الأحد 8 سبتمبر 2024
سياسة

عبد الحميد الفاتحي: توجه الحكومة الحالية مقلق جدا يهدد التوازنات المجتمعية والسلم الاجتماعي

عبد الحميد الفاتحي: توجه الحكومة الحالية مقلق جدا يهدد التوازنات المجتمعية والسلم الاجتماعي

يؤكد عبد الحميد الفاتحي، الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، تغييب وتجميد الحوار من طرف الحكومة والإجراءات التي اتخذتها هذه الأخيرة في ما يخص التقاعد والزيادات المتتالية في الأسعار، هي الأسباب الحقيقية التي دفعت النقابات لخوض إضراب 29 أكتوبر الجاري. وأضاف في حوار مع موقع "أنفاس بريس" قائلا بأن رسالة الإضراب هي رسالة الوضوح، فالنقابات لها دور في المجتمع ولها دور في الاستقرار الاجتماعي، وندعو الحكومة إلى إعادة النظر في تعاملها وتدبيرها للمسألة الاجتماعية بصفة عامة وعلاقتها مع المركزيات النقابية... في ما يلي نص الحوار:

- ما هي الأسباب التي دفعتكم داخل الفيدرالية الديمقراطية للشغل لإتخاذ قرار خوض إضراب 29 أكتوبر؟

+ السبب الأساسي هو تعامل الحكومة مع الملف الاجتماعي بصفة عامة في مختلف تجلياته. التجلي الأول هو تغييب وتجميد الحوار الاجتماعي والتفاوض الجماعي من طرف الحكومة. أما الثاني فهو التقاعد الذي اتخذت فيه الحكومة إجراءات بشكل مباشر بدون استشارة النقابات، خاصة إعداد مشروع قانون يتعلق بتقاعد رجال ونساء التعليم، وكذلك إحالة مشروعي قانونين على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهي القوانين التي تضمنت إجراءات مقياسية على حساب الموظفين. فكيف تتجاهل الحكومة عملا امتد لعشر سنوات قامت به اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد والتي تتحدث عن إصلاح شامل لنظام التقاعد في إطار توافق جميع المكونات، والتي كانت رغم وتيرتها البطيئة تسير في المنحى الصحيح. للأسف الحكومة الحالية ضربت كل هذا العمل بعرض الحائط من خلال إقدامها على إعداد مشروع انفرادي ستحاول تمريره على حساب الموظفين. أما ثالثا فهو الهجوم الحكومي على القدرة الشرائية للمأجورين والمواطنين بصفة عامة من خلال الزيادات المتتالية في الأسعار.. لأول مرة في التاريخ نسجل زيادات في المواد النفطية والتي تجاوزت 4 دراهم، كذلك الزيادات الأخيرة في الماء والكهرباء التي انعكست على أسعار كل المواد الغذائية. هذه هي الأسباب المتعددة التي دفعتنا للدخول في معركة 29 أكتوبر.

- فيما يخص نقطة التقاعد، يلاحظ أن مختلف الحكومات المتعاقبة تعاطت معه بمقاربة تأجيل الأزمة، فما هي الحلول الجذرية التي تقترحونها لتجاوز هذه الأزمة؟

+ فيما يخص صندوق التقاعد كان هناك اتفاق مبدئي بين المركزيات النقابية وحكومة إدريس جطو على أساس أن آخر إجراء مقياسي ستتخذه الحكومة هو زيادة ثلاث نقط في الاقتطاعات تتعلق بمساهمات الموظفين ومساهمات الدولة كمشغل، وبالموازاة تأسيس اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد والتي كان المأمول منها الوصول إلى إصلاح شمولي للصناديق. صحيح أن الوتيرة التي اشتغلت بها اللجن كانت بطيئة حيث عملت لمدة 10 سنوات دون الوصول إلى النتائج  المنتظرة، لكنها وصلت إلى المعالم الكبرى للإصلاح. وموقفنا هو أن أي إصلاح ينبغي أن يندرج في هذا السياق. صحيح أن الصندوق المغربي للتقاعد يعاني من أزمة، ونحن نقول نعم للإصلاح، ولكن ليس عبر تحميل الموظف لوحده تكلفة الإصلاح، نعم للإصلاح مع تقاسم تكلفة الإصلاح.. وقد رفعنا مذكرة للحكومة تتضمن مقترحاتنا وضمنها تحمل الحكومة الحكومة للثلثين من المساهمات والموظف للثلث، كذلك اقترحنا أن يكون الإصلاح تدريجي، وأن تكون الزيادة في السن اختيارية بعد 62 سنة. كذلك اقترحنا إجراءات على مستوى تخفيف العبء الضريبي على الدخل، وكذلك اقترحنا تخفيف التكاليف الإجتماعية. وللأسف الشديد، فالحكومة رفضت الجلوس إلى طاولة الحوار مع النقابات لمناقشة مثل هذه الاقتراحات من أجل الوصول الى حل للإشكال. وبالتالي فنحن واعون بوضعية الصندوق ومؤمنون بالإصلاح ومؤمنون أيضا بأن الإصلاح يمر عبر الحوار وعبر التشاور، ويمر أيضا عبر تقاسم تكلفة الإصلاح.

