السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: التغيير ….فيه وفيه

عبد الرفيع حمضي: التغيير ….فيه وفيه عبد الرفيع حمضي
في تقديري، البرلمانيات والبرلمانيون المغاربة هم الأكثر انتقاداً للوضع المعنوي الذي هوت إليه المؤسسة التشريعية، التي هم مؤتمنون عليها، مع ما أصبحت تعكسه من صورة لا يرضى عنها القليل منهم. لكون التاريخ يشهد أن بلدنا كانت لها دائماً نخبة سياسية توفقت في مواجهة كبار فرنسا، القوة المستعمرة، كما أنها أدارت الصراع السياسي ببلادنا بما يقتضيه الأمر من حكمة بين الموقف المبدئي والتحالف المرحلي.

ومع ذلك، فضل جلالة الملك أن يعتلي منبر هذه المؤسسة ليتحدث إلى المغاربة في خطاب حصري حول قضية الصحراء المغربية. ومما لا شك فيه أن هذا الأمر فيه تشريف ملكي لهذه المؤسسة وعلى روادها أن يلتقطوا هذه الرسالة إذا عزموا إنقاذ ما يمكن إنقاذه لتحصين سمعة المؤسسة.

فمنذ خطاب قرار محكمة العدل الدولية وكل خطب المسيرة الخضراء، إلى قبول الاستفتاء والانسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية ثم العودة إليها، وقبلها إعلان مبادرة الحكم الذاتي، كانت الخطب الملكية جلها، إن لم تكن كلها، من القصر الملكي.

أما خطاب افتتاح الدورة الخريفية ليوم الجمعة، بما شكله من دعوة للتعبئة العامة من أجل المرحلة المقبلة، فقد تميز بذكر جلالته واحداً واحداً للفاعلين في الملف: الحكومة، البرلمان، المؤسسات، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني وعموم المواطنين أينما وجدوا وفي أي موقع كانوا. في تقديري، هذا الخطاب لا يوازيه إلا خطاب تنظيم المسيرة الخضراء وما واكبه من تعبئة مجتمعية بلغت ذروتها يوم انطلاق المسيرة وملحمة “العيون عينية والساقية الحمرا ليا والواد وادي”.

التغيير الذي تحدث عنه جلالة الملك في المقاربة هو تغيير يهم كل الفاعلين الذين عددهم، محملاً الجميع مسؤولياتهم كل من موقعه تجاه القضية الوطنية، لكن بمنهجية جديدة. فالمرحلة تقتضي اليقظة المعرفية والاطلاع الواسع: التاريخي، السياسي، الاقتصادي، الروحي، الاجتماعي، الحقوقي، وكذلك التقني في بعده الأممي، الأفريقي، الأوروبي وغيره. وبالتالي، فالقضية الوطنية ليست مجرد شعار يُردد في الندوات واللقاءات، بل هي معركة إقناع مستمرة.

كم كان الوضع محرجاً، وقد حضرته مرات عديدة، عندما يجد مغربي، فاعل رسمي أو سياسي أو مدني، نفسه في لقاء فكري خارج الوطن، وينطلق في الحديث عن القضية الوطنية ولا يتجاوز مضمون مداخلته العموميات (مرتزقة البوليساريو، الكراغلة، …إلخ). فبوعي أو بدونه، كم تمت الإساءة للقضية الوطنية من طرف هؤلاء الذين لا يشك أحد في وطنيتهم، لكن الثابت شرعاً أن الله لا يُعبد عن جهل.

هذه هي أجواء بلادنا هذه الأيام بعد الخطاب الملكي السامي، الكل يفكر ويجتهد ويحلل ويدرس المطلوب منه ونوعية مساهمته أفراداً ومؤسسات، فجلالة الملك قد وضع بين أيدي شعبه قضيتهم الوطنية.

في اليوم الموالي، أي السبت 12 أكتوبر، أقل من أربع وعشرين ساعة على الخطاب الملكي السامي ،كان أحد الأصدقاء، بدرجة مدير مركزي، متوجهاً إلى غامبيا لحضور بعض اللقاءات الموازية مع نظرائه قبيل انعقاد الدورة الحادية والثمانين للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. فتوجه إلى مطار محمد الخامس في الوقت المحدد بتذكرته الورقية والإلكترونية، وحتى أمر بمهمة. بل الأكثر من ذلك، فهذا الصديق يُعتبر زبوناً من الدرجة الرفيعة بالنسبة للخطوط الملكية المغربية، فهو حاصل على بطاقة Gold التي لا تُسلم إلا للأوفياء لهذه الشركة الوطنية.

وعندما تقدم للقيام بالإجراءات، فاجأه كلام يصعب تصنيفه وتصديقه: “آسفين، ليس هناك مقعد شاغر بالطائرة، وعليك الانتظار”. انتظر وطال انتظاره، حاول شرح الموقف وأهمية السفر بالنسبة له ذلك اليوم وأنه في مهمة رسمية في ملف له حساسيته. طلب أن يتحدث مع مسؤول يمكنه أن يُقدّر الموقف ويبحث عن حل فوري، لكن مع الأسف، وكالعادة، الكل يتوارى إلى الخلف ويترك فتيات أجيرات شركات المناولة يواجهن غضب المسافرين والمسافرات، دون حول ولا قوة لهن.

هذا الوضع كنت أعيشه في بداية الثمانينات عندما كنت أدرس بالجامعة بفاس. وكان من حين لآخر، وخاصة في بداية أو نهاية العطلة، عندما أريد العودة إلى وزان الجميلة، أقتني التذكرة من قبل في حافلات الغزاوي، وما أدراك ما نقل الغزاوي بمحطة باب بوجلود. لكن يوم السفر، تكون الحافلة ممتلئة، فتنشب المعركة مع السائق والكريسون وحتى مع مكتب التذاكر، وكنت دائماً أتمكن من السفر مادام معي تذكرة.

فهل ستستفيد الإدارة العامة للخطوط الملكية المغربية من شركة نقل الغزاوي؟
عاد صديقي إلى الرباط واستمر النقاش في غامبيا في غيابه، فالأمر ليس مهماً مادام التغيير لم يصل إلى “لارام”.