طرحت احتجاجات المحامين في الفترة الأخيرة في تونس تبعا لما اعتبروه تضييقا عليهم أثناء أداء مهامهم، تساؤلات بشأن حقيقة تحرّك هيئة المحاماة ضد الرئيس قيس سعيد، خصوصا بعد إقرار حمل الشارة الحمراء الأسبوع المقبل.
ووفق ما نشرته يومية "العرب"، ففي الوقت الذي يقول فيه متابعون للشأن التونسي إن الخطوة يمكن توظيفها سياسيا في علاقة بالمستجدات السياسية الأخيرة وأبرزها "النزاع القانوني" بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية في علاقة بخوض عدد من المرشحين للسباق الانتخابي الرئاسي من عدمه، تذهب أطراف أخرى إلى كون التحرك لا يتجاوز أن يكون تعبيرا قطاعيا من الهيئة التي ترفض ما تعتبره تضييقا على منظوريها أثناء ممارسة نشاطهم.
ويأتي تحرك المحامين بعد خطوات قطاعية أخرى عاشها المشهد التونسي في الفترة الأخيرة وأهمها تحركات سلك القضاء ونقابتي التعليم بسلكيها الأساسي والثانوي، فضلا عن تحركات الاتحاد العام التونسي للشغل الأسبوع الماضي.
وقرّر مجلس الهيئة الوطنية للمحامين حمل الشارة الحمراء لمدة أسبوع إلى غاية 20 شتنبر 2024، احتجاجا على ما اعتبره "تضييقات مسلطة على المحامين أثناء أدائهم لمهامهم".
وأشارت الهيئة في بيان لها إلى أنها ستنظم وقفات احتجاجية أمام قصر العدالة بتونس وبمقرات المحاكم الابتدائية بمرجع نظر بقية الفروع الجهوية يوم 18 شتنبر الجاري، فضلا عن مقاطعة الإجراءات العدلية لمدة أسبوع، وذلك للمطالبة بإصلاح مرفق العدالة والاستجابة للمطالب المهنية للمحاماة التونسية في أقرب الآجال.
ولفت المجلس إلى “معاينته لانتهاكات جسيمة مسلطة على المحامين أثناء أدائهم لمهامهم من حرمان البعض منهم من حق الإطلاع على الملفات القضائية وحق الترافع وحق زيارة موكليهم والتضييق عليهم وتعمد إهانتهم والاعتداء عليهم والمساس من كرامتهم واعتبارهم أثناء قيامهم بمهامهم لدى الوحدات الأمنية والسجنية، وتهديد البعض الآخر بالملاحقات والعقوبات الجزائية بمناسبة ترافعهم في بعض القضايا”.
كما لفت إلى “تواصل نقلة القضاة وتعيينهم في خطط وظيفية بمجرد مذكرات عمل صادرة عن وزيرة العدل في ظل عدم تركيز المجلس الأعلى للقضاء الضامن لاستقلالية القضاء والقضاة من حيث الإعفاء والنقلة وإسناد الخطط الوظيفية، مما أضفى مناخا يمس باستقلالية القضاء وسيادة القانون”، مؤكدا أن “احترام حق الدفاع ليس مجرد إجراء قانوني شكلي بل هو ركيزة أساسية من ركائز المحاكمة العادلة”، داعيا جميع الجهات المعنية المتداخلة في الشأن القضائي “إلى وجوب التقيد والالتزام باحترام حق الدفاع وإجراءات المحاكمة العادلة والنزيهة”.
وحمّل وزارة العدل مسؤولية ما وصفه بـ”الوضع المتردي الذي آل إليه وضع القضاء والمحاماة نتيجة اعتماد المماطلة والتسويف بعدم الجدية في الاستجابة للمطالب المشروعة للمحاماة من حيث سن القانون الأساسي للمحاماة وإصدار النصوص الترتيبية المتعلقة بالإصلاح الهيكلي لصندوق الحيطة والتقاعد للمحامين والتكوين التخصصي المستمر ورقمنة المحاكم”.
ودعا إلى تركيز المجلس الأعلى للقضاء وتركيز المحكمة الدستورية باعتبارها الضمان للتعديل بين السلطات والحقوق والحريات المضمونة دستوريا.
ويقول مراقبون إن المحامين دائما ما يكونون في صدارة التحركات السياسية، ولعلّ كثرة الانتقادات والمزايدات على القطاع جعلهم يتحركون ولو بالحد الأدنى المطلوب في هذه الفترة.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “عمادة المحاماة كانت دائما منذ عهد العميد فتحي زهير، حريصة على استقلاليتها، وكانت دائما حساسة في علاقة بالحريات، وهي تجمع بين مختلف الأطياف الأيديولوجية والسياسية”.
وأكد لـ”العرب”، “تسجيل الحضور في هذا الظرف مسألة مؤكدة، وأصبح من الضروري الحضور في نزاع الصلاحيات بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية، وهذا التحرّك قابل للتوظيف سياسيا، كما أن الإعلام الخارجي سيوظفه ضدّ الرئيس سعيّد”.
وتابع ثابت “العديد من الأطراف اعتبروا أن عميد المحامين تأخر في الردّ وإصدار الموقف الرسمي للعمادة”.
في المقابل، نفى متابعون أن تكون لتحركات المحامين علاقة بالسلطة والوضع السياسي في البلاد، بل إن الهيئة تحرص على النأي بنفسها عن كل ما هو سياسي وتنطلق من مطالب قطاعية، في مسعى لتحسين وضعيات المحامين وحماية الحريات.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة “كل ما في الأمر أن قيادة قطاع المحاماة وفيّة لمنهجها وليست مسيّسة كقيادات سابقة كانت لها انتماءات سياسية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هذه القيادة استوعبت الواقع السياسي وأدركت أن الاهتمام بالنضال القطاعي أهم من أي شيء آخر، ورأينا كيف أنها انسحبت من مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بشأن تنظيم حوار وطني منذ فترة، ثم انغلقت على نفسها”.
وأشار إلى أن “هذا التحرّك هو تعبير عن الغضب، وترى أن منظوريها يتعرّضون للتضييق في ممارسة نشاطهم المهني”.
وسبق أن انسحبت عمادة المحامين من مبادرة الحوار الوطني التي سعى اتحاد الشغل لقيادتها.
وقال عميد المحامين في تونس حاتم مزيو إن “توقيت مبادرة الحوار الوطني التي كان يسعى إليها الاتحاد العام التونسي للشغل ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى إطلاقها انتهى”.