حين تغيب المحاسبة، يغتني المنتخب ويسود الظلم ويغيب العدل. رباعية قال عنها الفلاسفة إنها تؤدي إلى إضعاف الدولة. لكن فعل هذه الأخيرة، في واقعنا، سيظل الضامن لإعادة الأمل في إصلاح لا زال ممكناً. البيت السياسي لا يمكن أن يتم تأمينه إلا عبر المسؤولية الحقيقية والمحاسبة وتنزيل حقيقي للتوازن بين السلطات. حضر المغاربة، كعادتهم في مظاهرة الرباط الوطنية لدعم فلسطين، وعبروا باطمئنان عن تضامنهم. لو كانت تظاهرة من أجل الدفاع عن القدرة الشرائية أو ضمان سير عاد للمرافق العمومية، لشهدت الرباط واقعاً آخر. الأمر يتطلب تعميق النظر في ضرورة تخليق الحياة السياسية وإيجاد ذلك الحل الوسط الذي يحافظ على استقرار الوطن. لن يرضى أحد عن اغتناء سريع مصدره ريع ورشوة وممارسة غير مضبوطة للمهام الانتخابية.
مر أسبوع من شهر أكتوبر في بلادنا على إيقاع أحداث وأخبار لا تبعث على الاطمئنان. اقتبس الكثير من الفاعلين السياسيين وحتى علماء الفعل السياسي "مفهوم الدخول السياسي" ليعبروا عن إمكانية حدوث قطيعة لمجرد مرور يوم على نهاية شهر شتنبر. وتزداد هذه الظاهرة، القريبة من كلام العرافات، من حجم إعطاء كثير من الأهمية للتواريخ المرتبطة بمناسبات سياسية واجتماعية واقتصادية رغم عدم وجود عوامل موضوعية، تنذر أو تبشر بحدوث تغيير في بنيات القرار السياسي والإيديولوجي والحقوقي والاجتماعي.
حدث بعد أسبوع من هذا الشهر خروج حكم من محكمة أوروبية يبين مضمونه أن قضاة، ذوي توجهات سياسية معادية للمغرب، أعادوا قراءتهم لعلاقته مع الاتحاد الأوروبي إلى فترة سبق أن حسم نفس هذا القضاء ببطلان حكم "ابتدائي" أوروبي. من يقرأ أحكام القضاء الأوروبي لا يمكنه أن لا يلاحظ الطابع السياسي لكتابة الأحكام وسياسة صياغتها. وعلى عكس كل الهيئات القضائية الدولية، تصيغ المحكمة الأوروبية قراراتها بعيداً عن القانون الدولي وحتى عن القوانين المنظمة لعلاقات الاتحاد الأوروبي بالدول وبالمؤسسات غير الأوروبية. والغريب في الموضوع أن هذه المحكمة لا تجرؤ على التدخل في كل الاتفاقيات التي تربط أوروبا مع الولايات المتحدة. ولا تحرك هذه المحكمة ساكناً حين تصدر بعض دول أوروبا أسلحة إلى إسرائيل لتدمر مدارس ومستشفيات فلسطين وتقتل أطفالها ونساءها وشيوخها. مواقف محكمة تتحكم في أحكامها أيديولوجية مغرقة في الانحياز والتفكير بمنطق الحرب الباردة التي انتهت بعد سقوط حائط برلين. ما يهم المغرب هو تدبير العلاقات الثنائية مع الدول الأوروبية الصديقة بكثير من الواقعية. ويكفي النظر إلى التوجه الذي يسود كثيراً من الدول التي تعادي البقاء في الاتحاد الأوروبي الذي يتراجع دوره بشكل كبير.
