لم نحب مصر إلا وهي مقرونة بالعظمة. لهذا عندما تنهار وتنزل إلى الحضيض يكون شعورنا الطبيعي هو أن نكرهها.
ولمصر عادات في حبنا، فنحن لا نحتقرها، لأننا لا نستطيع أن نضع جمال عبد الناصر أو نجيب محفوظ أو محمد عبده في خانة الناس القابلين للتعرية.
ولأن مصر أهرامات
ولأن مصر أجناد الله، أحببناها منذ المقوقس وجوابه الذكي على نبينا ومنذ أخناتون...
لكن مصر لن تسكن القلب أكبر من المغرب، بلدي وبلد المسلمين جميعا..!
لكن فجأة اكتشف علماء من أرض الكنانة أن المغرب لم يدخل الإسلام بعد، وأنه في دائرة الإسلام الخليجي، غير مكتمل الأهلية!
وقرأنا من يقول إن احتفال المغرب اليوم بأول أيام عيد الأضحى غير جائز شرعاً، لأنهم يخالفون ما اعتاده المسلمون ويخرقون الإجماع»...
وكأن ابراهيم عليه السلام أوصى العالم الأزهري النحرير بأن يفتي فينا!
نفس العالم «وجه خطابا الى المغاربة قائلا: يجب على أهل المغرب أن يخضعوا في وقفة عرفة وأول أيام عيد الأضحى للسعودية»، مؤكدًا أن «يوم عرفة عندهم يخالف ما اعتاده المسلمون،» مشيرًا إلى أنه من المفترض أن يأخذوا بالحساب الفلكي للسعودية أولى من انتظارهم رؤية الهلال، طالما أنهم يشتركون في جزء من الليل مع السعودية، منوهاً بأن هذا الأمر خرق لإجماع المسلمين وغير جائز».
العجيب أننا نشترك وحدنا مع السعودية.. الليل!!
ليل المغرب.. وحده شبيه بليل السعودية: لكن كيف يخرج الكلام التافه من الليل السعودي؟
ولو كان الرجل وحيدا في هذا الكلام، لهانت زلاته، لكن كيف القول مع ما نقلته
جريدة الموجز الرقمية عن محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذي سار على نهجه وهو يقول «إن احتفال المغرب يوم الأحد بأول أيام عيد الأضحى يخالف الدول الإسلامية كلها وليس له أي سند شرعي. مؤكدا «أن الاحتفال بالعيد يكون وفقًا لرؤية المملكة العربية للهلال ، لافتاً إلى أن المسلمين يؤدون فريضة الحج في المملكة وليس في المغرب، مشيراً إلى أن العيد يأتي بعد وقفة عرفات».
أولا السيد شحات يلغي القرآن الذي يحثنا على الصوم عند رؤية الهلال،
ثانيا: كنا نعتبر أن القذافي رحمه الله، هو وحده الذي يجتهد في الهلال.
ثالثا: لم نقرأ أبدا، وفي أي سند أن الحج ورمضان صنوان.
وأن الذي يحج إلى العربية السعودية لا بد من أن يصوم على هلالها.
رابعا: هل المسلمون في القطب الشمالي هم بالضرورة غير مؤمنين لأن لهم نصف السنة نهارا ونصفها ليلا؟
خامسا: كيف يكون العقل الأزهري بهذا التبلد العقدي، عندما يتعلق الأمر بالمغرب.
سادسا: لن تستطيع النخبة المصرية تحقيق ما عجزت عنه دولة الخلافة العثمانية عندما وقف فرسانها على حدود الشرق المغربي.
كل هذا (كوم) وما يقوله علماؤنا نحن (كوم ثان بلغة أهل مصر)..
لا أفهم موقف علمائنا الأبرار عندما يردون على ما قاله الأزهري بأنه ليس فتوى؟
ما هذا الهروب الأعرج من تبعات موقف مؤسس أصلا على الجغرافيا والسياسة، لا على الإفتاء؟
ما معنى أنه لم تصدر فتوى عن الأزهر، وإنما هو كلام رجل يقدم نفسه كأمين عام الفتوى بالجامع الأزهر.
يتحدث العلماء الأجلاء وكأننا فعلا نسمع لهم صوتا عندما تكون هناك فتاوى عن المغرب أو المغاربة أو عن التدين المغربي!
ليس في كلام علمائنا الأجلاء أية نزعة غيرة والحق أقول..
كان عليهم أن يقولوا أيضا أن ما صدر عن يوسف شعبان ليس فتوى وما قالته أماني الخياط ليس بفتوى لكي يسلموا من حرج الرد!!
بخصوص السعودية، بلد الحرمين والبيت العتيق الذي وضع للناس ببكة مباركا، المغاربة من الشعوب الذين تهفو قلوبهم إلى أرض الإسماعيليين الحنفاء.
ونشعر بالفعل أننا معنيون بدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام وهو يتوجه إلى ربه في واد غير ذي زرع ربي اجعل هذا البلد آمنا وهو يقول فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وهو يتضرع إلى خالقه وارزقهم من الثمرات..
ويحب المغاربة أن يبكوا على قبر نبيهم في أرض السعودية.
وللتذكير فمحمد لم يكن سعوديا..
