مر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى ولاية رئاسية ثانية بعد فوزه في الانتخابات التي جرت السبت 7 شتنبر 2024، لكن هاجس الشرعية الشعبية يبقى يلاحقه بكل ما يحمله من دلالات وتأويلات، فمن بين أكثر من 24 مليون جزائري مسجل على اللوائح الانتخابية لم يحصل إلا على تزكية أكثر من خمسة ملايين جزائري فقط، رغم التحشيد السياسي الإعلامي.
وأعلن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي عن فوز المرشح عبد المجيد تبون بسباق الانتخابات الرئاسية، بنسبة تفوق 94 في المئة، وهو ما يقدر بنحو خمسة ملايين و300 ألف صوت، بينما اقتسم منافساه عبد العالي حساني شريف، من حركة مجتمع السلم، ويوسف أوشيش عن جبهة القوى الاشتراكية نسبة الـ5 في المئة المتبقية، حيث فاز الأول بأكثر من 3 في المئة والثاني أكثر من 2 في المئة، بمجموع أصوات لا يتعدي 300 ألف صوت.
واكتفى المتحدث خلال إعلان النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية بسرد أرقام الأصوات والنسب التي تحصل عليها كل مترشح، دون التطرق إلى نسبة المشاركة الشعبية، الأمر الذي يعزز الغموض حول البيانات المعلنة، فمن مجموع أكثر من 24 مليون مسجل في اللوائح الانتخابية لم يحصل المتنافسون إلا على حوالي خمسة ملايين و600 ألف صوت، وهي نسبة لا تتعدى سقف الـ25 في المئة، بحساب كتلة ما يعرف بالتصويت الأبيض (الأوراق الملغاة والبيضاء)، ما يتضارب مع إعلان السلطة أن المشاركة بلغت 48 في المائة.
وسجلت كتلة الأصوات المعلن عنها، والتي تجاوزت خمسة ملايين صوت، تراجعا مقارنة بتلك المعلن عنها في انتخابات 2019، لما فاقت تسعة ملايين صوت، وهو ما يعتبر تراجعا لافتا في الوعاء الانتخابي رغم آلة الحشد والتعبئة، الأمر الذي يعزز أزمة الشرعية الشعبية للمؤسسة الرسمية الأولى في البلاد.
وكانت الشكوك قد حامت حول بيانات المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، بعد الكشف المقتضب لرئيس سلطة الانتخابات عن مضاعفتها في الساعات الثلاث الأخيرة من يوم الاقتراع، حيث قفزت من 26 في المئة إلى 48 في المئة.
وجاء أول تنديد رسمي حول شكوك التضخيم والتلاعب ببيانات المشاركة الشعبية في الانتخابات من المرشح الإخواني عبدالعالي حساني شريف، من خلال بيان نشره.
ورغم أنه وصف البيان بـ”الناعم” إلا أنه دعم الشكوك التي حامت حول تدخل السلطة المستقلة لتضخيم المشاركة بشكل لافت لا يعكس حقيقة الأجواء التي سادت يوم الاقتراع، حيث بدا نفور الشارع من العملية ظاهرا للعيان، رغم بعض صور الزحمة التي سوقها الإعلام المحلي.
وانتقد البيان أداء السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وممارساتها “غير المقبولة”، بدءا من مرحلة جمع التوقيعات ووصولا إلى عدم الضبط والتحكم في التغطية الإعلامية للمرشحين، في إشارة إلى الانحياز الذي سجل لدى بعض وسائل الإعلام الحكومية لصالح مرشح معين، دون أن تشير إلى اسمه، وهو عبدالمجيد تبون، الذي جند أذرعه السياسية والمدنية والإعلامية من أجل الترويج لحصيلته وللتجديد له لولاية رئاسية ثانية.
وقالت مديرية الحملة الانتخابية للمرشح حساني شريف إن “روح المسؤولية السياسية والالتزام الوطني الذي ميز الأداء السياسي الاحترافي للمترشح عبد العالي حساني شريف، منذ أن قرر مجلس الشورى الوطني ترشيحه للانتخابات الرئاسية، أعطى صورة تنافسية راقية لهذا الاستحقاق الوطني المهم، رغم ما رافقه من ممارسات إدارية غير مقبولة من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، يتعلق الأمر بمرحلة التوقيعات ولاسيما عند إعلان نتائج جمع استمارات الاكتتاب للمواطنين أمام الرأي العام، أو ما رافق الحملة الانتخابية من عدم ضبط وتحكم في التغطية الإعلامية للمرشحين”.
وأضافت “رغم كل ذلك تم تجاوز هذه الأعطاب بالاحتجاجات المكتوبة إلى السلطة الوطنية، ما يؤكد عدم تمكنها من تسيير نسب المشاركة في يوم الاقتراع بالتأخر تارة، وبالإعلان عن ‘معدل نسبة مشاركة’ بعد منتصف الليل، حيث انتهى الاقتراع على الساعة الثامنة بتأخر دام أربع ساعات! والإعلان عن نسبة مشاركة منقوصة من حيث عدد الأصوات المعبر عنها واستخدام مصطلح غريب لما سمي بـ "معدل نسبة المشاركة" في الولايات فضلا عن عدم وصول نسبة المشاركة في الخارج!”.
وأعربت مديرية المرشح الإخواني عما أسمته بـ”عودة ممارسات قديمة كان من الممكن تجاوزها، من بينها: الضغط على بعض مؤطري مكاتب التصويت لتضخيم النتائج، وعدم تسليم محاضر الفرز لممثلي المترشحين، والتصويت الجماعي بالوكالات”.
ولفتت إلى أنه في “انتظار إعلان النتائج المؤقتة، نؤكد أننا سنتحمل مسؤوليتنا أمام الناخبين في المقام الأول وأمام المناضلين في المقام الثاني، لتوضيح كامل الظروف والملابسات التي أحاطت بالعملية الانتخابية ونتائجها المحتملة وإعلان الموقف المناسب منها”.
في المقابل أعرب أنصار ومؤيدو الرئيس المترشح عن فرحتهم بتحقيق ولاية رئاسية ثانية لعبدالمجيد تبون، لكن وسط ذهول بين نسبة المشاركة المحققة والمعلن عنها من طرف سلطة الانتخابات -والتي اعتبروها ورقة شرعية في يد رئيس الجمهورية خلال ولايته الثانية، يقطع بها الطريق على انتقادات وشكوك المعارضة الرافضة للخيارات السياسية للسلطة منذ عام 2019- وبين الأرقام التي كشفت عنها النتائج الأولية، والتي تبقي الرجل في حجم بعيد عن طموحهم وعن ثقة الشارع الجزائري.
عن يومية "العرب"