السبت 12 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

الشافعي: فيلم "نايضة" يجسد معاناة سكان أحياء الصفيح بالمغرب

الشافعي: فيلم "نايضة" يجسد معاناة سكان أحياء الصفيح بالمغرب عبدالرحيم الشافعي
في فيلمه الجديد "نايضة"، يسلط المخرج سعيد الناصري الضوء على معاناة سكان أحياء الصفيح في المغرب، لكنه يكشف أيضا تأثير ضعف الإنتاج والدعم الحكومي وغياب الشركات الخاصة على جودة السينما المغربية. ورغم ضعف جودته الفنية فقد صمد فيلمه لأكثر من ثلاثة شهور في القاعات السينمائية. 

تدور أحداث الفيلم “نايضة” (كبرها تصغار) للمخرج سعيد الناصري حول شخصية سعيد، وهو شاب يعيش في حي فقير بمدينة الدار البيضاء مع مجموعة من أصدقائه، بينما يعاني الجميع من ظروف معيشية صعبة، حيث يفتقرون إلى أبسط الحقوق الأساسية. ويحاول سعيد وأصدقاؤه إيصال مطالبهم العادلة إلى رئيس الحكومة على أمل تحسين أوضاعهم، إلا أنهم لا يتلقون أي رد أو استجابة. 

يقرر سعيد وأصدقاؤه اتخاذ خطوة جريئة وغير مسبوقة مع تزايد شعورهم بالإحباط والظلم، إذ يقومون باحتجاز مجموعة من الدبلوماسيين والشخصيات السياسية المرموقة كرهائن، في محاولة للضغط على الحكومة لسماع مطالبهم، لكن هذه الخطوة تنقلب عليهم، حيث يجدون أنفسهم متهمين بالإرهاب من دون قصد، وهذا يضعهم في ورطة كبيرة تتفاقم مع خروج الأمور عن سيطرتهم. 

الفيلم من إخراج وتأليف سعيد الناصري، وبطولة كل من رفيق بوبكر، إلهام واعزيز، عبدالحق بلمجاهد، عبدالكبير حزيران، وعبدالكبير الركاكنة. 

ويعكس السيناريو خطابا شعبيا مباشرا من خلال تصويره للمعاناة الاجتماعية التي يعيشها سعيد وأصدقاؤه في حي فقير بالدار البيضاء، إذ يعتمد على استعراض الحياة اليومية لهذه الفئة المهمشة، من خلال طرح صراعهم المستمر للحصول على حقوقهم الأساسية. ويتناول الموضوع هذه القضية بأسلوب صريح وواضح، حيث يتم إيصال الرسائل بشكل مباشر دون أي غموض أو رمزية، وهو ما قد يضعف من تأثير الرسالة عند المتلقي، خاصة في الأعمال السينمائية التي تحتاج إلى عمق وفهم أوسع لطبيعة المشكلات المطروحة. 

ويبتعد السيناريو عن الأساليب الفنية التي تعتمد على الرمزية أو الإيحاء، ويقدم بدلا من ذلك خطابا مباشرا يجعل الجمهور أمام مواجهة واضحة مع الفقر والظلم الاجتماعي، وهذا النوع من السرد قد يفتقد إلى الجوانب الفنية التي تعزز من تأثير الأفلام السينمائية، إذ يعتمد بشكل أساسي على إيصال الرسالة دون أن يمنح المشاهد الفرصة للتفكير أو التأمل في عمق القضايا المطروحة، وبالتالي يحوّل السيناريو الأحداث إلى مجرد تصوير لحياة الأزقة والشوارع، وهذا ما يقلل من فرصته في أن يكون فيلما ذا طابع فني يتناول قضية الفقر بشكل أعمق. 

ويتجاوز السيناريو حدود الواقعية عند اتخاذه تحولا مفاجئا في الأحداث، حيث تنتقل الشخصيات من محاولات بسيطة لإيصال مطالبها إلى احتجاز رهائن سياسيين، وهذه القفزة غير المبررة في تصاعد الأحداث تخلق نوعا من الفجوة في السرد، ما يضع الشخصيات في مواقف غير متناسبة مع الظروف الاجتماعية التي قدمت في بداية الفيلم، إذ تفتقر الفكرة إلى مبررات منطقية تجعل هذا التحول في الحبكة الدرامية يبدو مقنعا، وهو ما قد يؤدي إلى إفقاد القصة واقعيتها واتصالها المباشر مع المشاهد. 

ويؤدي هذا النوع من الخطاب إلى تحويل الفيلم إلى مجموعة من المشاهد المثيرة التي تعتمد على التصعيد الدرامي بدلا من التركيز على التحليل العميق للمشكلات الاجتماعية، فتظهر الشخصيات وهي تتخذ خطوات جريئة وغير محسوبة تضعها في مواقف خطرة تتفاقم بسرعة، وهذا النوع من التصعيد قد يؤدي إلى تحويل القضايا الجادة مثل الفقر والظلم الاجتماعي إلى مجرد مادة درامية مثيرة، دون تقديم حلول أو تناول واقعي لمثل هذه القضايا. 

