذا المعطى مرشح لبعض التغيرات على ضوء نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى المجرى سنة 2024)، وعلى الرغم من أن دور الشباب كقوة دافعة للتنمية والابتكار والإنتاج راسخ وثابت.
إطار شامل ومتماسك
وسواء تعلق الأمر بالتشغيل أو الصحة أو التعليم أو الثقافة أو الترفيه، فإن حقوق الإنسان تشمل جميع جوانب حياة الشباب، وتُجسّد من خلال جهود الدولة لوضع التدابير المناسبة. ولذلك فإن التخطيط القائم على المقاربة الحقوقية يساهم في توفير إطار شامل ومتماسك لوضع السياسات العمومية بطريقة وتشاركية وناجعة، وتحديد مسؤوليات مختلف الجهات الفاعلة. وتعتمد هذه المقاربة بشكل أساسي على:
• استخدام الإطار الدولي لحقوق الإنسان والتزامات الدولة فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
• تمكين الشباب كشرط أساسي للمشاركة الفعالة؛
• مشاركة الشباب في صنع القرار، من خلال مختلف الآليات؛
• عدم التمييز ومراعاة أوجه القصور؛
• المسؤولية المشتركة، سواء كانت جهات فاعلة حكومية أو غير حكومية.
هذه السياسة العمومية المأمولة أمامها أربع تحديات أساسية:
• الإدماج الاقتصادي والاجتماعي كضمانة حقيقية لتمكين الشباب ودمجهم الفعّال في عملية تنمية البلاد؛
• التعليم، التكوين، والبحث العلمي لتحقيق تنشئة اجتماعية قائمة على المعرفة، وتعزيز القدرات، وتشجيع الابتكار والإبداع؛
• المشاركة المواطنة للشباب، من خلال إنشاء آليات للتشاور وإدماج الشباب على المستوى المحلي، ودعم المبادرات المدنية، وتعزيز مشاركتهم في الهيئات السياسية وصنع القرار؛
• التربية على الديمقراطية وحقوق الإنسان لتنشئة جيل يكرّس قيم العدالة والمساواة، ويعزز احترام الحقوق والواجبات.
تعبئة مزدوجة وطنيا ودوليا
إن السياسة العمومية المأمولة مطالبة أيضا بترصيد المكتسبات عبر:
• دعم المبادرات التي تقوم بها الحركة الجمعوية الشبابية على المستوى المحلي والإقليمي والوطني، وتشجيع البحث والتكوين لتعزيز الوعي بقيم حقوق الإنسان والمواطنة.
• البحث في حالة المعرفة حول الشباب، وذلك لتحليل مختلف عمليات التنشئة الاجتماعية للشباب وتطور علاقاتهم مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية. والهدف من ذلك هو تحديد الاستراتيجيات والإجراءات التي يجب وضعها لمعالجة الصعوبات والتوترات التي يمكن أن تؤثر على الشباب;
• تحليل ورصد وتقييم السياسات العمومية الوطنية المتعلقة بالشباب، وذلك وفق مقاربة عرضانية قائمة على الجانب الحقوقي.
وهذه المهام وغيرها هي ما يرتقب أن تضطلع به المؤسسة الدستورية الموجودة حاليا في طور التكوين: المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
وخلاصة القول إن حقوق الشباب تستوجب تعبئة مزدوجة وطنيا، في اتجاه تفعيل الآليات الدستورية ذات الصلة بهذه الفئة، ودوليا في اتجاه الترافع على إقرار اتفاقية دولية لحماية حقوق الشباب والنهوض بها، وإحداث وكالة أممية تعنى بهذه الفئة حصريا.