- هل هناك ضمانات كي يمر إضراب 29 أكتوبر في أجواء هادئة ومنضبطة؟

+ زمن الثمانينات والتسعينات ليس هو ما نعيشه اليوم.. المغرب خطى خطوات وخلق تراكمات تجاه الديمقراطية، والصراع السياسي الذي كان في الثمانينات والتسعينات بين المعارضة والقصر لم يعد قائما. اليوم هناك نقاش بين الحكومة والمركزيات النقابية فقط، وبالتالي فالإضراب سيكون سلميا. نحن حريصون على السلم الإجتماعي والاستقرار الاجتماعي، وقد حددنا المجالات التي سيشملها الإضراب، فهو ليس إضرابا عاما شاملا لكل مكونات المجتمع، بل هو فقط إضراب للعمال والمستخدمين والأجراء في أماكن عملهم.. وبالتالي سنحرص على مرور الإضراب في أجواء سليمة، لأنه يهمنا استقرار البلد وسلامة البلد.. إن الحكومة الحالية هي المسؤولة عن هذه الوضعية بتركها لإجماع المركزيات النقابية دون أن تحرك ساكنا متمسكة بخطاب خشبي. فوزير الاتصال رفقة أغلبيته يتحدث بأن هذا الإضراب لا معنى له ولا مبرر له وبأنهم سيمضون "في الإصلاح" إلى نهايته. فهذا هو التوجه المقلق الذي يمكن أن يهدد التوازنات المجتمعية واستقرار المجتمع والسلم الاجتماعي. أما نحن كمركزيات نقابية فلنا تاريخ، ننتمي للحركة الوطنية.. وبفضل نضالات وتضحيات أحزاب الحركة الوطنية وصل المغرب إلى ما وصل إليه حتى تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى السلطة بطريقة شبه ديمقراطية دون أن يؤدي ثمن المرحلة.. فليس له ما يخسره، فالتاريخ ليس تاريخه، بل تاريخنا.. وبالتالي فهو يريد أن يشوه هذا التاريخ من خلال هذا التعامل المتعنت مع المركزيات النقابية وتهريجها وتحقير الفعل النقابي في المغرب. رسالتنا في الإضراب هي رسالة الوضوح، فالنقابات لها دور في المجتمع ولها دور في الاستقرار الاجتماعي، وندعو الحكومة إلى إعادة النظر في تعاملها وتدبيرها للمسألة الاجتماعية بصفة عامة وعلاقتها مع المركزيات النقابية.

- هل تمت التعبئة الكافية للإضراب، علما أن هناك تخوفات من فشل الإضراب في تحقيق الضغط المطلوب على الحكومة؟

+ الإضراب سينجح بالتأكيد، لأن التعبئة قائمة داخل النقابات، وما زال أمامنا الوقت الكافي من أجل مزيد من التعبئة.. والتعبئة الأساسية التي نركز عليها هي أن يكون الإضراب إضرابا عاديا وانقطاعا عن العمل، وأن يمكث الناس في منازلهم لتفادي كل ما من شأنه أن يخلق توترات اجتماعية. والإضراب سيكون ناجحا على غرار الإضراب السابق الذي شمل فقط قطاع الوظيفة العمومية والجماعات المحلية.. وللأسف الخطاب الخشبي للحكومة حاول تسويقه كإضراب فاشل.

- تحدتثم عن تعنت الحكومة، فما هي السيناريوهات الممكنة في المستقبل في حالة عدم تجاوب الحكومة مع مطالب المضربين في 29 أكتوبر؟

+ بطبيعة الحال، الحكومة ترفض فتح حوار في هذه المرحلة، ودفعتنا لخوض الإضراب متوقعة أن تسجل يوم 29 أكتوبر أشياء خارجة عن المألوف وربما أحداثا مؤلمة. لكننا نقول للحكومة إننا مسؤولون وقادرون على تأطير الشغيلة المغربية.. واذا لم تتجاوب الحكومة، رغم نجاح الإضراب، فلا يمكن إلا أن نخوض إضرابا آخر في مرحلة أخرى وبشكل أشمل وبشكل أقوى وبشكل أعمق لإحراج الحكومة.. لا يمكن أن ندع الحكومة تفعل ما تشاء على حساب قوت المواطن المغربي والموظف المغربي.