يمضي شهر أكتوبر في دخوله إلى التسريع بنهاية السنة والوعد بدخول سياسي. توجه الملاحظون إلى متابعة إتمام محطات مؤتمر حزب الاستقلال. اجتمع المجلس الوطني لهذا الحزب الوطني الذي أظهر نوعاً من صلابة الحضور رغم تراجع الأحزاب المسماة بالوطنية أو بالتقليدية. ويمكن القول إن ثقافة هذا الحزب لا زالت تخضع لمنطق التوافقات الصعبة. وتم الإعلان عن أعضاء اللجنة التنفيذية التي أقصت، لأسباب متعددة، بعضاً من كانوا يظنون أنهم من ثوابت الحزب التي لا تزحزح. حزب الاستقلال هو الحزب الوحيد الذي تحكمه تجاذبات بين تيارين كبيرين من جنوب المغرب ومن وسطه وشماله. ويظل التحدي الذي يواجه حزب علال الفاسي هو تطهير صفوفه من الانتهازيين. ويظل هؤلاء هم "كعب أخيل" حسب الإغريق، بالنسبة لهذا الحزب. ويظل الأوفياء لفكر التعادلية كثيرين ويجب أن يسمع صوتهم.
يشهد شهر أكتوبر غلياناً في بعض أحزاب الأغلبية التي يمكن اعتبارها جديدة على الفعل التاريخي والثقافي للعمل السياسي ببلادنا. يجتاز حزب الأصالة والمعاصرة بكثير من الصعوبة أزمة الولادة والنشأة. ما بين مراحل التأسيس والولادة القيصرية وغياب الأرضية السياسية والتوجه الإيديولوجي واختلاط يسار سابق بأصحاب مال ومصالح، غابت الرؤية. تم تغييب بنشماس والعمري وبيد الله وبن عدي وأخشيشن، وقيل إن النجاح مضمون بقيادة ثلاثية تهيمن عليها سيدة شابة تنحدر من أصول رحمانية نسبة إلى قبيلة المنصوريين الرحامنة. أظهر الواقع أن الهشاشة السياسية واقع حقيقي في مرحلة تحتاج إلى القيادات وإلى نخبة لا تصنع بقرار. اختلط القرار الحزبي بقضايا تجارية وبعلاقات أسرية، فصدر القرار بطرد رئيس جماعة ترابية بمنطقة جبالة، يبدو أنه نزيه وشريف، وتجميد عضو في القيادة ومحاكمته، قبل أن يقول القضاء كلمته في قضايا تجارية تهم عائلته. وقبل هذا، أثر ملف إسكوبار الصحراء على نظرة الكثيرين إلى حزب الأصالة والمعاصرة. ينتظر من قيادة هذا الحزب التحلي بكثير من الشجاعة لإقناع المغاربة بصدق محاربة الإثراء غير المشروع والسريع للبعض، وذلك لمجرد الحصول على موقع سياسي. الأمر صعب لكنه يشكل مفتاح ترسيخ التعامل مع غدٍ صعب جداً.
تبين بالملموس أن تدبير الجماعات الترابية يحتاج إلى إحداث رجة كبيرة في مضمون القوانين المنظمة لها. ويجب على الدولة أن تعيد النظر في الإطار القانوني والأخلاقي والسياسي والمستوى التكويني لضمان دخول النخب إلى معترك السياسة. حدث فرق كبير بين نخب 1977، التي أنصفها القانون لتصل إلى تدبير مدن المغرب وقراه، ومن تولوا أمر هذه المدن والقرى بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن. تم إفساد العمل الجماعي وافتضحت أمور الكثير من الوصوليين. ووصل الأمر إلى تقلد أميين وضعيفي التكوين وقليلي الخبرة مهام القرار الجهوي والإقليمي وامتلاك الثروات العقارية والمالية. ويزيد افتضاح هذا الأمر عبر انفجار التناقضات بين أعضاء الحزب الواحد. حصل تشابك في الرباط أدى إلى استقالة العمدة، ويحصل نفس الشيء في مكناس مع نفس الحزب وهو التجمع الوطني للأحرار. هل للأحزاب قدرة على محاسبة أطُرها، أم أن منطق اختيار الحصان الرابح ينقص من القدرة على تحكيم العقل والأخلاق والمحاسبة؟ أصبح كثير من المغاربة مقتنعين بسطوة المفسدين على تدبير العمليات الانتخابية. وقد يفيد تذكير العارفين أن نخبة المثقفين تظل ذات ثقل كبير في مجال التوعية ذات النفس الطويل في مواجهة مراكمي الثروات ذوي النفس القصير. بلادنا تطمح إلى بلوغ مرتبة في صف الدول الصاعدة، وهذا ممكن، بقيادة مؤسسات الحكامة الترابية التي تعي أهداف المغرب الاستراتيجية.
