الجمعة 27 سبتمبر 2024
مجتمع

أمن الدار البيضاء يفكك اعتصاما لطلبة كلية الطب بدون خسائر تذكر (مع فيديو)

أمن الدار البيضاء يفكك اعتصاما لطلبة كلية الطب بدون خسائر تذكر (مع فيديو) جانب من الوقفة الاحتجاجية
على طول شارع طارق بن زياد بالدار البيضاء، حيث توجد كلية الطب والصيدلة، من شارع عبد المومن إلى زنقة سبتة، وعلى جهتيه، تم وضع عدد من سيارات وحافلات إلى جانب شاحنة إطلاق المياه، وسيارات للتصوير، وسيارتين للوقاية المدنية، طبعا إلى جانب العشرات من عناصر القوات العمومية بمختلف تشكيلاتها، شرطة، تدخل سريع، وقوات مساعدة، وكذا عناصر أمنية بلباس مدني، وكل هذا تحت إشراف المسؤولين الإقليميين للأمن الوطني.
 

أما سبب نزول هذا الحضور الأمني المكثف، فهو على خلفية الاعتصام الذي دعا له طلبة كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، بناء على البلاغ الأخير للجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، بتنظيم اعتصامات ليلية أمام الكليات، فكان موعد طلبة الدار البيضاء مساء الخميس 26 شتنبر 2024، بعد أن نظم شكل احتجاجي مماثل في وجدة مر بشكل عادي، وكذا الرباط التي عرفت توقيفات للطلبة وإصابتهم بعد التدخل الأمني..

الساعة تشير إلى الخامسة عصرا من اليوم المحدد، تعليمات أمنية صارمة بمنع توقف السيارات قرب الكلية، ونصب حواجز حديدية أمام مدخل الكلية، وتجمعات لمسؤولي الأمن بمختلف التشكيلات، قصد وضع سيناريوهات لكل الاحتمالات، مع استحضار ما وقع في الرباط، مع نفس الفئة..
 

السيارات الأمنية تأخذ مواقعها، وانتشار أمني وفق خطة أمنية محكمة، "لا تحتكوا كثيرا معهم، سنسايرهم حتى دوز القضية بخير"، هكذا خاطب أحد المسؤولين الأمنيين مجموعته، وهو يتفقد آلياتهم..

ولأن الظرف الزمني كان متسما بضغط مروري مكثف مرتبط بساعة الذروة، فقد تم تخصيص شرطة المرور لتيسير السير والجولان، في تنسيق تام مع قاعة المواصلات..

حركة الدراجين لم تتوقف، تفقد لأي تحرك طلابي من الوجهات الأربع المحيطة بالكلية، بما فيها جناح المستعجلات والمدخل الخلفي لمستشفى ابن رشد وكذا مستشفى 20 غشت..
 

ساعة البداية تقترب، والطلائع الأولى للطلبة بدأت تلتحق بمكان الاعتصام المحاذي لمقر رئاسة الجامعة بعد غلق المدخل الرئيسي للكلية.. حركة القوات العمومية تساير كل تحرك طلابي دون الاقتراب منه أكثر.. تم توزيع عدد من عناصر القوات المساعدة على جنبات شارع طارق ابن زياد، قصد منع الطلبة من النزول للشارع، مع الحفاظ على حركة السير والجولان، لم يقتصر الأمر في الحضور على الطلبة، بل كان للآباء والأمهات حضور لافت وقوي، خصوصا في رفع الشعارات، ومع ذلك ليس هناك أثر لمقومات الاعتصام، عكس ما شوهد في اعتصام الرباط أو وجدة، كراسي، خيام، حقائب.. بل حتى مكبر الصوت، كان غائبا، "لا نعرف لحد الساعة كيف سيتم التعامل معنا، خصوصا على ضوء ما حدث في الرباط"، تقول إحدى ممثلات الطلبة، مضيفة، "رسالتنا واضحة، نريد حلا واقعيا لملف دخل شهره العاشر، ولا نريد الاصطدام مع الشرطة، لأنها ليست طرف في الموضوع، مشكلتنا مع وزيرا التعليم العالي والصحة".

الساعة السادسة والنصف، التجمع الطلابي بدأ يتشكل شيء فشيء، وبدأ عددهم يرتفع، الجميع أخذ موقعه، على جنبات الشارع، ونفس الأمر بالنسبة للعناصر الأمنية التي تم توزيعها وفق مسار التجمع الطلابي.. أمهات حرصن على مرافقة أبنائهن وبناتهن لهذا المعتصم، بل والحرص على الوقوف بجنبهم، آباء آخرون، بمجرد ما أوصلوا أبناءهم، تراجعوا للخلف يراقبون الأوضاع، أو دخلوا في أحاديث مع بعضهم البعض، فالأكيد أن 10 أشهر من الاحتجاجات الطلابية الميدانية خلقت علاقات متينة بينهم، تطورت لخلق مجموعات على منصات التواصل الاجتماعي، أما الطلبة والطالبات، فرغم حيويتهم فإن علامات اليأس والتعب بادية على وجوههم وأحاديثهم الثنائية، "إلى متى سنظل في الشارع، واش ما كاين اللي عندو كبدة على هاذ البلاد؟ مكاننا الطبيعي هو المدرجات والتداريب الاستشفائية، وليس الشوارع، نحن طلبة ومع هذه الحكومة أصبحنا مطاردين، ونفسيتنا منهارة"، يقول طالب وهو يتحدث لجريدة "أنفاس بريس"، مستدركا، "ومع ذلك مشروعية مطالبنا، والتفاف الجميع عليها، ودعم فعاليات المجتمع المدني، ومنها، الصحافة، يجعلنا أكثر إصرارا على النضال حتى تحقيق المطالب".

رغم أن الاعتصام كان مقررا الساعة السادسة مساء، فإنه لم يبدأ عمليا إلا عند الساعة السابعة، في ظل أجواء من الترقب والحيطة والحذر من جانب الطلبة وأولياء أمورهم..

"جودة التكوين الطبي خط أحمر"، لافتة من الحجم الصغير، تم رفعها، إيذانا ببدأ الشكل الاحتجاجي، وقبل ذلك كان ممثلو الطلبة يدلون بتصريحاتهم للصحافة، والرسالة واحدة، نريد العودة للدراسة وفق شرط إلغاء قرار خفض التكوين الطبي من 7 إلى 6 سنوات، والتنديد بتجاهل الحكومة للملف، واستنكار ما حدث في محيط كلية الطب بالرباط، ومع نهاية كل تصريح كانت التصفيقات ترفع من قبل زملائهم وزميلاتهم، تعبيرا عن التضامن الطلابي..

"واخا تعيا ما تطفي.. غاتشعل غاتشعل.. هي نار الطلبة.. نار قوية غاتشعل"، هو أول شعار تم رفعه بحناجر الطلاب، ومع تكرار الشعارات، كان الحماس يجتاح جموع الطلبة وأولياء أمورهم، الجميع انخرط في الاحتجاج، مقابل ارتفاع درجة استنفار القوات العمومية، "أناضل.. أحتج"، شعار أيضا تم رفعه من الطلاب الذين فضل بعضهم ارتداء الوزرة البيضاء، في حين فضل آخرون التوشح بلباس أسود..
 

الدقائق تمر، وجذوة الاحتجاج ترتفع، ومع مغرب شمس ذلك اليوم، أشعل الطلاب أضواء هواتفهم، يلوحون بها، بالتزامن مع رفع الشعارات، "هذه الأضواء نرمز بها للأمل الذي يبدو في الأفق، ومع ذلك نحن متشبثون بالأمل في أن تتراجع الحكومة عن قراراتها، وتعود لصوابها، فنحن مع مصلحة الوطن ونثمن كل التوجهات الملكية في توفير الحماية الاجتماعية للمواطنين، ولا نريد أن تكون هذه الحماية بأيدي أطباء وطبيبات لم يستكملوا ساعات وسنوات التكوين على غرار الأجيال الطبية السابقة"، تقول إحدى الطالبات.

بحت حناجر المحتجين وهم الذين لم يتوقفوا عن ترديد الشعارات دون الاستعانة بمكبر الصوت، كما كان معمولا به في الاحتجاجات السابقة..

مرت ساعة من الاحتجاج، ومع حلول الظلام، بدأ المسؤولون الأمنيون، يستدعون ممثلي الطلبة، قصد فض هذا الاعتصام، وبأن ساعة من الزمن كافية لإيصال صوتهم للجهات المعنية، وبأن حضورهم لحماية أمن المتظاهرين والشارع العام، بالمقابل أكد ممثلو الطلبة على أن احتجاجهم في الشارع هو سلمي ومسؤول على غرار باقي الاحتجاجات السابقة، ليستطرد مسؤول أمني بالقول أن مهمته هي السهر على تطبيق القانون وتنفيذه، والاحتجاج غير مصرح به، ملتمسا من ممثلي الطلبة الانسحاب الجماعي..

طال الحديث وطال، ولم تتوقف الشعارات، بل زادت ارتفاعا وحدة، من قبيل: "سنة بيضا ميراوي، والوزير ماشي مسؤول".. 

الساعة الثامنة والنصف، أعطيت التعليمات بنزول عناصر قوات التدخل السريع بالقرب من مستعجلات 20 غشت بالنزول من الحافلتين، والوقوف بانتظام على أهبة الاستعداد، واضعين قبعاتهم على رؤوسهم وحاملين لعصيهم والواقيات البلاستيكية.. 

أمام هذا الوضع لم يكن لممثلي الطلبة من سبيل سوى التواصل مع زملائهم وزميلاتهم لتبليغهم رسالة المسؤولين الأمنيين، أن انسحبوا سالمين، وهو ما تمت مواجهته من قبل عموم الطلاب بالاحتجاج والصفير، في رفض تام للانسحاب، "ما دام أن الشكل الاحتجاجي المتمثل في خوض اعتصام ليلي إلى غاية الساعة السابعة صباحا من اليوم الموالي صادر عن التجمع الطلابي الأخير، وورد في بلاغ اللجنة الطلابية، فإنه لا مجال للتراجع عنه تحت أي مبرر"، يقول طالب في حديث لجريدة "أنفاس بريس"، هي قلة قليلة من الطلاب رفقة آبائهم الذين استجابوا لنداء اللجنة الطلابية، في حين كان التوجه العام (طلبة وآباء) هو الاستمرار في الاعتصام كما كان مقررا..

وبصعوبة بالغة كان التواصل يتم بين اللجنة الطلابية وعموم المحتجين، "رجاء، حقنا للدماء، وتجنبا لأي اعتقال، نطلب منكم الانسحاب، وسنعود مجددا للاحتجاج، مادام المشكل قائما، لا نريد تكرار تدخل الرباط، ولن نتخلى عن بعضنا البعض، ولا نريد المساس بأي طالب وطالبة"، عبر مكبر صغير للصوت، كان أحد أعضاء اللجنة يخاطب جموع الطلاب، ومع ذلك لم يستجب لندائه إلا القلة القليلة.. ومع ذلك كامت النداءات تتكرر من اللجنة الطلابية تحت إلحاح شديد من مسؤولي الأمن، وفي جانب من الشارع، ارتدى ممثل السلطات العمومية وشاحا باللونين الأحمر والأخضر، محاطا بعناصر أمنية بلباس مدني.. وهو دليل على جدية التنبيه الأمني للطلاب.
 
الشعارات الطلابية ترتفع، وتزداد حماسة وتصفيقا مع مرور بعض السيارات والدراجات وهي تطلق منبهاتها في شكل تضامن معهم..
 

التاسعة والنصف ليلا، ومع ذلك يستمر الاعتصام، بين التماسات ممثلي الطلبة في الانسحاب وبين جاهزية القوات العمومية للتدخل الأمني فى انتظار توصلها بالتعليمات، لم تهدأ أجهزة الراديو "تالك ولكي"، رسائل متبادلة بين المسؤولين الأمنيين محليا وإقليميا، اصطفت العناصر الأمنية، وتم منع حركة المرور، من الجهتين، ووضعت حواجز حديدية لغلق الشارع، وأشعلت شاحنة إطلاق المياه محركها وأضواءها، وأعطيت الأوامر للعناصر الأمنية بلباس مدني بإخراج المحتجين لما وراء الحواجز الحديدية في اتجاه الزنقة المؤدية ل "باستور"، بلطف وفق تعبير أحد المسؤولين الأمنيين، الذي كان غير ما مرة يفتح نقاشات مع الآباء والأمهات، مؤكدا، أنه يتفهم وضعيتهم، لكن واجبه يتمثل في حمايتهم بالدرجة الأولى..

ما إن يتم تفريق تجمع، حتى يتكون تجمع في مكان آخر، واستمرت الشعارات الطلابية، في حين لم يتقدم الضابط الأمني المكلف بالتحذير، وظل واقفا تحت الشجرة بجانب المدخل الرئيسي للكلية، ومع ذلك سجلت احتكاكات بين عناصر أمنية بلباس مدني وبعض الطلبة، لكن تم تطويقها وتهدئة الأوضاع، واستمر ذلك لحدود الساعة العاشرة والربع ليلا، انتهت بكلمة مطولة لمنسق اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، أيمن فتحي الذي جدد فيها مطالب طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، مستنكرا فيها استمرار التجاهل الحكومي، وضاربا في نفس الوقت موعدا آخر للاحتجاج، وهو ما أشار إليه البلاغ الأخير للجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة، وهو ما تم وصفه بالشكل الاحتجاجي الوطني غير المسبوق يوم 15 أكتوبر 2024 بالعاصمة الرباط..

فإلى متى سيستمر هذا الاحتجاج الطلابي وسط تجاهل حكومي؟