ويفتقر سيناريو فيلم “نايضة” إلى تحليل أكثر عمقا وتوازنا في التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية، وينقصه البناء الدرامي القوي الذي يسمح للمشاهد بفهم أعمق للقضايا المطروحة، إذ ينبغي التركيز على تطوير الشخصيات والبحث عن أساليب سردية أكثر تعقيدا تتيح للمشاهد الفرصة للتفاعل مع الفيلم بشكل نقدي بدلا من الاكتفاء بتلقي الرسائل بشكل مباشر. 

ويعكس أداء الممثلين في هذا الفيلم الوقوع في فخ العفوية والتلقائية المفرطة، حيث يعتمدون على الأسلوب الارتجالي في تبادل الحوارات بشكل يفوق الحد الطبيعي، كما يبتعد أداؤهم عن التناغم المنضبط والتوجيه الدرامي المدروس، ما يؤدي إلى فقدان السيطرة على تفاصيل الحوار والمشاهد، وهذا الأسلوب يضعف من تأثير الأدوار، حيث يظهر الممثلون وكأنهم يتحدثون بشكل غير مقنن يبرز تقديم أداء غير مقنع للجمهور.

ويجعل هذا النوع من العفوية الأداء يبدو سطحيا، إذ يفتقر الممثلون إلى الاندماج العميق في شخصياتهم، خاصة وأنهم يعتمدون بشكل كبير على التعبيرات اللحظية والردود العفوية، ما يفقد الحوار قوته ووزنه الدرامي، بدلا من أن يكون الحوار محكما ومرتبطا بسياق القصة، كما يظهر وكأنه مجرد تبادل كلامي ارتجالي غير مخطط له ويقلل من مصداقية الشخصيات وأدائها التمثيلي، وهذا الارتجال المفرط يجعل المشاهد يدرك الاصطناع في الأداء ويفقد القصة أي جاذبية عاطفية أو واقعية. 

ويتسبب الأسلوب الشعبوي في الأداء في تقليل الجدية المطلوبة في التعامل مع القضايا المطروحة، حيث تبرز الشخصيات في شكل نمطي يعبر عن حياة الشوارع أو الأزقة ويظهر الممثلون وكأنهم يمثلون شخصيات سطحية بلا أبعاد نفسية أو اجتماعية معقدة، وهو ما يؤدي إلى شعور الجمهور بأن الأداء مزيف وغير مرتبط بالواقع الذي تسعى القصة لتمثيله، فالشعبوية المفرطة في تبادل الحوارات تجعل الشخصيات تبدو مبالغة وغير طبيعية وكأنها تحاكي صورة نمطية للشخصيات الشعبية. 

ويعكس الإنتاج الضعيف لفيلم “نايضة” عدة تحديات واجهها المخرج والسيناريست المغربي سعيد الناصري، خاصة في ظل غياب الدعم المالي من المركز السينمائي المغربي، إذ يظهر هذا الواقع الصعوبات التي عانى منها الناصري، حيث لم يتمكن من تحقيق رؤيته الفنية بشكل كامل بسبب نقص الموارد والإمكانيات اللازمة لتنفيذ إنتاج ضخم يليق بجرأة أحداث الفيلم. 

ويواجه الناصري عراقيل كبيرة نتيجة لعدم حصوله على الدعم الذي كان يعول عليه من المركز السينمائي، وهو أمر يعد جوهريا في صناعة الأفلام بالمغرب، فالدعم الحكومي يعتبر إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها صناع السينما المحلية لضمان إنتاج أفلام بجودة تنافسية، وغياب هذا الدعم أدى إلى تقليص الميزانية المتاحة للفيلم، وهذا ما أثر بشكل مباشر على مختلف جوانب الإنتاج من تصميم الديكور إلى تأمين الإكسسوارات والتجهيزات اللازمة لتصوير مشاهد معبرة وقوية. 

ويبرز ضعف الديكور والإكسسوارات في الفيلم كواحد من أهم التحديات التي واجهها المخرج، حيث لم يتمكن من تحقيق البيئة التي كان يتخيلها لنقل أحداث الفيلم بواقعية واحترافية، إذ كان الطموح في البداية إنتاجا ضخما يتناسب مع حجم وجدية الموضوعات التي يتناولها العمل، لكن نقص الموارد أدى إلى نتائج بعيدة عن التوقعات الأصلية، فافتقار الفيلم للديكورات المصممة بدقة والإكسسوارات التي تخدم السرد البصري يجعل المشاهد يدرك محدودية الإمكانيات، وهو ما ينعكس سلبا على التجربة السينمائية ككل. 

وتؤثر هذه العوامل على المصداقية الفنية للعمل، حيث يجد المخرج نفسه مضطرا إلى العمل ضمن حدود ضيقة لا تسمح له بتحقيق رؤيته الإبداعية بشكل كامل، خاصة وأن التخطيط لفيلم ضخم يتطلب ميزانية ملائمة لتنفيذ الأفكار الجريئة، لكن في ظل غياب الدعم المالي، يفشل المخطط في الوصول إلى المستوى المطلوب، وهذا الفشل الإنتاجي يظهر في ضعف الجوانب التقنية للفيلم، مثل الإضاءة، المؤثرات، وحتى أداء الممثلين الذين تأثروا أيضا بقلة الموارد المتاحة. 

ويمثل هذا الفيلم حالة تعكس التحديات التي يواجهها العديد من المخرجين المغاربة في ظل غياب شركات الإنتاج الخاصة، ما يؤثر على جودة الإنتاج ويحد من إمكانيات الإبداع في السينما المغربية.