مر أسبوع من شهر أكتوبر في بلادنا على إيقاع أحداث وأخبار لا تبعث على الاطمئنان. اقتبس الكثير من الفاعلين السياسيين وحتى علماء الفعل السياسي "مفهوم الدخول السياسي" ليعبروا عن إمكانية حدوث قطيعة لمجرد مرور يوم على نهاية شهر شتنبر. وتزداد هذه الظاهرة، القريبة من كلام العرافات، من حجم إعطاء كثير من الأهمية للتواريخ المرتبطة بمناسبات سياسية واجتماعية واقتصادية رغم عدم وجود عوامل موضوعية، تنذر أو تبشر بحدوث تغيير في بنيات القرار السياسي والإيديولوجي والحقوقي والاجتماعي.
حدث بعد أسبوع من هذا الشهر خروج حكم من محكمة أوروبية يبين مضمونه أن قضاة، ذوي توجهات سياسية معادية للمغرب، أعادوا قراءتهم لعلاقته مع الاتحاد الأوروبي إلى فترة سبق أن حسم نفس هذا القضاء ببطلان حكم "ابتدائي" أوروبي. من يقرأ أحكام القضاء الأوروبي لا يمكنه أن لا يلاحظ الطابع السياسي لكتابة الأحكام وسياسة صياغتها. وعلى عكس كل الهيئات القضائية الدولية، تصيغ المحكمة الأوروبية قراراتها بعيداً عن القانون الدولي وحتى عن القوانين المنظمة لعلاقات الاتحاد الأوروبي بالدول وبالمؤسسات غير الأوروبية. والغريب في الموضوع أن هذه المحكمة لا تجرؤ على التدخل في كل الاتفاقيات التي تربط أوروبا مع الولايات المتحدة. ولا تحرك هذه المحكمة ساكناً حين تصدر بعض دول أوروبا أسلحة إلى إسرائيل لتدمر مدارس ومستشفيات فلسطين وتقتل أطفالها ونساءها وشيوخها. مواقف محكمة تتحكم في أحكامها أيديولوجية مغرقة في الانحياز والتفكير بمنطق الحرب الباردة التي انتهت بعد سقوط حائط برلين. ما يهم المغرب هو تدبير العلاقات الثنائية مع الدول الأوروبية الصديقة بكثير من الواقعية. ويكفي النظر إلى التوجه الذي يسود كثيراً من الدول التي تعادي البقاء في الاتحاد الأوروبي الذي يتراجع دوره بشكل كبير.
يمضي شهر أكتوبر في دخوله إلى التسريع بنهاية السنة والوعد بدخول سياسي. توجه الملاحظون إلى متابعة إتمام محطات مؤتمر حزب الاستقلال. اجتمع المجلس الوطني لهذا الحزب الوطني الذي أظهر نوعاً من صلابة الحضور رغم تراجع الأحزاب المسماة بالوطنية أو بالتقليدية. ويمكن القول إن ثقافة هذا الحزب لا زالت تخضع لمنطق التوافقات الصعبة. وتم الإعلان عن أعضاء اللجنة التنفيذية التي أقصت، لأسباب متعددة، بعضاً من كانوا يظنون أنهم من ثوابت الحزب التي لا تزحزح. حزب الاستقلال هو الحزب الوحيد الذي تحكمه تجاذبات بين تيارين كبيرين من جنوب المغرب ومن وسطه وشماله. ويظل التحدي الذي يواجه حزب علال الفاسي هو تطهير صفوفه من الانتهازيين. ويظل هؤلاء هم "كعب أخيل" حسب الإغريق، بالنسبة لهذا الحزب. ويظل الأوفياء لفكر التعادلية كثيرين ويجب أن يسمع صوتهم.
يشهد شهر أكتوبر غلياناً في بعض أحزاب الأغلبية التي يمكن اعتبارها جديدة على الفعل التاريخي والثقافي للعمل السياسي ببلادنا. يجتاز حزب الأصالة والمعاصرة بكثير من الصعوبة أزمة الولادة والنشأة. ما بين مراحل التأسيس والولادة القيصرية وغياب الأرضية السياسية والتوجه الإيديولوجي واختلاط يسار سابق بأصحاب مال ومصالح، غابت الرؤية. تم تغييب بنشماس والعمري وبيد الله وبن عدي وأخشيشن، وقيل إن النجاح مضمون بقيادة ثلاثية تهيمن عليها سيدة شابة تنحدر من أصول رحمانية نسبة إلى قبيلة المنصوريين الرحامنة. أظهر الواقع أن الهشاشة السياسية واقع حقيقي في مرحلة تحتاج إلى القيادات وإلى نخبة لا تصنع بقرار. اختلط القرار الحزبي بقضايا تجارية وبعلاقات أسرية، فصدر القرار بطرد رئيس جماعة ترابية بمنطقة جبالة، يبدو أنه نزيه وشريف، وتجميد عضو في القيادة ومحاكمته، قبل أن يقول القضاء كلمته في قضايا تجارية تهم عائلته. وقبل هذا، أثر ملف إسكوبار الصحراء على نظرة الكثيرين إلى حزب الأصالة والمعاصرة. ينتظر من قيادة هذا الحزب التحلي بكثير من الشجاعة لإقناع المغاربة بصدق محاربة الإثراء غير المشروع والسريع للبعض، وذلك لمجرد الحصول على موقع سياسي. الأمر صعب لكنه يشكل مفتاح ترسيخ التعامل مع غدٍ صعب جداً.
تبين بالملموس أن تدبير الجماعات الترابية يحتاج إلى إحداث رجة كبيرة في مضمون القوانين المنظمة لها. ويجب على الدولة أن تعيد النظر في الإطار القانوني والأخلاقي والسياسي والمستوى التكويني لضمان دخول النخب إلى معترك السياسة. حدث فرق كبير بين نخب 1977، التي أنصفها القانون لتصل إلى تدبير مدن المغرب وقراه، ومن تولوا أمر هذه المدن والقرى بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن. تم إفساد العمل الجماعي وافتضحت أمور الكثير من الوصوليين. ووصل الأمر إلى تقلد أميين وضعيفي التكوين وقليلي الخبرة مهام القرار الجهوي والإقليمي وامتلاك الثروات العقارية والمالية. ويزيد افتضاح هذا الأمر عبر انفجار التناقضات بين أعضاء الحزب الواحد. حصل تشابك في الرباط أدى إلى استقالة العمدة، ويحصل نفس الشيء في مكناس مع نفس الحزب وهو التجمع الوطني للأحرار. هل للأحزاب قدرة على محاسبة أطُرها، أم أن منطق اختيار الحصان الرابح ينقص من القدرة على تحكيم العقل والأخلاق والمحاسبة؟ أصبح كثير من المغاربة مقتنعين بسطوة المفسدين على تدبير العمليات الانتخابية. وقد يفيد تذكير العارفين أن نخبة المثقفين تظل ذات ثقل كبير في مجال التوعية ذات النفس الطويل في مواجهة مراكمي الثروات ذوي النفس القصير. بلادنا تطمح إلى بلوغ مرتبة في صف الدول الصاعدة، وهذا ممكن، بقيادة مؤسسات الحكامة الترابية التي تعي أهداف المغرب الاستراتيجية.