شكك المرشحون الثلاثة لانتخابات الرئاسة الجزائرية من بينهم الرئيس الفائز عبد المجيد تبون، في النتائج التي أعلنتها اللجنة المستقلة للانتخابات مساء الأحد 8 شتنبر 2024، وسط تأكيد المراقبين على أن ذلك يعدّ سابقة في تاريخ البلاد، ويؤثر على مصداقية الاستحقاق الانتخابي.
وانضم الرئيس الفائز بالانتخابات الرئاسية الجزائرية عبد المجيد تبون إلى الطاعنين في عمل السلطة المستقلة للانتخابات، بالاتفاق مع منافسيه على الانتقادات والمؤاخذات المسجلة على الهيئة، الأمر الذي يضفي على الاستحقاق برمته حالة من الغموض والارتباك الذي يبقي على أزمة الثقة والشرعية في المؤسسات والاستحقاقات الانتخابية.
وأفاد بيان وقّعه مديرو الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية، وهم مرشح جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، والمرشح المستقل الفائز عبد المجيد تبون، ومرشح حركة مجتمع السلم الإخوانية عبد العالي حساني شريف، بأنهم يبلغون الرأي العام بما أسموه بـ”ضبابية وتناقض وغموض وتضارب الأرقام المقدمة من طرف السلطة المستقلة للانتخابات”.
ويبدو أن انضمام مديرية حملة المرشح الفائز إلى البيان، يطعن بشكل غير مسبوق في عمل وأداء الهيئة، الأمر الذي يمس بمصداقية الاستحقاق وبالنتائج المعلنة، خاصة في ظل الأرقام المتضاربة المعلن عنها من طرف الرئيس محمد شرفي، مما يطرح استفهامات عميقة حول مدى استقلاليتها وحصانتها من دوائر الضغط الخفية.
ولم يستبعد متابعون للشأن الجزائري أن يكون التضارب المسجل وليد ضغوطات تعرضت لها الهيئة من طرف جهات متنافرة في هرم السلطة، ولذلك ظهرت تناقضات صارخة أمام الرأي العام.
البيان الذي وقعه مديرو الحملات الانتخابية للمرشحين الثلاثة، تحدث عن ضبابية وتناقض الأرقام المعلنة لنسب المشاركة.
وكانت الهيئة قد تأخرت في إعلان نسبة المشاركة بأكثر من ثلاث ساعات، حيث أعلن رئيسها محمد شرفي عن أكثر من 48 في المئة، في حين أعلن في الصباح عن جرد خمسة ملايين و600 ألف صوت معبر عنه لصالح المرشحين الثلاثة، دون ذكر الأصوات الملغاة أو الأوراق البيضاء، وهو ما يجعل النسبة تنحدر إلى نحو 22 في المئة، وأقل بكثير عن تلك المسجلة في انتخابات العام 2019، (نحو 39 في المئة).
وعلق على الأزمة المفاجئة في مسار الاستحقاق الرئاسي المحلل وأستاذ علم الاجتماع السياسي ناصر جابي، في منشور له على صفحته الرسمية بفيسبوك، بالقول “أكد لي البيان الكثير من القناعات والتوجسات ذات العلاقة بالحياة السياسية والانتخابات تحديدا، منها على سبيل المثال أنه يصعب بناء مؤسسات ذات مصداقية مثل الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، في نظام سياسي مغلق وغير شفاف، تعيش نخبه تدهورا كبيرا على المستوى الأخلاقي”.
وأكد أن “الجزائر لا تملك نخبة جامعية وإعلامية يمكن أن تقوم بدورها لصالح حريات المواطنين والمواطنات، تساعدهم على توضيح الرؤية في أوقات صعبة، مثل التي عشناها هذه الأيام الأخيرة بمناسبة الإعلان عن نتائج الانتخابات التي عرفت حالة اضطراب قصوى، كما بينته عملية تنظيم الندوات والإعلان عن النتائج وطريقة حساباتها الغريبة، استمع فيها المواطن إلى أمور أغرب من الخيال جاءت على لسان رئيس الهيئة شرفي، وهو يعلن عن تمديد فتح مكاتب الاقتراع إلى غاية التاسعة ليلا أمام حيرة صحافي التلفزيون المغبون الذي لم يعرف ما يقوله، ليتكفل التلفزيون لاحقا بتصحيح توقيت الغلق إلى الثامنة بعد إضافة ساعة دون اعتذار للمواطنين”.
ولفت جابي إلى أن “ما جعلني أفهم أن رئيس الهيئة لم يعد في سنّ وحضور بدني يسمحان له بالسهر والعمل طويلا والتركيز في القول، كان يفترض إعفاؤه من هذا المنصب الذي لم يعد قادرا على القيام به بشكل معقول حتى لا أقول على أحسن وجه، بعيدا عن هذه الأمور المتعلقة بالأفراد التي تبدو ثانوية. والأهم من هذه الاعتبارات المتعلقة بالأشخاص فهمت بمناسبة هذه الأزمة ما كنت قد لمحت له في وقت سابق متعلق بتسبيق الانتخابات إلى يوم 7 شتنبر الجاري، دون منح المواطن والملاحظ أي تبرير معقول لحد الساعة”.
وتابع “شروط انتخابات رئاسية تنافسية في حدها الأدنى غير متوفرة في الحالة الجزائرية التي لا يزال فيها منصب رئيس الجمهورية بعيدا عن دخول سوق المنافسة السياسية الفعلية. وهو ما عبّر عنه المواطن بهذا الشكل شبه الجماعي وهو يقاطع هذه الانتخابات الرئاسية. موقف شعبي سفه فيه المواطن الجزائري الأحزاب والنخب الرسمية التي اختارت سياسة التزلف والدفاع عن مصالحها الشخصية، كما يظهرها الإعلام بمختلف أشكاله وهو يتحول إلى خطر فعلي على الجزائر والجزائريين”.
وخلص المتحدث إلى أن “هذه الأزمة تؤكد ما كنت مقتنع به منذ سنوات، أن الجزائر في حاجة إلى إصلاح نظامها السياسي بشكل جدي لبناء مؤسسات سياسية شرعية، عبر فتح مجال الحريات الإعلامية والسياسية أمام الجزائريين، تمر حتما عبر استقلال العدالة، وتوفير شروط ضرورية لبناء مؤسسات ونخب شرعية وممثلة تقود البلاد، دفاعا عن الدولة الوطنية التي يمكن أن يهددها هذا النظام إذا استمر بنفس التسيير والمريدين، في وقت تعرف فيه الجزائر عداوة كبيرة على طول حدودها، ليس تخويفا كما يفعل إعلام النظام لتمرير قراراته. هذا واقع سيكون من الصعب مجابهته إذا لم نقم بإصلاح نظامنا السياسي كما طالب بذلك الحراك الشعبي”.