الخميس 24 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: متى تعالج هذه الأمة نفسها من هذا الغباء الرهيب؟!!

محمد عزيز الوكيلي: متى تعالج هذه الأمة نفسها من هذا الغباء الرهيب؟!! محمد عزيز الوكيلي
في يوم السابع من أكتوبر، انفجرت حناجر المهلِّلين المكبِّرين، واحتقنَتْ راحاتُ أيدي المطبِّلين، من جراء انفعالهم لما قام به مقاتلو حماس، الذين كانوا بالأمس مجرد "أطفال حجارة" قبل أن تُخضَع أدمغتُهم الطريةُ لغسيل في غاية الاحترافية حوّلهم إلى قنابل موقوتة تنتظر أن يَصدُر الأمرُ إليها بالانفجار، من لدن قيادات ناعمة الأيدي، منفوخة الأوداج والبطون، تعيش في فنادق الخمس نجوم، والست نجوم... قيادات راكمت ملايير الدولارات من تجارتها المربحة بقضية يعلم الله ان هذه القيادات تتمنى لها التأبيد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولو أدى ذلك إلى إفناء الشعب الفلسطيني المستضعَف والبسيط برمّته، والذي حوّلته القياداتُ ذاتُها إلى أكسيسوارات يُزيّنون بها شعاراتهم الجوفاء، ويزخرفون بواسطتها عوالمهم المخملية ليس داخل الأنفاق، لأن الأنفاق إنما حُفِرَتْ وأُعِدّتْ لتستقبل "أطفال الحجارة السابقين"، قبل وأثناء وبعد تحويلهم إلى مقاتلين يتلقّون الأوامر وينفذونها بلا أدنى تردد، لأنهم لم يتعلّموا على أيدي القيادات ذاتِها إلا "السمع والطاعة"... ولا شيءَ آخر غير "السمع والطاعة"!!

ونعود إلى ذلك "اليوم الطوفاني"، الذي لم نر ولم نسمع بعده مباشرة إلاّ طوفان صواريخ وقذائف وقنابل الجيش الإسرائيلي، وهو يُعيد غزة والقطاع في "عملية دفاع عن النفس" إلى أكثرَ من خمسين سنةً إلى الوراء، وربما ستحتاج شركات الغرب، وفيها شركات إسرائيلية بكل تأكيد، إلى أكثر من ذلك المظروف الزمني لإعادة إعمار غزةَ وإعادتها إلى حالتها التي كانت عليها قبل ذلك "اليوم الأسود للسابع من أكتوبر"، الحامل لإسم طوفان مُفترَى عليه بكل المعايير!!

أولئك المُهَلِّلون المُطَبِّلون، هم أنفسهم الذين هلّلوا وطبّلوا في السابق لصدام حسين عند بداية حرب الخليج الأولى، التي هَنْدَسَها بوش الأب، قبل أن يستكمل هندسَتَها بوش الإبن في عملية ميراث فريدة من نوعها، لأن الموروثَ فيها حربٌ مدمرة لا تُبْقي ولا تَذَر، أكلت الأخضر واليابس في عِراقٍ كان صدام حسين ذاتُه هو قاتلَهَ ومُدَمِّرَهُ بلا منازع، لأنه فَعَل مثلَ مافعله مهندسو "طوفان الأقصى" الأغبياء، بمحاولته الاستحواذ على دولة عضو في الأمم المتحدة بغرض ضمها إلى دولته، في نوع من التَّسَيُّب لم يشهد له التاريخ نظيراً، فكان بذلك قد منح لأعدائه كل المبررات لدكّ دولته وقتل مواطنيه وتخريب بِنْياتِ بلاده... تماماً كما فعلت حماس بأرض غزة وأهالي غزة وبِنياتها التي صارت مُسَوّاةً بالثرى... دون أن يتحقق من وراء ذلك أيُّ نصرٍ ولو على سبيل المَجاز فحسب!!