كما أن موسى لم يكن مصريا
وكما أن المسيح لم يكن فلسطينيا..
لكنهم أنبياء أرض القدس، من الحجاز إلى الناصرة!!
في هولندا عندما أساء الزعيم اليميني المتطرف للمغاربة، استدعاه القضاء وطالبت النيابة العامة هيرت فيلدرز للتحقيق معه عقب التصريحات التي أدلى بها في مارس الماضي ضد المغاربة المقيمين في هولندا لأنه قال كلاما مشينا اعتبرته النيابة العامة تحريضا على الميز والكراهية.
والقضاء المصري، الذي عانقنا أسطورته طويلا، وظل قامة كبيرة في عقولنا وفي تفكيرنا كلما اقتربنا من العدالة، كان عليه أن يستدعي أماني الخياط وكان عليه أن يستدعي أيضا يوسف شعبان الذي قال، في حقنا، قبل علماء الأزهر، بأن تركيبة المجتمع المغربي تتشكل في غالبيتها من الطائفة اليهودية، قائلا أثناء مقابلة أجرتها معه قناة "صدى البلد"، "إن حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين مغربي من أصول يهودية، وإن ثمانية من ضمن عشرة مواطنين مغاربة ينتمون للديانة اليهودية".
لا يضرنا ذلك، فوالدي أطال الله عمره كان يردد على مسامعي وأنا صغير، في حضرة الجد الإمام "كلنا يهود الله".
لكن من المؤكد أن يوسف شعبان، الذي صنع له مجدا فنيا لا يمكن أن ننازعه فيه، لأنه أساء إلينا، لم يكن يتحدث بهكذا فهم، بل إن حقده على الإخوان المسلمين جعله يرى في البنا يهوديا مغربيا، كما كان الإخوان في حقدهم على السيسي يرون أن والدته يهودية مغربية من أسفي (هكاك أعزيز الساطوري)!!
ولعل الجنود الذين توفوا في حرب أكتوبر من أجل مصر، 80 % منهم يهود مغاربة ماتوا من أجل أن تبقى السينما مصرية ويصبح يوسف شعبان ممثلا.
قبل هؤلاء جميعا تكلفت السيدة صاحبة برنامج "صباح أون" أماني الخياط على قناة "أون تى في"؛ حيث اتهمتنا في منتصف يوليوز 2014، بأن "اقتصاد المغرب يقوم على الدعارة"، لا لشيء إلا لأن المغرب الذي استنجد به خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" طالب بالتدخل لوقف الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة..
كما لو أن الذي سينقذ الشعب الفلسطيني من الإبادة الإسرائيلية.. داعر ومصاب بالسيدا..
والذي يصفق للحرب على الشعب (الذي تحاربه مصر الشوفينية لا مصر الحقيقية.. سيد الطاهرين)
أماني الخياط ، هي ربيعة العدوية (أم نقول رابعة العدوية؟) الزمن الإعلامي الفاحش!
ولا قبل لنا فعلا بكل هذا الفحش الإعلامي، عندما نستحضر ما قاله الأبراشي، الفرد الجماعة في التلفزيون المصري، عندما قام بالتهجم وبلغة نابية وثقيلة على جمهور مدينة تطوان خصوصا والمغاربة عموما، بعد حادثة طرد الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب من خشبة مهرجان أصوات نسائية في عز الصيف وعز الفواجع المصرية. وقال الأبراشي ردا منه على حركة شيرين التي تهجمت على أحد الاشخاص من الجمهور الذي حج لمتابعتها والتي خاطبته فيها قائلة له «انت يحصلك شرف تكون مصري» ، «أن الواجب على الشخص أيا كان أن يحس بالرهبة الشديدة عند ذكر مصر، وأن الذين يقولون إنهم ليسوا مصريين صهاينة وجب قطع ألسنتهم دون تشاور».
طيب يا سيدي. تطالب منا أن نكون سعوديين دينيا، لماذا تريد أن تقطع لسان من لا يقول إنه مصري؟
واضح للغاية أن الفرق بين الأزهر والتلفزيون، جلابية مصري وعمامة تركي لا غير: فالفقيه والمذيعة والراقصة والإعلامي، في سيناريو مدينة الانتاج السياسي والفقهي في مصر لهم كاتب واحد. ونتمنى أن لا يكون لهم حساب بنكي واحد!!
وكما قال ذات يوم كبير الشعراء المعاصرين محمود درويش في كبير شعراء العربية أبو الطيب المتنبي: «للنيل عادات وإني راحل»..
رحلة المتنبي إلى مصر
للنيل عاداتٌ
وإني راحلُ
أمشي سريعاً في بلادٍ تسرقُ الأسماءَ منِّي
قد جئتُ من حَلَبٍ؟ وإني لا أعود إلى العراقِ
سَقَطَ الشمالُ فلا أُلاقي
غير هذا الدرب يَسَبُني إلى نفسي... ومصر
كم اندفعتُ إلى الصهيلْ
فلم أجدْ فَرَساً وفرساناً
وأسْلَمَني الرحيلُ إلى الرحيلْ
ولا أرى بلداً هناك
ولا أرى أحداً هناك...