لم يعد من الممكن الإستمرار في التعامل مع الشباب بمنطق الهامش والواجهة. فما سمي بتمثيلية الشباب في البرلمان عبر لوائح انتخابية لم يكن سوى ديكور سياسي وصدقة انتخابية فارغة، لم تمنحهم سلطة تقريرية ولا قدرة على التأثير في القرار العمومي. عشر سنوات من المماطلة بعد دستور 2011 كافية لتكشف أن الأمر لم يكن سوى محاولة لربح الوقت وتفادي فتح ورش المشاركة الحقيقية.
إن إحداث المجلس الإستشاري للشباب والعمل الجمعوي في ظل الإحتجاجات التي قادها وأطرها الشباب، أضحى ضرورة دستورية وأخلاقية. باعتباره فضاء سيتيح للشباب مناقشة قضاياهم بأنفسهم، ويجعل صوتهم مسموعا كوسيط رسمي بين مطالبهم والحكومة. وما دامت الدولة تتحدث عن الديمقراطية التشاركية، فإن أول اختبار جدي لصدق هذا الخطاب هو احترام حق الشباب في مؤسسة تمثلهم فعليا لا صوريا.
غير أن شرط النجاح يظل رهينا بجعل المجلس مجلسا استشاريا حقيقيا يعيد الثقة في المؤسسات، وألا يتحول إلى غنيمة جديدة لتوزيع المناصب على الأتباع أو ريع حزبي يتسابق إليه الانتهازيون. فالشباب يحتاجون إلى فضاء مستقل عن الحسابات الضيقة، لا لهيئة ملحقة بآلة حزبية أو تابعة لمنطق الولاءات.
ومن تم فإن التمادي في التأجيل لن يؤدي إلا إلى تعميق فقدان الثقة وتوسيع الهوة، بين الدولة وجيل كامل لم يعد يقبل دور المتفرج. فشبابنا يريدون مؤسسة قوية بصلاحيات واضحة تتيح لهم المشاركة في صياغة السياسات العمومية ومحاسبة من ينفذها.
إن المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي هو اليوم صمام أمان لمستقبل الديمقراطية، وإن تأخير إخراجه إلى الوجود هو إصرار على تكريس التهميش وإدامة الإقصاء. والرسالة واضحة فإن أرادت الدولة مصالحة جيلها الجديد فالمدخل يبدأ من هنا.