والعجيب الغريب، أن الذين قدّسوا صدّام وجعلوا منه أيقونة زمانه، ومازالوا يفعلون، لم يُريدوا أن يلتفتوا إلى نزعته الدكتاتورية، وإلى نرجسيته التي جعلته يفتخر بالتقاط الصور حاملا بندقيته المزخرفة وتوزيعها في كل مكان، في وقت كان معارضوه يُعدَمون بطرق جهنمية مبتكَرة، شاهدناها بأم الأعين مع بداية ظهور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، حيث رأينا أشخاصاً مقيّدي الأيدي، مُكَبَّلي الأذرُع بالجُملة، وقد وُضِعت في جيوب أقمصتهم قنابلُ مسيَّرةٌ عن بُعد، يتم تفجيرها بالجملة فتتطاير من جرائها شظايا الرؤوس وأشلاء الأعناق والأكتاف، ثم رأينا آليات مجنزرة تدفع بأولئك المُعدَمين جماعياً إلى حُفَر مشترَكة... نعم عربات مُجَنْزَرة، يُفترض أنها صُنِعت لِتُستعمَل في بناء الصُّروح وليس في دفع أجساد الموتى إلى الحُفَر وردمها فوق أجداثهم... وكل ذلك، في تَكَتُّم شديد لم يُفلح أصحابُه في منع بثه بالصوت والصورة وبالألوان الطبيعية على أوسع نطاق عبر كل بقاع العالم!!

نفس المهلِّلين المطبِّلين، هلّلوا وطبّلوا بعد حربَي الخليج الأولى والثانية للمعتوه معمر القذافي لمجرد إصداره تصريحاتٍ ناريةً يعلم الجميع مدى كذبها وحِربائيتها، لأن الجميع كان يرى ويسمع ما كان يفعله القذافي هو الآخَرُ بمُعارضيه، والأدهى من ذلك، ما كان يفعله بزهرات الجامعة الليبية، التي شيد القذافي في أقبيتها فضاءاتٍ من المخمل والرياش الفاخر لإقامة لياليه الحمراء، فكان يتلصص منها على طالبات الجامعة فيختار منهن ما يروقه ويأمر زبانيته بإنزالهن إليه طوعاً أو كرها ليمارس عليهن عقده الجنسية وشبَقَهُ الرهيب!! ولم يستفق المهلِّلون والمطبِّلون للقذافي البهلوان إلا بعد أن افتضح أمرُه ودارت عليه دوائرُ "ربيعٍ عربيٍّ" لا يخلو هو الآخر من المَفاسِد والفضائح!!

السؤال الذي يطرح نفسه الآن بكل إلحاح:
هل كَتبت هذه الأمة المتخلفة على نفسها قَدَرَ الاستمرار في جهلها الرهيب، وغبائها الشديد، باستمرار بحثها عن إيقونات تصنعها لنفسها من فراغ، كما تفعل الآن وهي تُسبِغ صفة "الاستشهاد" على "إسماعيل هنية"، و"نصر اللات"، و "يحيى السنوار"... وجميع هؤلاء ألقوا بشعبي فلسطين بغزة، ولبنان بجنوب هذه الأخيرة، لقمةً سائغةً لجيش إسرائيلي يعتقد قادتُه أنهم يدافعون عن وجودهم، حتى يضمنوا خلاء الشرق الأوسط من كل معارض لقيام دولتهم الآمنة كما شاء لها مهندسوها أن تقوم بلا عداواتٍ أبدية؟!!

متى تُقلع هذه الأمة المتخلّفة عن هواية فبركة "الشهداء"، وإنتاج الأيقونات الاصطناعية المقدسة، التي صارت والحالة هذه أصنامَ عصرِها وزمانِها الرديئَيْن... ومتى تَفطِنُ هذه الأمةُ إلى أنها تقدّم شعوباً برمّتها فداءً، في سبيل تهليلها وتطبيلها لمجرد أسماء صنعتها هي ذاتُها ما أنزل الله بها من سلطان؟.. ذاك هو السؤال!!!


محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي.