قال الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي إن الحكومة لديها خطاب طموح وخصوصا ما يسمى بالدولة الاجتماعية، ولكن الواقع اليومي يؤكد أن الأمر يتعلق بمجرد وهم وخدعة، مشيرا بأن مشروع قانون المالية 2025 يؤكد عدم وجود تغيير في جوهر السياسات الحكومية، مشيرا بأن الشعارات التي يرفعها مشروع قانون المالية بشأن الدولة الاجتماعية وتعزيز الاستثمار لخلق فرص الشغل تنقصها الإمكانيات والحلول، مضيفا بأن استمرار نفس الأساليب لن ينتج سوى نفس النتائج التي عايناها في الماضي.
وبخصوص الإصلاحات الهيكلية التي يتطرق لها المشروع أشار أقصبي أن شعارات إصلاح الإدارة وإصلاح العدالة والإصلاح الرقمي تظل ترفع منذ سنوات عديدة دون أن نلمس أثرا لها على مستوى الواقع.
أما بخصوص الحفاظ على التوازنات الماكر واقتصادية التي أشار إليها المشروع أوضح أقصبي أن هذا التوجه لا يختلف عن ما حملته قوانين المالية السابقة، مما يؤكد أنه لا وجود لأي تغيير في العمق، وبالتالي فالأمر يتعلق بنفس التوجهات التي تعود كل سنة مالية .
وبخصوص الأهداف المستنبطة من التوجهات المشار إليها، وأولها نسبة النمو المقدرة ب 4.6 في المائة من طرف المشروع والعجز المقدر ب 3.5 في المائة أوضح أقصبي أن المحصول الزراعي هو الذي يتحكم في نسبة النمو ككل موسم والذي بقي هذه السنة في حدود 70 مليون قنطار، وبالتالي فالفرضية الأساسية والأولى هي أن لا يكون هناك جفاف، وأن يبقى سعر البوتان في حدود 500 دولار للطن، الى جانب ضرورة بقاء الطلب الخارجي العام باستثناء الفوسفاط في حدود 2.3 في المائة، ونزول التضخم الى 2 في المائة، مضيفا بأنه كل سنة يجري الحديث عن الأهداف والفرضيات من طرف مشروع قانون المالية بينما الواقع يظهر بأن عدد من المتغيرات متعلقة إما بالسماء ( بالنسبة للمحصول الزراعي ) إما بالخارج ( الاقتصاد العالمي) علما أن الاقتصاد العالمي لازال يسوده اللايقين، مما يجعل الفرضيات التي تستند عليها الحكومة هشة جدا.
وبالنسبة للمداخيل المحتملة خلال عام 2025 فإنه يتوقع أن تصل 369 مليار درهم ضمنها 330 مليار درهم عبارة عن مداخيل جبائية و 39 مليار درهم عبارة عن مداخيل غير جبائية.
وبخصوص النفقات فإنه من المحتمل أن تصل 557 مليار درهم ضمنها نفقات التسيير ( 321 مليار درهم ) ونفقات الاستثمار( 129 مليار درهم ) ونفقات خدمة الدين ( 107 مليار درهم )، وبما أن المداخيل تبدو منخفضة مقارنة مع حجم النفقات فإنه يبدو أن هناك حاجة للتمويل – بحسب أقصبي – والتي تصل الى 188 مليار درهم، اذا كيف سيتم تمويل ذلك ؟ طبعا سيكون ذلك – يضيف أقصبي – عبر اللجوء مجددا الى المديونية والتي ستبلغ 125 مليار درهم، مشيرا بأن مبلغ 188 مليار درهم يمثل العجز الحقيقي للمالية العمومية مما يعني أن العجز الحقيقي سيفوق 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام وليس 3.5 في المائة التي يتحدث عنها مشروع قانون المالية 2025.
وقال أقصبي إن هذه الإشكالية التي تتخبط فيها المالية العمومية قديمة وليست جديدة، فمنذ حوالي 15 سنة ظل العجز الحقيقي يفوق 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
كما تطرق أقصبي الى العجز المستمر للمؤسسات العمومية والذي يتطلب دعما عموميا سنويا من قبيل المكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الوطني للماء والكهرباء، وهو الأمر الذي يمثل الى جانب الأجور الجزء الكبير من ميزانية التسيير ( 321 مليار درهم ) .
أما بخصوص الاستثمار فيتوقع أن يصل الى 34 مليار درهم، مضيفا بأن اشكالية الاستثمار العمومي لا تتعلق بالكم بل تتعلق بالنوع مضيفا بأن الدولة تستثمر دائما بمبالغ مهمة ولكن جدوى هذه الاستثمارات اقتصاديا واجتماعيا ضعيفة جدا، فالاستثمار في المغرب – يوضح أقصبي – لا يخلق مناصب الشغل ولا يجر عجلة التنمية بالقسط الكافي .
كما تطرق أقصبي إلى إشكالية تمركز الاستثمار في بعض الوزارات مقدما مثال قطاع التعليم في حالة جمع نفقات الاستثمار والتسيير والذي يحصل على نسبة تقدر ب 23 في المائة، في حين يحصل قطاع الاقتصاد والمالية على 107 مليار درهم ( دعم المقاولات والعائلات..) وهو مبلغ يفوق قطاع التعليم أي ما يمثل نسبة 24 في المائة . الدفاع الوطني بميزانية تقدر ب 59 مليار درهم ( 13 في المائة ) والداخلية 45 مليار درهم ( 10 في المائة )، وبالنسبة لقطاع الصحة فميزانيتها المرتقبة هي 33 مليار درهم أي 7 في المائة من مجموع الميزانية، وهو ما يعني أن 5 وزارات ( ضمنها وزارتان تتعلقان بالأمن والدفاع ) تحظى بنسبة 77 في المائة من النفقات العمومية.
نفس التمركز سيلاحظ أيضا بالنسبة للتشغيل، حيث يرتقب إحداث 28 ألف و 406 منصب شغل خلال عام 2025، وستحظى الداخلية لوحدها ب 7744 منصب شغل أي نسبة 27 في المائة من مناصب الشغل، والدفاع الوطني ( 5792 منصب شغل ) أي ما نسبة 20 في المائة، وهو ما يعني أن نصف مناصب الشغل المحدثة ستستفيد منها وزارتان أمنيتان ( الداخلية والدفاع الوطني ) .
وبالنسبة لقطاع الصحة فسيستفيد من 6500 منصب شغل أي نسبة 23 في المائة، والاقتصاد والمالية ( 2600 منصب شغل ) مشيرا بأن خمس قطاعات وزارية ستتحكم في 86 في المائة من مناصب الشغل .
وفيما يتعلق بخدمة الدين، سجل أقصبي أن 90 في المائة من القروض الجديدة التي تلجأ اليها الدولة لا توظف في خدمة التنمية، بل لخدمة الديون السابقة، مشيرا بأن الدولة ستخصص 107 مليار درهم لخدمة الدين هذه السنة ضمنها 45 مليار درهم تتعلق بالفوائد والعمولات و62 مليار درهم تتعلق برأسمال الدين، ولتغطية العجز ستلجأ الحكومة الى ديون جديدة تصل الى 145 مليار درهم مما يجعلنا نعيش دائما في دوامة المديونية .